ببدء المرحلة النهائية للعملية السياسية الجارية في السودان، تأمل الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، انضمام قوى سياسية وأجسام نقابية ومهنية سبق وتم تحديدها وصولاً لاتفاق سياسي نهائي أكثر شمولاً يفضي لتأسيس الحكومة المدنية. والأحد الماضي، أعلنت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري تدشين المرحلة النهائية من العملية السياسية التي تهدف إلى الوصول إلى اتفاق سياسي يعمل على إنهاء الأزمة السياسية منذ انقلاب العسكريين على حكومة الفترة الانتقالية. ويسرت الآلية الثلاثية المؤلفة من (الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد») بمشاركة الآلية الرباعية المكونة من (الولاياتالمتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) العملية السياسية في السودان. ومنذ الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2021 يشهد السودان احتجاجات شعبية تقودها لجان المقاومة، تناهض الانقلاب الذي قاده القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان وتطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي. وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، سمت قوى الحرية والتغيير «المجلس المركزي» في «أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي لإنهاء الانقلاب العسكري في السودان» أطراف العملية السياسية، ممثلة في القوى المناهضة للانقلاب، وهي قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني والديمقراطي، وهي القوى التي لها حق اختيار رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة. ووقع على الاتفاق الإطاري، الذي يُحظى بتأييد دولي وإقليمي؛ قيادتا الجيش والدعم السريع وقوى الانتقال ممثلة في قوى الحرية والتغيير «المجلس المركزي» وعدد من القوى المدنية والاجسام النقابية والمهنية. لكن قوى سياسية ومهنية أخرى، ذات توجهات فكرية وسياسية متباينة ترفض التوقيع على الاتفاق الإطاري، بينهم الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين «المنتخب» والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني إضافة إلى حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان. المجموعات غير الموقعة تسعى قوى الحرية والتغيير إلى ضم حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الناصري وحركة تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة، إلى جانب قوى مهنية وسياسية أخرى. وأكد المتحدث بإسم العملية السياسية، خالد عمر يوسف على ضرورة استمرار النقاش مع المجموعات غير الموقعة على الاتفاق الإطاري وإلحاقها في بقية المشاورات وصولاً للاتفاق النهائي. وأشار في مؤتمر صحافي، الخميس، إلى أن القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري ستعمل على تكوين أكبر قاعدة شعبية تلتف حول أجندة الانتقال الديمقراطي. وتأمل الحرية والتغيير «المجلس المركزي» انضمام حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، وهما ضمن تحالف «الكتلة الديمقراطية» وهي قوى رافضة للاتفاق الإطاري وتدعو إلى شمول الحل السياسي وترفض ثنائية الحوار، كما أن الحركتين ترغبان في الحوار ضمن تحالفهما ككتلة سياسية وليس كحركتين مسلحتين، وهو ما ترفضه قوى الحرية والتغيير. وعلى الرغم من أن الحركتين ضمن القوى السياسية التي دعمت انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، إلا أن الحرية والتغيير «المجلس المركزي» تعتبر أن حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان يجب أن تكون جزءاً رئيسياً من الحل السياسي الذي يحافظ على مستحقات الاتفاق. كما تسعى الحرية والتغيير إلى ضم حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الناصري للتوقيع على الاتفاق الإطاري. وكان حزب البعث