على مر التاريخ البشري ، وفي أوقات الأزمات السياسية والصراعات العسكرية تنشط (البروباغندا) ، أي الدعاية والدعاية المضادة ، تنطلق الدعايات العسكرية من داخل القوتين المتحاربتين ، إذ تمثل الدعاية أداة هجوم من ناحية وأداة دفاع من ناحية أخرى ، وتتمثل هذه الدعاية في نوعين ، النوع الأول مقصود به رفع الروح المعنوية لأفراد القوة ، والنوع الثاني مقصود به إحباط الروح المعنوية للقوة المعادية ، والأمثلة على ذلك لا تحصى من كثرتها . تلعب الدعاية دوراً أساسياً ومهماً للغاية في مسار الحروب ، وفشل قوة ما من تكثيف الدعاية والإبداع في فنونها قد يلعب دوراً كبيراً في هزيمتها ، كما أن السماح للدعاية المضادة من الوصول إلي أفراد القوة المحاربة أو حاضنتها المدنية من الخطورة بمكان ، لعبت الدعاية دوراً بارزاً في الحربين العالميتين الأولي والثانية. تعمل هذه الدعاية بأسلوب إطلاق الشائعات ، اذ تقوم وزارات الدفاع بإنشاء إدارات متخصصة يُوظف فيها خبراء في صُنع الشائعة وتحديد مواعيدها حسب التطورات وسير العمليات في الميدان ، من أسباب خسارة ألمانيا ومعها دول المركز للحرب ضعف العمل الدعائي المتخصص أو تأخرها بينما أجاد الحلفاء توظيف العامل الدعائي لرفع الروح المعنوية داخل معسكرات جنودهم وبين شعوب دولهم ، هذا ما يحدث في الحروب التقليدية بين الدول ، أما ما حدث في السودان فأمر مختلف ، إذ قامت الحرب بين قوتين داخل الوطن ، الجيش الوطني من ناحية ، ومن الناحية الأخرى قوة مليشية خلقها الجيش بنفسه ، ثم تمردت هذه المليشيا على الجيش ، وكان لابد لهذا التمرد أن يحدث ، إذ أن السباق المحموم للتسلح الكامل من الجنجويد لم يكن إلا إستعداداً لليوم الذي إندلعت فيه الحرب ، وكان واضحاً لكل ذي نظر ورؤية أن الإحتقان قد وصل أقصاه ، وأن الإنفجار على وشك الحدوث ، فتحركات الجنجويد ونقلهم لأسلحتهم وجنودهم بتلك الأعداد الكبيرة علناً وليس في الخفاء كانت تشير إلي أن هناك نية مبيتة لعمل عسكري ضد الدولة ومؤسساتها ، وقد تم هذا التحرك المريب من جانب الجنجويد تحت نظر القائد العام للقوات المسلحة وأركان حربه ، ولا ندري حتى هذه الساعة ماذا كان يدور في خلد قيادة الجيش ، وبالذات قائده العام ، ومنذ تولي البرهان لرئاسة مجلس السيادة فمواقفه الداعمة بلا تحفظ لقائد الجنجويد كانت غامضة ومحيرة وغير مفهومة ، وحتى الآن ، أثناء الحرب الدائرة ، فمواقفه ما زلت غامضة ، يحارب كأنه يريد الإنهزام لجيشه ، كأنه لا يريد للمليشيا أن تنهزم ، كأنه يشفق على قائد المليشيا ولا يود المساس به ، أما بالنسبة للحرب نفسها فهي حرب ضرورة ، كان لا بد لها أن تندلع ، فمنذ بداية أنخراط الجيش في تكوين هذه المليشيا إعترض العقلاء من داخل الجيش ومن خارجه ، ولكن ، ولأن قيادة الجيش برئيسها كانت قيادة جبانة وأنانية وغير وطنية تنتمى إلي أكثر تنظيم كارثي في تاريخ السودان فقد مضت في غيها وخلقت من المليشيا جيش موازي للجيش الوطني ، بقيادة أسرة ذات تاريخ دموي إجرامي لها طموحات لم تكن تخفى على كل ذو عقل ، وهي حكم السودان. إنطلقت الدعاية والشائعات والحرب النفسية من الجانبين ، ولكن ، ولكثرة المنصات الإعلامية الأهلية ومنصات التواصل الإجتماعي فقد إختلطت الشائعات ببعضها ولم ينجح أي من القوتين العسكريتين في توظيف الشائعة لصالحها ، فجاءت الإستفادة