قصة (الزيني بركات) , والتي تناولها الكاتب المصري الكبير جمال الغيطاني في روايته التي نشرها في السبعينيات وتم عرضها في التسعينيات في مسلسل تلفزيوني جميل تقاسم نجوميته الممثلان القديران أحمد بدير ونبيل الحلفاوي , تحكي دور اجهزة الامن والاستخبارات في كل زمان ومكان في خداع الشعوب وغسل أدمغتهم عبر الشائعات والمؤامرات والدسائس – بل والتلاعب بالحاكم نفسه – حد انهيار الدولة وتسليمها لقمة سائغة للأعداء . بطل القصة الأساسي الزيني بركات (احمد بدير) طفا على ظهر الأحداث فجأة عندما قام السلطان قانصوه الغوري (لعب دوره الممثل فاروق الرشيدي) بعزل محتسب القاهرة علي بن أبي الجود الذي ضج الناس من ظلمه وفساده الذي فاحت رائحته , وأعلن عن تعيين بركات بن موسي الذي انعم عليه بلقب الزيني وقام الزيني برفض المنصب , بل والتوسل للسلطان حد البكاء ان يعفيه من هذه الامانة العظيمة , مما جعل الناس يهتفون باسمه بل ويذهبون للشيخ الجليل أبي السعود الجارحي (رشوان توفيق) للتشفع له, بعد ذلك تتكشف الأحداث عن شخص شديد الذكاء ميت القلب قد اعد لكل شيء عدته لا يفوته شيء و لايدهشه شيء . شخص مجرم ومخاتل – لكنك كمشاهد لا تملك إلا أن تحبه و تتعاطف معه – هذه الشخصية اثارت غيرة كبير بصاصي السلطنة الشهاب زكريا بن راضي (نبيل الحلفاوي) مما ادى إلى أن تدور حرب طاحنة بين الرجلين انتهت بصلحهما بعد أن ادرك كل منهما قوة خصمه وفائدته له إن تعاونا بدل الحرب التي لاغالب فيها ولا مغلوب . عند ذلك تحولت هذه القوة إلى قوة ضد الشعب المسكين تم فيها تسويق الباطل وتحويل طلاب الأزهر إلى جواسيس , بل وحتى الأطفال إلى جواسيس على ذويهم بل وإفهماهم ان هذا العمل واجب مقدس لحفظ الدولة . مع تمدد طغيان الرجلين واحتكار المماليك لقوت الشعب , وضعف دور السلطان الغوري الذي كان ألعوبة في يدي الرجلين حيث استغلا نقاط ضعفه المتمثلة في شرهه للموائد العامرة وجلسات الطرب مع الجواري الجميلات وحبه للرشاوي التي كان يتقاضها بلا وجل امام الجميع . كان الأعداء يتربصون بالدولة وكان يتم خداع السلطان أن تحركات السلطان سليم العثماني هي لدحر الشاه اسماعيل الصفوي في العراق , حتى فوجئ الجميع ذات يوم ان العدو قد دخل القاهرة واتضح ان كثيرا من جواسيس بني عثمان كانوا قد تسللوا لمناصب مهمة في الدولة . جدير بالذكر ان الزيني بركات اتضح أنه كان متعاونا معهم منذ البداية لذلك تم توليته منصب محتسب القاهرة ممثلا للسلطان سليم . القصة أعلاه عايشنا جزءاً كبيرا منها في سوداننا خلال حقبة الإنقاذ – بل وقبلها أيضاً – فالحاكم الذي كان ألعوبة في يد المخابرات وكان يحب السفاسف والطرب ولا يلهف الأموال عيني عينك لا يحتاج لذكر اسمه , واجهزة المخابرات التي تركت مهمتها الأساسية المتمثلة في رصد جواسيس الدول الأخرى وكشف المؤامرات على الدولة وتفرغت للتنكيل بالمواطنين الشرفاء , وتدبير المؤامرات وتحويل مظاهرات المواطنين المطلبية السلمية إلى مواكب تخريب مفتعلة لتحرفها عن مطالبها المشروعة وتجد مبررا لقمعها كما كان بفعل جواسيس الشهاب زكريا بن راضي المزروعين وسط الجماهير , بل وحتى شخصيات مثل الكاتب الموهوم اسحق أحمد فضل هنالك شخصية وهمية تشابهه (شواهي / الممثلة القديرة تهاني راشد) كانت تظهر لزكريا وتتحدث امامه بالغاز ورموز عن أحداث تقع قريبا ودائما تكون نذير شؤم , ثم تختفي فجأة كما ظهرت رغم الأبواب المغلقة (اسحق يستمد ألغازه من الأجهزة الأمنية ويكمل الباقي من خيال خصب لكنه مريض) . الزيني لا توجد له شخصية مشابهة بعينها في زماننا هذا لكن تظهر نسخ غير كاملة منه مثل كبيرهم الذي علمهم (الذهاب إلى كوبر حبيسا) مرورا بمن لديهم (كتائب غل نعرفها جيدا و shoot to kill ) وفكي جبرين الذي ادعى ان مهتهم هي تصحيح مسار ولكنه قاد الإقتصاد لأسفل سافلين وحتى الطفل المعجزة , القانوني الضليع ومدرب التنمية البشرية والداعية , والمبشر بدين العسكر ( ال بتشكّر) د. ناجي مصطفي فيه شيء من الزيني . اجتماع زكريا و الزيني واتفاقهم على ترك العداوة بينهما والتعاون معا كان مثل (لقاء السيدين) عندنا في زمن مضى . شر محض ادى لتقسيم مؤتمر الخريجين وجر على السودان ويلات لا اول لها و لا آخر . المماليك وأسماؤهم الغريبة(قاني باي ،طغلق ، ((دقلو)) ….) وتعاليهم على بقية الشعب وظلمهم له مع اعتمادهم على تخويف الناس والسلطان نفسه , كانوا خليطاً يشبه الطبقة الفاسدة التي طفت على سطح الحياة في السودان و التي تتكون كبار جنرالات الخيبة والعار وكبار المتنفذين من تنظيم الكيزان وباقي الأرزقية والمنتفعين وتجار الأزمات والحروب . طبقة تعتاش من سحق الشعب وامتصاص دمه بوسائل عديدة ولا تأبه لشظف العيش وضيقه على باقي الشعب . كان من الطبيعي أن ينهار كل شيء وتنهار الحكومة الفاسدة ويجتاحها الأعداء من كل جانب , بينما الجيل المستنير (يمثلهم طلاب الأزهر بقيادة سعيد الجهيني/ وجدي العربي) يحمل شعلة الأمل ويحاول استنهاض الهمم لمقاومة الدخيل الذي وصل لقصر السلطان , مثلما يحاول شباب الثورة في السودان باستماتة وعزيمة لا تلين انقاذ البلد من الدخيل/ الجنجويد ومليشيات دول الجوار التي وصلت للقصر الجمهوري , وايقاف سرقة خيرات البلد بواسطة الدول التي تعتمد على أذنابها في الداخل لتسهيل مهامها القذرة . [email protected]