لغتنا العامية ذاخرة بالمصطلحات لدرجة تبهر وتحير من يسمعها من غير السودانيين أو من السودانيين الذين تغربوا عن لغتهم (الأم) ولسانهم إنعوج بلغات أخرى . بل إن قاموس العامية عندنا متفوق على قاموس الديبلوماسية قص ، وهذه معضلة كثيراً ما أوقعت من تشبروا لحكمنا في مواقف غاية في الحرج رغم يقيني أنهم مصابون (بالخدر) الديبلوماسي فهم لن ولا يحسون بشئ مما (يدخلنا نحن في أضافرنا). البشير قال (الزارعنا غير الله اليقلعنا) ونافع قال (الحسوا كوعكم) وانقلع البشير ولحس نافع كوع الندم . قبل يومين خرج إلينا البرهان بتهديد لفولكر وقال ليهو (بنطردك) عديل. في نفس اليوم أو قبله بيوم تبادل بوتين والدول الأسكندنافية طرد الديبلوماسيين وختوها قرض دون عنتريات (بنطردكم عديل) وأهلنا قالوا (السواية ما حدَّاثة). لكنني وهنا أتوجه بالحديث للسيد فولكر بيريتس والبعثة الأممية ، أن بنطردك ليس تهديداً أجوفاً بل هو تدبير ديبلوماسي قد يكون وراءه (تحريش ديبلوماسي) من جهات يهمها الآن أن تكسب إلى جانبها أو تشتري مواقف من دول حتى وإن كانت تقودها أنظمة يائسة أو حائرة أو روحها مرقت عديل كما هو الحال لدينا. أعلم أيها السيد فولكر بيريتس والبعثة الأممية أن هذا التهديد حقيقي وقابل للتنفيذ جداً وحينها ستغني مع خلف الله حمد (ما لقيت لي مغيث ولا لقيت لي مراجع ) ، أنا تراني اليوم براجع فيك فالمجتمع الدولي والغرب وجميع المنظمات لو كانت مغيثةً أحداً لأغاثت أوكرانيا ، لذلك استمع لما سأقوله لك ، ولا أخاطبك أنت وحدك بهذا الكلام وإنما أخص به بصورة أشد الثوار والشعب السوداني (صاحب المصلحة في انتصار ثورة ديسمبر المجيدة) . نحن كأطباء تعلمنا وتدربنا على أوضاع نضع فيها المريض لنقوم بفحصه أو علاجه . ولهذه الأوضاع مسميات حفظناها منذ أيام الدراسة. وتحضرني ، سيد بيريتس حكاية تربط بين موضوع حديثي إليك وعاميتنا الجميلة وتلك الأوضاع الطبية . فقد ذكر لي أحد الإخوة أن صديقه قد أخذ والده للطبيب في لندن وكان يعاني من الآم البواسير فشرح الطبيب لأبنه الوضع الذي يريد أن يفحص والده فيه وقال أنه ظل يشرح لعدة دقائق أين يضع ركبتيه ويديه وأين يتجه وأين يكون صدره وأين تكون مؤخرته ثم طلب من الإبن توصيل المعلومة لوالده فما كان من الولد إلا أن قال لوالده كلمة واحدة (فَنْقِسْ) وفي لمح البصر وضع الوالد نفسه في الوضع الذي يريده الطبيب تماماً . دُهش الطبيب بل صُعق من هذه اللغة التي تختصر أكثر من صفحة في كتب الطب في كلمة واحدة لا تحتاج إلى تعديل . لكن للأسف لم يستطع الطبيب اللندني ترجمة فنقس لأي لغة حية مفهومة حتى يستفيد منها . المقصود يا سيد فولكر هنا أننا نتمتع بلغة ومفردات تحير العقل بالرغم من ذلك نحتاج من (يساعدنا في الخروج من حالة إنسداد الأفق) ، والمضحك المبكي أن عاميتنا عبرت عن ذلك بكلمة واحدة برغم أن أسلافنا الذين وضعوها لم يتفقهوا في القانون الدولي وفض النزاعات فأسموها (السِدَّة) . وهنا تعني حالة تعتري العقول وتعتري الموقف في آن واحد (شفت كيف) . كم أنني أزيدك من مصطلحاتنا التي تصف أوضاعاً ستحير زميلنا الطبيب اللندني مثل (كَوِّعْ أو أتكوع ، اتكرفس ، وأتمدد ، أنبطح ، اتحكر) هذه ذخيرة طبية لو ترجمها الخواجات لكلمة واحدة لأختصرو آلآف الصفحات من كتب المراجع الطبية . ومثلها مصطلحات تصف (حالات) أخرى أتركها لكم لمقايستها وتطبيقها على الواقع مثل (أتعولق ، اتفولح ، اتشبر ، اتنبر) والحارقاني شديد هسي (اتحكر) فهي تصف وضعا أليماً نعاني منه. السيد فولكر البرهان أكان ما (مالي أيده) ما كان قال ليك الكلام ده وقبل ذلك (طرد) ناس الانقاذ 115 منظمة إنسانية عاملة في السودان بي جرة قلم وما في زول قال ليهم حاجة . يجب عليك أنت أن تملأ إيدك من الذين يفترض أنك تعمل على مساعدتهم على استعادة فترتهم الانتقالية المختطفة . ولكي تقوم بذلك عليك بتغيير منهجيتك التي ظللت أتابعها وأعلم أنها لن تصل بك ولا بنا لشئ. أسلوب اللقاءات الفردية لكل مجموعة أو حزب أو تيار أو فرد لا يمكن أن يفيدك (في السودان) . نحن في السودان أكان دخلت الحلة وفوتت البيتين الأوائل ودخلت التالت معناها خسرت الاتنين ديل ولو دخلت البيت الأول طوالي برضو خسرت الباقيين عشان نحن عندنا مصطلح إسمه (إشمعنى) . عايز تدخل حلتنا أمشي عديل لشيخ الحلة وحيث أننا لاشيخ لنا الآن فعليك بالآتي : إجمع كل الثوار في لقاء واحد ، أحزاب ولجان مقاومة ولا تستثني منهم أحد . إجمع جميع الحركات المسلحة والمليشيات بنفس الطريقة (حميدتي ما يقول ليك أنا من الجيش ، كضاب ساي) . إجمع جميع أحزاب الإسلاميين بنفس الطريقة. بعد كده ما تكتر كلامك معاهم أطلب من الثوار تكوين قيادة موحدة (رشيقة جداً) في وقت لا يتجاوز أسبوع. أطلب من الحركات المسلحة إما أن تلقي السلاح وتنضم للثوار أو تحتفظ بسلاحها وتنسحب من المدن وتتوقف عن الخوض في السياسة ، حتى تبت الحكومة القادمة في أمرها . أنت مسنود بالبند السابع لو أردت . أطلب من الإسلاميين إلتزام الهدوء وانتظار الانتخابات القادمة على ألا يسألوا متى هي وكيف هي حتى تبت في ذلك مفوضية الانتخابات وتسجيل الأحزاب (ويعتبر هذا تنازلاً منا لن يسمعوا به أو غيره لوتباطأوا في قبوله) . أنت تملك قوة مساندة المنظمة الدولية وتستطيع استخدامها لتطبيق هذه النصائح خاصة مع الحركات والإسلاميين ، فالمنظمة الدولية والغرب كله يشعر بالإهانة والمهانة مما فعله بهم بوتين ويريدون رأساً مبلولةً يجربوا فيه أمواسهم . أما نصيحتي للثوار وكل من يعتبر نفسه ثائراً فأقول وباختصار شديد أنكم حتى هذه اللحظة أبديتم مهارةً شديدة في قيادة الشارع ومناهضة الانقلاب لكن للأسف أبديتم جهلاً وسذاجة شديدة في قيادة الثورة والتحضير لمرحلة ما بعد سقوط الانقلاب . لقد حاولنا توحيد أربعة مبادرات مطروحة من عشرات المبادرات المطروحة في الساحة فوجدنا أن المبادرات لا تختلف في الأساسيات وإنما في تفاصيل غير مهمة ويمكن تجاوزها لكن تكمن العقبة في عقدة (الذاتية) وما لم نتجاوزها فلن نصل لحلم نهاية الانقلاب ناهيك عن تحقيق أهداف الثورة . السيد فولكر بيريتس الثوار والفرقاء من سيملأ منكم يده من الموقف سيقول للإنقلاب فنقس ولن تستطيع قولها يا بيريتس للبرهان ما لم تصل بالفرقاء في الساحة لما نصحتك به وسيطردك البرهان قبل أن تقول له فنقس .