موجة من الغضب العارم اجتاحت الشارع الثوري السوداني عقب رضوخ المجلس المركزي للحرية والتغيير، والجلوس مع المكون العسكري الذي انقلب على (قحت) في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم. تبدلت المواقف في أقل من يوم من الحوار المباشر الذي تقوده الآلية الثلاثية (الأممالمتحدة- الاتحاد الأفريقي-الايقاد)، بين الانقلابيين والحرية والتغيير التي قاطعت الحوار المباشر الذي انطلق صباح الأربعاء المنصرم بفندق السلام روتانا, الذي جمع المجموعة الانقلابية سواء حركات مسلحة أو أحزاب سياسية. موقف الحرية والتغيير المجلس المركزي وجد ارتياحاً ودعماً من الشارع السوداني الذي وصف مقاطعة حوار الآلية ب(روتانا) بالقوي. وشدد الشارع الثوري -بحسب ردة الفعل التي رصدتها الصحيفة- على مواصلة ذات القوى الثورية والتمسك بمطالب الشعب السوداني، بإنهاء الانقلاب وإسقاط قيادته ومن ثم محاسبة كل مجرم ارتكب جرماً في حق الشعب. ليرفع الثوار حاجب الدهشة عقب إعلان قوى الحرية والتغيير دخولها ليلة الجمعة في حوار غير رسمي مع المكون العسكري، بدعوة من مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية "مولي في" وسفير المملكة العربية السعودية بالسودان، سوف يعقد لقاء غير رسمي بين وفد من الحرية والتغيير والمكون العسكري. وحددت (قحت) النقاط التي سوف تطرح على طاولة اللقاء غير الرسمي في إجراءات إنهاء انقلاب 25 أكتوبر، وكل ما ترتب عليه من آثار وتسليم السلطة للمدنيين والتنفيذ الفوري لاستحقاقات تهيئة المناخ الديمقراطي جميعها ودون استثناء، فضلاً عن وقف إجراءات الآلية الثلاثية في جمع قوى مؤيدة للانقلاب وعناصر النظام البائد في العملية السياسية، وحصر إجراءاتها بين الذين قاموا بالانقلاب وبين الذين يقاومونه من قوى الثورة، بجانب النقاش حول كيف تكون العملية السياسية شاملة بعد اتفاق قوى الثورة والمقاومة والانقلابيين على كيفية وإجراءات إنهاء الانقلاب. خمس ساعات عمر لقاء (قحت) مثلها ياسر عرمان، وطه عثمان، ووجدي صالح، والواثق البرير، والمكون العسكري بقيادة محمد حمدان حميدتي، وشمس الدين كباشي، وإبراهيم جابر، وكان اللقاء بضاحية كافوري بمنزل السفير السعودي، الساعات الخمس انتظرها الشارع على صفيح ساخن ممنياً النفس بأن تخرج الحرية والتغيير بصورة أكثر قوة وإشراقاً في موقفها وأن تخرج بما يشبع رغبة وشهية الثوار. وعقب الاجتماع المطول بررت (قحت) جلوسها مع الانقلابيين بأنها تعمل في ثلاثة مسارات لهزيمة الانقلاب (الثورة الشعبية- والتضامن الدولي والإقيلمي- والحل السياسي)، فالأخير يجب أن يفضي إلى تسليم السلطة بحسب بيان المكتب التنفيذي للحرية والتغيير. وقال – البيان الذي تلقت الحراك نسخة منه- تسليم السلطة للمدنيين يجب أن يكون عبر خارطة طريق واضحة وقاطعة وفي إطار عملية سياسية أطرافها هما قوى الثورة والتغيير من جانب والذين قاموا بالانقلاب من جانب آخر، ولفتت قوى الحرية والتغيير إلى أنها لا تدعي احتكار تمثيل قوى الثورة، بل ندعو كل قوى الثورة لوضع رؤية مشتركة وتعبئة شعبنا والمجتمعين الإقليمي والدولي لمساندة هذه الرؤية وحق شعبنا في نظام مدني ديمقراطي كامل. وأكد