في عصر العولمة وتطور الآلة الإعلامية الحديثة التي تبلورت في التقنيات التي تزداد تطوراً يوماً بعد يوم، في ظل ذلك أصبح للحرب الإعلامية والنفسية أثرها الكبير في تحديد الخريطة المحلية والعالمية والإقليمية للدول، وبالتالي تبنى دول وترفع شأنها وتهدم دول أخرى. فهل هناك حرب دون إراقة دماء؟ وما المقصود بالحرب المعنوية والنفسية.. وكيف استخدمت تلك الوسيلة في ما تسمى الحرب الباردة إبان الحرب العالمية الثانية؟ وكيف انتهت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم بانتصار الجيوش العربية عليه في حرب العبور «حرب رمضان» في أكتوبر 1973م بنجاح القوات العربية في عبور خط بارليف الوهمي الذي كانت تخيف به إسرائيل العالم باعتباره أنموذجاً للحرب النفسية؟ وكذلك ما هو مقياس تلك النظرية «الحرب النفسية» في أحداث الإثنين الأسود.. العنيفة عام 2005م التي أعقبت شائعة مصرع جون قرنق، وكيف دحضت شائعة مصرع «فاولينو» قبل أن يسود العنف ثانية، وذلك بظهوره في التلفزيون القومي بخير وعلى قيد الحياة؟ وما تقييم ثورات الربيع العربي بعد تطبيقها عملياً وما يحدث بمصر والدول العربية؟ وكيف نحارب الشائعات والحرب النفسية؟ وكيف يطبق مبدأ «الحرب خدعة» في البيانات الرسمية للقوات المسلحة بمعنى «ليس كل ما يُعلم يُقال وكل ما يُقال يعلم»؟.. ولماذا لم يتوقف صوت الرصاص والنائحات رغم انفصال الجنوب السوداني؟ وهل تحرس الديمقراطية بالدبابات.. وكيف استخدم القادمون الجدد الآلة الإعلامية لتشويه صورة الإخوان المسلمين ووصفهم بالإرهاب؟.. وكل ذلك في حوارنا مع العميد عبد العظيم نور الدين الحسن/ نائب مدير فرع التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة ورئيس شعبة الحرب النفسية الأسبق وعميد كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية الأسبق.. فإلى مضابط الحوار: حدثنا كمدخل عن المفهوم العام للحرب النفسية؟ الحرب النفسية مفهوم حديث، وممارسة قديمة تمارسها الجيوش والمجتمعات منذ القدم، ويقصد بها الحرب الموجهة لعقل ونفس الجندي المعادي من الجانب المعنوي لا السلاح التقليدي، بل سلاح الدعاية والدعاية المضادة والشائعة، والمقصود منها هزيمة الطرف الآخر دون إراقة دماء. لكنها لا تقل خطورة عن حرب السلاح.. ألا توافقني في هذا الرأي؟ الحرب النفسية يمكن أن تتجاوز خطورتها الحرب التقليدية «السلاح الناري» ومواجهة جيشين مواجهة عنيفة في ميدان، فالحرب النفسية يمتد تأثيرها لمجتمع كامل أو أمة بأكملها وبأقل التكالف بكلمة أو حرف أو همزة أو لمزة. هل يمكن أن تعطينا مثالاً عملياً ونماذج لتلك الحرب؟ من أمثلة الحرب النفسية في الأثر الإسلامي والسيرة النبوية ما يسمى «الرعب المدمر» الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أصبت بالرعب مسيرة يومين» ويعني صلى الله عليه وسلم الحديث عن قوة الجيش وتماسكه، وأن الهزة النفسية قد وصلت نفوس الأعداء فهزموا قبل ذلك. خلال الحرب العالمية كان هناك ما يسمى الحرب الباردة بين الدول.. هل تدخل في هذا المضمار؟ في الحرب العالمية كانت قد انتشرت شائعات التخويف والتهويل، وهو ما قامت عليه أساليب الدعاية والدعاية المضادة، وتبارت فيه الإذاعات ووسائل الإعلام المختلفة وقتها في بث الرعب كل في نفوس أعدائه، وذلك ببث الانتصارات المتلاحقة صدقاً أو تهويلاً. إسرائيل اشتهرت كثيراً بالخبث والدهاء السياسي واستخدام الحيل التي تحبط الجانب المعنوي للعدو.. ولكن الله أظهرهم؟ انتهت الأسطورة الخرافية التي كانت إسرائيل تحيط بها نفسها من خلال وسائل الإعلام والشائعات بالتهويل الذي استخدمته بأن جيشها لا يهزم، وانكشف كذب الشائعات بالهزيمة النكراء لجيش إسرائيل في حرب رمضان «أكتوبر 1973م» على يد الجيش المصري العربي في حرب العبور، ونهاية وهم وخداع «خط بارليف» الذي عبرته القوات المصرية الظافرة آنذاك. الآن في عهد التكنولوجيا والوسائل التقنية الحديثة توسعت دائرة الحرب النفسية؟ الآن توسعت الحرب النفسية والإعلامية بوجود الآلة الإعلامية الضخمة وتغلغل الإعلام في كل مفاصل المجتمع، وساعد على ذلك التقنيات الحديثة في تحوير الصورة والصوت وتغييرها، ونتجت عن ذلك صور زائفة يمكن استخدامها بشكل زائف تخدم مقاصد محرر المادة الإعلامية وأهداف الرسالة المُراد توصيلها للمتلقى. وما هو تقييمك بوصفك خبيراً عسكرياً وإعلامياً لاستخدام الوسائل التقنية الحديثة وأثرها؟ استخدام الوسائل التقنية الحديثة مثل إرسال رسائل الانترنت والفيس بوك والتويتر والهواتف الذكية كلها وسائل مجهولة الهوية وسريعة المفعول والوصول، وهي إحدى مميزات الشائعة، وتعتمد على مصادر مجهولة، وتبقى عملية تكذيب الخبر والحادثة مكلفة، إذ أن الشائعة تكون قد سرت مسرى الأثير بما يحيط بالمجتمع داخلياً وخارجياً، وهذا في مجمله ما يقوي تأثيرات الحرب النفسية ويجعل كثيرين يستخدمون تلك الوسائل في تحقيق أهدافهم. وماذا عن حرب التكتيك والمناورات؟ إذا أيقنا بما يفعله الإعلام في الحرب النفسية، فإن ذلك اليقين هو ذات اليقين الذي ظلت تؤمن به الجيوش المعاصرة في التوسع في تقنيات استخدام الحرب النفسية وفي التيقن من تأثيرتها المختلفة، وقد أصبح ذلك ضمن إستراتيجيات وتكتيكات الجيوش المعاصرة، وأصبحت أقسام الحرب النفسية في صلب الهياكل التنظيمية في الجيوش، وصار أفراد ومنسوبو الحرب النفسية في الجيوش أكثر تدريباً ومعرفةً بمهام أدائهم. وكيف تقيِّم ما حدث أخيراً في أبو كرشولا من ناحية معنوية والرسالة المراد إيصالها من قبل المتمردين؟ عبر الهجوم الأخير للمتمردين على أبو كرشولا نجدهم يريدون توصيل رسالة مفادها أنهم يستطيعون اختراق المناطق التي يظن أهلها أنها آمنة، كما يستطيعون اختراق قلب العاصمة الخرطوم «هجوم قوات المتمرد خليل على أم درمان قبل أعوام»، فهؤلاء المتمردون يعلمون جيداً أنهم لا يستطيعون قلب نظام الحكم أو البقاء واحتلال المنطقة، فالهدف من ذلك فقط هو إثارة الرعب والتشكيك في قدرة الحكومة على حماية المواطنين. أحداث الإثنين الأسود التي أعقبت مصرع الدكتور «قرنق» والعنف ضد الشماليين.. ما مدى ارتباطه بالمفهوم المعنوي وحرب الإعلام؟ الحديث عن الجوانب المعنوية والحرب النفسية يقودنا ويذكرنا بأحداث «الإثنين الأسود» تلك الأحداث العنيفة الدامية التي كانت رد فعل لمصرع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون قرنق عام 2005م، بسقوط طائرته، وما صاحب ذلك من رعب وتقتيل وإصابات للشماليين من قبل الجنوبيين المهاجمين لهم، وهذا الأمر جعل المواطنين الشماليين يقبعون في منازلهم خوفاً من عواقب خروجهم، فالمناظر البشعة للجثث والجرحى من الشماليين التي بثت بوسائل الإعلام المختلفة كانت كفيلة بإثارة ذلك الرعب وإدخال الروع في النفوس إلى أمد طويل. كيف نحارب الشائعات والحرب النفسية والمعنوية ضدنا؟ نحاربها بتحصين المجتمع والفرد العسكري والرسالة المطلوبة والأهداف المرجوة، والعقيدة العسكرية أيضاً من ضمن التحصين غير المباشر، وكذلك نحاربها بالتكافل بين المجتمع وبسط الأمن والطمأنينة وتسهيل سبل كسب العيش ورفع الروح المعنوية له وتذكيره بقيمه وعاداته الأصيلة، ثم بعدها البحث عن المصادر التي تنبع منها المهددات النفسية والمعنوية التي تنجح الحرب النفسية وتفرخ الشائعات، حيث تتم محاربة الشائعة بالطرق المباشرة. هل من إيضاح أكثر عن كيفية المعالجة؟ مثلاًَ إذا انطلقت شائعة بأن مسؤولاً أُعفي من منصبه يمكن أن يصدر خبر لا يشير إلى الشائعة مباشرة وصراحة ولكن صياغته تدل على أن ذلك المسؤول باقٍ في منصبه، كما يمكن أن تكون بطريقة مباشرة كما حدث عند انتشار شائعة اغتيال القائد الجنوبي «فاولينو» قبل انفصال الجنوب وعقب مصرع قرنق بأيام، وخشي الناس أن يحدث ما لا تحمد عقباه كما حدث عند مصرع جون قرنق، فسارع تلفزيون السودان القومي إلى لقاء مباشر بثه على الهواء مع القائد «فاولينو»، حيث ظهر بنفسه على الشاشة وأوضح أنه بخير وعافية وعلى قيد الحياة، وبالتالي عادت الأمور إلى نصابها وقتلت الشائعة في مهدها واستتب الأمن. والبيان الذي يصدره الناطق الرسمي بالقوات المسلحة له مفعول قوي في توضيح الحقائق والمعلومات الصحيحة والأدلة القاطعة حتى يعلم الشعب حقيقة الموقف الماثل. أحياناً تصدر بعض البيانات الرسمية من القوات المسلحة أو غيرها لموازنات معينة وأن كانت غير دقيقة ولكن يلزم الناطق الرسمي ببثها.. ما الهدف من ذلك؟ يمكن تحت أي ظرف أن يحدث ذلك، وهو ينطبق عليه القول «الحرب خدعة» وهو أيضاً مسموح به ومن الحرب النفسية المضادة، فليس كل ما يُعلم يُقال وليس كل ما يُقال صحيح، ولكن يكون ذلك لازماً وضرورياً في وقته وظروفه وله مبرراته القوية. هل هناك طرق معينة لرفع الروح المعنوية للجيش والشعب؟ من طرق رفع الروح المعنوية التذكير بأمجاد الأمة وأغاني الحماس الوطني والبطولات الفردية والجماعية، وأن الاستشهاد عقيدة وطنية، والتذكير بأن الدفاع عن الوطن والموت في سبيله جهاد في سبيل الله، فمن مات دون عرضه وماله فهو شهيد، حيث أن في لحظات النفرة والاستنفار تذكير بمعانٍ تجعل الفرد يقدم نفسه فداءً وتضحية من أجل دينه وعرضه وماله طمعاً في حياة أخرى خالدة ونعيم مقيم. الشأن الشمالي والجنوبي بالسودان كيف تقيمه من حيث المقدمات والمآلات؟ السودان منذ نشأة الجيل الجديد كان موحداً، وكانت كل الاغاني تتحدث عن الوحدة الوطنية بين الشمال والجنوب، وكل الآمال تصبو إلى أن يكون السودان مستقراً وموحداً في الشمال والجنوب والشرق والغرب، ونتذكر الأناشيد التي تدعو للوحدة بين الشمال والجنوب ونحفظها عن ظهر قلب مثل «منقو» و«ييي بلدنا وكلنا إخوان»، ونتذكر كل مجاهدات القوات المسلحة السودانية في أن يكون السودان وطناً واحداً، ولكن حدث ما حدث وليس هذا مجال الحديث عنه ولماذا حدث، ولكنه ترك غصة في قلوب السودانيين شماله وجنوبه، فهناك من كان جنوبياً وهواه شمالي أو شمالياً وهواه جنوبي لا يعرف فرقاً بين الشمال والجنوب، ولكن بعض الساسة الجنوبيين آثروا الاستئثار بالسلطة والمناصب السياسية العليا لدولة مستقلة تسمى جنوب السودان على الوحدة ومصلحة الشعب، ووافقهم الشمال على ذلك الانفصال وقفاً للحرب وحقناً للدماء وبغية السلام والاستقرار للطرفين بالشمال والجنوب. لماذا لم يسكت صوت الرصاص والحرب الإعلامية رغم انفصال الجنوب عن الشمال؟ رغم أن الانفصال جاء بجراحة مؤلمة، إلا أن الكثيرين ظنوا وكانوا يأملون، أن يكون ذلك نهاية للاحتراب، وأن يعيش الشمالي في شماله آمناً مطمئناً وأن يكون الجنوبي في جنوبه كذلك ويعيش عيشة رغدة هنية، ولكن للأسف رغم تحقيق مطالب الجنوبيين بالانفصال إلا أن صوت الرصاص والنائحات لم يتوقف، والدماء كانت هنا وهناك، وقد أثر ذلك كثيراً على معنويات الشعب السوداني، فهو يصحو على أن هناك تقارباً بين شمال وجنوب السودان وينام على أن الشقة بينهما قد توسعت أكثر.. وبين هذا وذاك يحتار المواطن في أمره ويقول إلى متى يستمر هذا الدمار؟ ما هو تقييمك لثورات الربيع العربي التي قامت على جانب العقيدة والجانب المعنوي.. هل أصابت؟ إن الربيع العربي الطلق الذي أتانا يختال ضاحكاً حتى كاد يبتسما، وجدناه للأسف وحلاً وطيناً، فما خلت ليبيا حتى الآن من الصدامات والرصاص وسياحة الدبابات بالطرقات، وما نامت تونس ليلة مطمئنة، وما عاد اليمن يمناً سعيداً، وفي سوريا ننصحك أيها القارئ بألا تنظر إلى الشاشات ففيها ما يدمي القلوب. ما يحدث في مصر هل يندرج تحت هذا الإحباط التي تتحدث به؟ نعم فمصر المحروسة كنا نظن أنها محروسة بشعبها والصالحين من أبنائها، ولكن غاب فجر وظهر ليل، وحرست للأسف بالدبابات على الطرقات والمساجد، والحديث المبرر أنها جاءت لتحرس الديمقراطية، وأي ديمقراطية تلك التي تحرسها الدبابات والبنادق. استخدمت الحرب النفسية بشدة في مصدر ضد الإسلاميين.. ما رأيك؟ إذا كان هناك مجال للحديث عن تأثير الحرب النفسية في مصر، فقد استخدم القادمون الجدد آلة الإعلام الضخمة لتشويه صورة الإخوان المسلمين، وقد ساعد على ذلك التشويه في أذهان الشعب المصري وصفهم بالإرهابيين.