يقول الفنان المعروف سعدون الجابر ، في ملواله الشهير : اللي مضيع ذهب .. بسوق الذهب يلقاه واللي مفارق محب يمكن ، سنة ، وينساه واللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه ونحن … ضيعنا الوطن ..وين الوطن نلقاه ؟ ضيعنا بلادنا الحبيبة ، الجميلة ، الهادئة الوديعة … الطيبة المعطاه التي كانت تنعم بالأمن والأمان ، وبالخيرات تؤتي أكلها ، في العام الواحد . مرات ومرات تتدفق عليها المياه مدرارا … من الأرض ينابيع فوارة … ومن السماء ماء مباركا وامطارا … وعلي الوديان جداولا وانهارا … وعلي الشواطئ الخضر فاكهة وازهارا ورمانا … وفي البطاح خيولا وجمالا وابقارا وانعاما … وفي الخدور حسانا وغزلانا … وفي الساحات ابطالا وفرسانا … فأضاعوك ، يا وطني واي وطنا اضاعوا ؟ أما آن لهذا الفارس الجريح أن يضمد جراحه؟ أما آن لهذا البطل المتعب بقادته ، أن يسترد عافيته ومكانته بين الأمم كما كان قويا وعملاقا ؟ أما آن لهذه السيوف والسهام والحراب آن تكف وتسكن في جفورها ، فقد كادت أن تقضي علي اللحم والعظم ولم يبق إلا الجسد وبما يقيم أوده؟ . إن ، هذا الذي يحدث في السودان ، من تقتيل وتشريد وتدمير للبيئة والإنسان ، لم يكن متصورا ولا في الحسبان ، ولم تعرفه بلادنا الوديعة عبر تاريخها الطويل حتي مع الغزاة والترك والانجليز وكارهي البشر والإنسان ! وكأنما مصائب الدنيا قد تجمعت سحائبها لتهطل وتصب حمما علي السودان… لا تستحق بلادنا العزيزة كل ذلك الهوان … أيحدث كل ذلك من أجل السلطة والسلطان؟ وكيف يهنأ ويهدأ لحاكم بال وهو يقيم عرشه علي جماجم أهله وأنين الضحايا وأمهاتنا الثكلي وفواجع الصبايا والشبان؟ . كيف يحدث هذا والوطن يتصدع ويسير بخطي متسارعة نحو الهاوية التي سوف تبتلعنا كلنا وأولهم طالبي السلطة الكاذبة المخادعة القائمة علي الأرض اليباب التي جفت ينابيعها ويعطيها التراب. غريب … وغريب جدا هذا الذي يحدث في بلادنا الحبيبة … هل هؤلاء القادة ، بغض النظر عن هويتهم السياسية ، هل هم منا ، من أبناء جلدتنا ، ومن شوارع وازقة حاراتنا .. يأكلون ويشربون مثلنا وينامون مرتاحين الضمير ثم يحلمون كما يحلم البسطاء منا ؟ هل هم فعلا أبناء جلدتنا الذين تناسلوا عن رحم جداتنا وسلالة جنسنا البشري بملامحنا وقلوبنا وتعاطفنا البشري؟ نحن ، أهل السودان ، في كل ربوعه ، لا نعرف الإرهاب حتي نوصف به… لا نعرف الغدر والخيانة حتي مع الأعداء … نحن شعب السودان الذي كان وسيكون ومع الايام رمزا للوفاء والمحبة والعطاء … نحن مع الماضي الجميل وحاضر ومستقبل الاجيال والأبناء … مهما كثرت المتاعب وتنوعت التشوهات … وتفرقت بنا الدروب والطرقات … لأننا نحمل في دواخلنا ذلك السودان الذي نحلم به ، ونراه كما نريد له … عملاقا أبيا ولن تغرب أبدا شمس عزته مهما حاولوا طمس هويته … فهو الشامخ الباقي مع الأيام .