أن استحقاقات تهيئة المناخ الديمقراطي لم تكتمل وبدونها لن تنجح أي عملية سياسية، ويجب أن تنفذها بصورةٍ فورية. وأوضح البيان بأن العملية السياسية يجب أن تتم عبر مراحل أولها إنهاء الانقلاب والتأسيس الدستوري الجديد الذي يقوم على سلطة مدنية كاملة ويتعاطى مع ما تم من سلام واستكماله، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة دون مشاركتها في السلطة المدنية، والإصلاح الأمني والعسكري وبناء جيش واحد ومهني وقومي. وأضاف: أن قوى الحرية والتغيير ستقوم بتسليم رؤية واضحة حول إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب لكل من الآلية الثلاثية والمجتمعين الإقليمي والدولي، بعد التشاور مع كل حلفائها وأصدقائها من قوى المقاومة والثورة. فيما كشف القيادي بالحرية والتغيير ياسر عرمان عن الخطوة التي قاموا بها ليلة الجمعة بأن الحرية والتغيير لم تذهب للقاء العسكريين، لأجل إعادة الشراكة القديمة وإنما لإنهائها وبناء علاقة جديدة مع القوات النظامية، تعود بالجيش إلى ثكناته عبر خروج آمن وإقامة سلطة انتقالية مدنية كاملة. وقال في مؤتمر صحفي أمس عقد بدار حزب الأمة إن الحرية والتغيير تسعى لتأسيس علاقة جديدة لمصلحة القوات النظامية والشعب، مطالباً القوى الثورية بالابتعاد عن التخوين وإعطاء الفرصة للحل المتفاوض عليه، وأضاف: ما زلنا متمسكين برؤيتنا المتبنية قضايا الشارع. المحلل السياسي محمد بخيت الطيب وصف تحول مواقف الحرية والتغيير في "24" ساعة بالمخزي، وقال ل(الحراك): إن التباين في الموقف في فترة قصيرة يعتبر ضعفاً من الحرية والتغيير التي لا تجيد العمل السياسي، وما تفعله حالياً يشبه تماماً ما قامت به إبان فترة ما بعد سقوط رئيس النظام البائد عمر البشير، فما أشبه الليلة بالبارحة، مشيراً إلى أن الخطوات التي أقدمت عليها الحرية والتغيير أمس الأول تعتبر غريبة ومتناقضة لأقوال قيادات الحرية والتغيير، في الفترة السابقة التي كانت تقطع بعد الجلوس مع المكون العسكري سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقال الطيب إن الجلوس في طاولة مع العسكر يعتبرها الثوار طعنة من الخلف للثورة وفيه استهانة بدماء الشهداء التي بذلت في استعادة كرامة الوطن. وأضاف: ما يحدث لا يخرج من دائرة تسوية سياسية رخيصة تطبخ على نار هادئة، وهذه التسوية سوف تضع الحرية والتغيير في خانة الانقلابيين. فيما يرى أستاذ العلوم السياسية د. عمر سعيد عوض أن السياسة كالحرب فيها ال"كر وفر"، وفيها فنون وتكتيك، هذه ما تقوم به حالياً الحرية والتغيير. وقال ل(الحراك): يجب قطع الطريق أمام أي محاولة لإبعاد الحرية والتغيير عن المشهد بسبب التعنت في موقف متصلب، السياسة تدعو دائماً إلى الحوار وإلى إيجاد حلول، كل طرف يريد كسب الرهان، وعلى الحرية والتغيير أن تجيد دورها وأن تستخدم أوراقها جيداً بما يجعلها في المقدمة، وعليها كذلك بأن لا تنسى حقوق الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل يكون السودان في طلائع الدول، مشيراً إلى أن الغضب الذي تفجر من الثوار غير مبرر، عليهم أن ينتظروا النتائج التي يخرج بها التكتيك السياسي. صحيفة الحراك السياسي