من تنظيم مدني خبيث ، هو التنظيم الكارثي الذي ذكرناه ، تنظيم الحركة الإسلامية ، الإخوان المسلمون فرع السودان ، يُعرفون في السودان بإسم (الكيزان) ، وهو تنظيم ظلامي إجرامي خبيث حكم السودان بشعارات دينية منافقة لمدة الثلاثين سنة ذاق فيها السودانيون أمَرّ من الأمرّين ، كما أنهم أفقدوا الدولة كل مقوماتها وإمكانياتها بممارسة فساد ممنهج أزكمت الأنوف ، ثم قامت ثورة شعبية مجيدة إقتلعتهم من السلطة بعد أن دفع الشعب ثمناً غالياً بدماء شبابه الذين سقطوا شهداء في عملية تحرير السودان من شرورهم ، ولكن شرور الكيزان لا تنتهي وخبثم لا ينفد ، ومن هنا فقد أصيب بعض السودانيين بفوبيا إسمها الكيزان ، إذ ما أن يبدأ إي حديث سياسياً كان أو إجتماعياً أو إقتصلدياُ إلا وكان الكيزان هم مفتتح الحديث وخاتمته ، ولا شئ سئ يحدث في السودان إلا وكان الكيزان وراءه ، ولا نقد ولا تحليل محايد لأي مسألة إلا وكان التصنيف جاهزاً بأن الناقد كوز أو شيوعي ، حسب التصنيف ، و(الشوعنة) مثلها مثل (الكوزنة) إتهام جاهز ، وفوبيا الشيوعية كانت هي المرض المنتشر قبل فوبيا الكيزان ، وعندما قامت هذه الحرب اللعينة إتهمت القوى السياسية الكيزان بإشعال هذه الحرب ، وإذا كان الكيزان وراءها أو لم يكونوا فقد إنتهزوا بخبثهم المعروف هذه الفرصة ولعبوا دور من أشعل الحرب ، وساندوا الجيش لعلمهم بأن الجيش سوف ينتصر في النهاية ، وأخذوا في رفع أصواتهم وملئوا الساحة بأحاديث توحي بأن الجيش سوف ينتصر لوقوفهم معه ، وعملوا على إيهام الناس بأنهم البديل الوحيد لكي يعود السودان إلي أمنه ، وأرهبوا الناس بأن الأمن لن يتوفر إلا من خلال وجودهم في السلطة وشنوا حرباً نفسية مدروسة مقصود بها وصول الناس إلي قناعة إجبارية بقبولهم وترك الساحة لهم ، وأطلقوا الشائعات بالحق والباطل بأن الإتفاق الإطاري الذي توصلت إليه القوى السياسية هو شر محض ذلك لأنه لا يشملهم ، وليس تحريضهم على الحرب من أجل الحرب غريباً على مواقفهم الإنتهازية وأساليبهم الدموية وعنجهيتهم المقيتة وشهوتهم المفرطة في البقاء في السلطة بأي ثمن كان . الكيزان من أكثر خلق الله إجادة للإصطياد في الماء العكر ، وقد عكروا الماء عن قصد ، وخلقوا الفوبيا بخبث ، وهاهم الآن يصطادون في الماء العكر ، ويستغلون الفوبيا التي اصابت الناس بإنهزام نفسي ، وأغرقتهم في جدال بيزنطي ، وأبعدتهم عن رؤية الصورة الكاملة للوضع ، وعادتهم معاداة مع الجيش الوطني ، عمل الكيزان بإجتهاد كامل على تغييب الوعي الجماهيري بأصل المسألة ونجحوا في إغراق الناس وإشغالهم بفزاعة الكيزان التي أصابت الناس بإضطراب ذهني وفكري وعاطفي ووجداني وحواري ، لدرجة أن الحوارات لا تخرج من دائرة كراهية الكيزان ، وكراهية الكيزان واجب وطني ، ولكن ليس لدرجة تحول هذه الكراهية إلي عائق يغيّب الناس عن التفكير المنطقي المرتكز على رؤية الصورة كاملة. لا يَفرح الكيزان اليوم بقولٍ أكثر من فرحتهم بمقولة (الجيش جيش الكيزان) ، هم يطربون أشد الطرب لسماع هذه النغمة التي كانوا وراء وضعها في عقول الناس وعواطفهم ، وهاهم الآن يجيّرون إنتصارات الجيش الوطني لتنظيمهم الإخواني الإجرامي المخرِّب ، ولا شك فإن هذا لو حدث فهو إنتصار سياسي للكيزان سوف يدفع له الوطن الجريح أثمان غالية. نسأل الله السلامة للوطن من خبث الكيزان وشر الجنجويد.