أكدت مصادر متطابقة ل "الراكوبة" أن مفاوضات اتفاق تسليم السلطة للمدنيين اصطدمت بعقبة جوهرية تتمثل في إصرار العسكر على تضمين بند واضح ينص على منحهم حصانة مطلقة واعفائهم من اي مسؤولية عن الجرائم التي ارتكبت في حق السودانيين بعد الإطاحة بنظام الإخوان في أبريل 2019؛ بما في ذلك جريمة فض الاعتصام وما تلاها من جرائم حتى الآن والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص بينهم 121 شهيدا في الاحتجاجات التي أعقبت انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر. ووفقا لتلك المصادر فإنه وبسبب موقفهم الضعيف وضغط الشارع والمجتمع الدولي وافق العسكر على كافة بنود اتفاق التحول المدني والخروج نهائيا من المشهد السياسي لكنهم شددوا على إنهم لن يوقعوا على اي اتفاق لا يضمن تحصينهم ضد العدالة. ورصد قانونيون 5 جرائم كبرى ارتكبها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" واعضاء المجلس العسكري ويعافب عليها القانون الدولي والمحلي باشد العفوبات. وشملت الجرائم المرتكبة والمجرمة بوضوح في القانون الدولي ومواثيق روما ومحكمة الجنايات الدولية؛ فض اعتصام القيادة وقطع الإنترنت وقمع واعتقال المحتجين السلميين وجرائم الاغتصاب واستخدام المرتزقة. تعتبر جريمة فض اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019 والتي راح ضحيتها اكثر من الف شخص؛ من جرائم الإنسانية الكبرى التي يعاقب عليها القانون الدولي بعقوبات مشددة. وتتعلق تلك الجريمة وفقا التعريفات القانون الدولي بكل من امر او ارتكب بنفسه أو بالاشتراك مع غيره أو شجع أو عزز أي هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وهو على علم بذلك الهجوم. عليه؛ ووفقا للقانون الدولي والمواد من 186 إلى 189 من القانون الجنائي السوداني فإن جريمة فض الاعتصام تعتبر جريمة ضد الإنسانية يعاقب مرتكبيها والمشتركين فيها سوى باصدار الاوامر او التنفيذ بالاعدام أو بالسجن المؤبد. وتنص القاعدة 153 من القانون الدولي على ان الأشخاص الآخرون الأرفع مقاماً مسؤولون جزائياً عن الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا عرفوا، أو كان بوسعهم معرفة أنّ مرؤوسيهم على وشك أن يرتكبوا أو كانوا يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم ولم يتخذوا كل التدابير اللازمة والمعقولة التي تخولها لهم سلطتهم لمنع ارتكابها. ووفقا لتقارير مؤكدة فإن 13 سيدة على الاقل تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي على يد قوات الأمن السودانية خلال الاحتجاجات التي تلت انقلاب البرهان. وتجرم القاعدة 93 من القانون الدولي الاغتصاب وأيّ شكل من الأشكال الأخرى للعنف الجنسي. كما تحظر اتفاقية جنيف الثالثة في البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني وخصوصا المادة 75 "المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، والإكراه على الدعارة، وأية صورة من صور خدش الحياء"، تضيف المادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني لهذه اللائحة، وبوضوح، "الاغتصاب". وتأمر اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول بالحماية من الاغتصاب وأية صورة من صور خدش الحياء. وتعتبرهما جرائم حرب بموجب النظامين الأساسيين للمحكمة الجنائية الدولية. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ يشكّل الاغتصاب أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي جريمة ضد الإنسانية. ووثقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة العديد من عمليات الاغتصاب والعنف المفرط التي طالت المئات من السودانيات المشاركات في الاحتجاجات الأخيرة. وتعرض أكثر من ألف شخص – بينهم أطفال ونساء- من المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت رفضا لانقلاب البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر للاعتقال والتعذيب والضرب المبرح على أيدي القوات الأمنية. وتجرم المواد من 18 إلى 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام 1966 وخاصة المواد من 18 إلى 22 قمع واعتراض الاحتجاجات السلمية ويشمل ذلك الاحتجاجات وحملات المقاومة السلمية أو المقاومة المدنية أو اي حركات سلمية المقاومة ردًا على انقلاب عسكري. وتدخل جريمة قطع الإنترنت لفترات متفاوته من الجرائم الكبرى التي يعاقب عليها الفانون؛ فخلال الفترة ما بين يونيو 2019 وحتى الآن اقدم المجلس العسكري برئاسة البرهان على قطع خدمات الإنترنت والاتصالات أكثر من مرات. ووفقا لقرار صادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في 2016 فإن المنع المتعمد أو عرقلة نشر المعلومات والوصول إليها على شبكات الإنترنت يعتبر انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبأوامر مباشرة من لجنة البرهان الأمنية قطعت شركات الاتصالات العاملة في البلاد وهي "زين" و "سوداني" و "ام تي ان" شبكة الإنترنت والاتصالات عند بدء عملية فض الاعتصام في يونيو 2019 وفي مرات عديدة اخرى خلال الاحتجاجات الحالية المناوئة للانقلاب مما اسهم بشكل مباشر في إخفاء الحقائق ومنع التواصل بين السودانيين وزاد بالتالي من الخسائر البشرية. وتدخل جريمة استخدام المرتزقة أيضا ضمن الجرائم التي اقدم عليها البرهان وحميدتي ومساعديهم؛ إذ تشير العديد من التقارير الموثوقة إلى استخدام مرتزقة أجانب ومجندين في صفوف مليشيات حميدتي وجبريل ابراهيم وحركة تمازج في التصدي للمحتجين بعنف مفرط مما نجم عنه مقتل العشرات وإصابة المئات بالرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع خلال الاحتجاجات. وينطبق على مرتزقة الدعم السريع التعريف الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة؛ التي تعتبر المرتزق بأنه هو المقاتل الأجنبي الذي يشارك في الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري للدولة. كما تجرم المادة 2 من القانون "كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة". وبذات القدر تجرم المادة 3 "كل مرتزق يشترك اشتراكاً مباشراً في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف". واعتبرت المصادر أن تمترس قادة الجيش والدعم السريع حول بند الحصانة والإعفاء من المسؤولية الجنائية يؤكد المخاوف الكبيرة التي تحيط بهم والتي كانت واحدة من الدوافع التي دفعتهم لتنفيذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر والذي جاء قبيل أيام قليلة من التاريخ المفترض لتسليم السلطة للمدنيين في نوفمبر 2021. وأشارت المصادر إلى أن الحرية والتغيير المجلس المركزي ترفض تقديم مثل هذا التنازل الخطير الذي سيزيد شقة الخلاف مع الشارع المطالب بالعدالة بشكل كبير. وأضافت أن هنالك ضغوط دولية تمارس من أجل الوصول إلى تسوية وسطى.