العربي الاشتراكي أعلن انسحابه من تحالف الحرية والتغيير احتجاجاً على توقيع مكوناته على الاتفاق الإطاري. وفي 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن الحزب عبر بيان عن عزمه العمل على بناء جبهة شعبية واسعة للديمقراطية والتغيير، تضم قوى الثورة الرافضة للتسوية مع العسكر. وبشكل عام فإن لجان المقاومة، التي تقود الاحتجاجات السلمية في السودان، تتبنى اللاءات الثلاثة، لا شراكة لا تفاوض لا شرعية، وترفض الاتفاق الإطاري، وترى أنه لن يفضي إلى حكومة مدنية كاملة. بالنسبة للحركة الشعبية قيادة عبد العزيز الحلو، فهي تنتظر ما ستسفر عنه التسوية السياسية، لكنها أبدت استعدادها لاستئناف التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق سلام شامل، متى ما تم إنهاء الانقلاب وتكوين حكومة مدنية. أما تحالف التغيير الجذري، وهو تحالف يضم الحزب الشيوعي السوداني وأحد فصائل تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد التظاهرات في بداية انطلاقتها في كانون الأول/ديسمبر 2018 وعددا من الأجسام المهنية والنقابية، وبعض تنسيقيات لجان المقاومة، فإنه يرفض بشكل حاسم الجلوس مع العسكريين أو التفاوض معهم ويدعو إلى استمرار الثورة الشعبية وتأسيس السلطة الانتقالية المدنية الكاملة. كما يرفض تحالف الكتلة الديمقراطية الذي تشكل بالأساس من الفصائل المسلحة التي دعمت انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، التوقيع على الاتفاق الإطاري. ويضم التحالف، حركات مسلحة في إقليم دارفور، والحزب الاتحادي بقيادة جعفر الميرغني بالإضافة إلى قيادات بشرق السودان يتقدمهم ناظر عموم الهدندوة محمد الأمين ترك. وتتهم الحرية والتغيير «المجلس المركزي» هذه الأطراف بدعم وتأييد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية في 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021. وترى أن الناظر ترك غير مدعو للتوقيع على الاتفاق لأن الإدارات الأهلية غير معنية بالتوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يتعلق بالقوى السياسية فقط. وتعتبر أن الإدارات الأهلية يمكن أن تكون جزءاً من صناعة الاتفاق النهائي في إطار إشراك المجتمع في العملية السياسية. وتستند على أن العملية السياسية الجارية في البلاد مناط بها إنهاء الانقلاب، وترى أن الانقلابيين أو الداعمين لهم ليسوا طرفاً. وقال القيادي بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، شهاب الدين الطيب، ل«القدس العربي» إن الأطراف المعنية بالتوقيع على الاتفاق الإطاري ستبقى كما هي دون فتح باب التوقيع لأطراف جديدة خارج قوى الثورة. وتشمل قوى الثورة، حسب الطيب، قوى الحرية والتغيير والمكونات السياسية والمدنية التي أسقطت النظام السابق، واتخذت موقفا مُقاوما للانقلاب العسكري. وأوضح الطيب أن العملية السياسية الجارية، تشمل أيضاً قوى الانتقال، وهي القوى التي لم تشارك في إسقاط النظام البائد، لكن كان لها موقف مُقاوم للانقلاب، إضافة للحركات المسلحة التي وقعت علي اتفاق سلام جوبا في تشرين الأول/اكتوبر 2020. وأكد القيادي بالحرية والتغيير، أن التحالف سيستمر في التواصل مع حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان «جناح مناوي». ولفت إلى أن قوى الحرية والتغيير توصلت إلى تفاهمات مع هاتين الحركتين وتبقت تفاصيل قليلة، يجري النقاش حولها، خصوصاً مع العدل والمساواة. وأشار الطيب، إلى أن الحركتين عليهما عدم الإصرار على القبول بهما ككتلة ضمن تحالف الكتلة الديمقراطية. وأضاف أن حزب البعث العربي الاشتراكي «الأصل» والحزب الشيوعي السوداني لا يزالان يحتفظان بموقفهما الأخير الرافض للعملية السياسية. أما بخصوص لجان المقاومة، فإن القيادي بالحرية والتغيير، أشار إلى أن بعضها شارك في نقاش القضايا، كما أنهم قدموا مبادئ لخريطة طريق تفكيك نظام الثلاثين من حزيران/يونيو 1989 وهو الأمر الذي يساعد في تحسين شروط العملية السياسية في مرحلتها النهائية، حسب وصفه. وأكد أن الحرية والتغيير تعمل على حوار قوى مدنية واجتماعية أخرى لدعم الحل السياسي، ضمن موقف إستراتيجي، يتمثل في عدم ذهابها منفردة للتوقيع على الاتفاق النهائي. أما فيما يتصل بالحركة الشعبية «قيادة عبد العزيز الحلو» فحسب الطيب فإن الحلو سيستكمل عملية التفاوض مع الحكومة المدنية المقبلة، حالة الشروع في عملية إصلاح حقيقية للأجهزة الأمنية والعسكرية، وبناء على هذا الأساس فإن الحرية والتغيير تتمسك بما تم التوصل إليه مع «الحلو» في الفترة الانتقالية التي تم الانقضاض عليها. شرعنة للانقلاب من جانبها فإن حركة جيش تحرير السودان، تعتبر أن العملية السياسية الجارية في الخرطوم، محاولة لإعادة الشراكة بين العسكريين وبعض مكونات الحرية والتغيير «المجلس المركزي» إلا أنها تجري بشكل مختلف عن ما حدث في العام 2019 لكنها تعطي ذات النتيجة. وهو الأمر الذي اعتبرته الحركة شرعنة للانقلاب واعترافاً به. وقال الناطق بإسم حركة جيش تحرير السودان، عبد الرحمن الناير ل«القدس العربي» إن قوى الثورة الحقيقية ممثلة في الشارع ولجان المقاومة تدعو للتغيير الجذري وترفض التسوية الجارية الآن، كما ترفض إعطاء شرعية للانقلاب العسكري تحت أي دعاوى. وأكد أن الحركة ضمن القوى التي ترفض التسوية وتعمل على إسقاط الانقلاب العسكري وتكوين حكومة انتقالية مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة، وإجراء حوار سوداني سوداني يُخاطب جذور الأزمة التاريخية في السودان بمشاركة الجميع عدا حزب المؤتمر الوطني وواجهاته. وأشار إلى أن التسوية السياسية في السودان، تجري بواسطة أيدي داخلية وضغوط إقليمية ودولية، معتبراً أنها وُلدت ميتة ومصيرها الفشل حسب تعبيره. وأكد أن إرادة السودانيين أقوى من كل المؤامرات التي تُحاك لإجهاض ثورته الظافرة. وأوضح الناير، أنهم لن يعترفوا بأي سلطة لا تجد الرضا والقبول من الشارع السوداني ولجان المقاومة وكافة قوى الثورة الحقيقية. وأكد أن الحركة ستستمر في التواصل مع قوى الثورة الحقيقية، ممثلة في لجان المقاومة والقوى المدنية والسياسية والحركات التي تؤمن بالتغيير الجذري الشامل للعمل من أجل إسقاط الانقلاب. من جانبه فإن المحلل السياسي صلاح الدومة، يرى أن القوى السياسية التي لم توقع على الاتفاق الإطاري تنقسم إلى عدة أقسام، بينها الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي، وبعض القوى السياسية الأخرى بالإضافة إلى بعض الحركات المسلحة. ولفت في حديث ل«القدس العربي» إلى الأحزاب ذات الطابع العقائدي مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي فإن المتوقع منهما رفض الاتفاق الإطاري لأسباب مفهومة. وأوضح أن الحزبين يسعيان إلى تغيير سياسي جذري وشامل وليس تغييرا سياسيا تدريجيا كما تفعل قوى الحرية والتغيير «المجلس المركزي». ولفت إلى أن الاتفاق السياسي الذي توصلت إليه أطراف الأزمة السودانية ليس شاملاً ولا مثالياً إلا أن من الممكن أن يؤدي إلى إضعاف نفوذ النظام البائد أو القضاء عليه تماماً. وتوقع المحلل السياسي أن تقوم حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان بالتوقيع على الاتفاق الإطاري في نهاية المطاف. وأعتبر أن حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح «مناوي» الذين يعارضان الاتفاق الإطاري، لا وجود لهما على الأرض، مما يضعف تأثير أي معارضة مستقبلية لهما سواء الآن أو عقب تكوين الحكومة المدنية، حالة توصل أطراف العملية السياسية إلى اتفاق نهائي. كما أوضح أن موقف الحركة الشعبية «قيادة الحلو» بات مؤخراً أقلّ تشدداً، مما يُمكن أطراف العملية السياسية للتوصل معها إلى تفاهمات سياسية في المستقبل القريب.