وإن كان ذلك لا يحتاج دليلاً، فإنّه كل مرّ يوماً من أيام هذه الحرب اللعينة؛ تتبلور (لمن لا بصيرة لهم)؛ شواهد وإثباتات جديدة وقاطعة بأن (الكيزان) هم من أشعلوها وما يزالوا يصبون عليها مزيداً من الزيت. الإفطارات الجماعية التي نظموها خلال شهر رمضان الكريم؛ كانت بغرض التعبئة العامة وتهيئة الرأي العام للحرب، ولعودتهم المفترضة إلى سُدة الحكم. وهل ثمة أدلة بأن الحرب الشاخصة هي حرب الكيزان بامتياز، أكثر سطوعاً من خطب وتوعدات "أنس عمر" و"محمد علي الجزولي" الجوفاء، وقبلهما توعدات القيادي بالحزب المحلول "ابراهيم محمود حامد"، والتهديدات الصريحة التي أطلقها الأمين العام للحركة الإسلامية "علي كرتي" في أول ظهور له عقب انقلاب 20 أكتوبر 2021، حيث قال: إنّ تنظيمه لن ينتظر طويلاً، في إشارة ضمنية إلى اتجاهه نحو العنف. خطة اطلاق سراح قادة الحركة الاسلامية: في 25 أبريل، بعد أيام قليلة من بدء الحرب غادر قادة النظام البائد؛ على رأسهم، علي عثمان محمد طه، أحمد هارون، نافع علي نافع، وعوض الجاز، سجن كوبر، بعد أن قررت قيادة الجيش التي تُسيطر عليها الحركة الاسلامية فتح أبواب كافة السجون؛ تمويهاً، حتى يتسنى لقياداتهم الفرار، والذي حدث بالفعل بحسب ما هو مخطط مُسبقاً. وكانت الحركة الاسلامية، بحسب مصدر أمني – طلب عدم ذكر اسمه – بدأت خطة إطلاق سراح قياداتها من سجن كوبر ب (بروفة) في سجن الهدى، انتهت إلى اطلاق سراح آلاف السجناء، منهم 4 آلاف (مسجل خطر) ، ممن كانوا محكومين بتهم خطيرة تشمل القتل والسطو المسلح . وقال القيادي الإسلامي، أحمد هارون، أحد الفارين من كوبر، والمطلوب إلى المحكمة الجنائية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو كذلك آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني المحلول، في بيان صوتي ليلة هروبه من السجن، إنهم اتخذوا قرارهم الخاص بتحمل المسؤولية وتوفير الحماية لأنفسهم في ظل ازدياد حدة الاشتباكات التي كانت تدور حولهم. وبالطبع لم يتطرق هارون إلى تفاصيل خطة الهروب؛ التي تمت مناقشتها مع وفي نفس توقيت مناقشة خطة شن الحرب، وكانت ضمن الاجراءات الأولى لبداية الحرب على قوات الدعم السريع. وقال المصدر، ان خطة اخراج قيادات الحركة الإسلامية من السجون كان من المفترض ان يتم تنفيذها منذ اليوم الأول للحرب، ولكن نسبة لتقديرات خاطئة للمجموعة العسكرية التابعة للحركة الإسلامية داخل الجيش، والمنوط بها تنفيذ مهمة التخطيط الحربي، والتي قدرت التوقيت من بداية الحرب وحتى نهايتها (من 3 ساعات إلى 3 أيام)، لذلك، عندما استمرت الحرب بعكس الفترة الزمنية المخطط لها، وبدت كفة القتال تميل لصالح الدعم السريع بعكس تقارير المجموعة العسكرية الإسلامية. لكل ذلك تأجلت خطة هروب السجناء من السجون من ساعات ل (10) أيام. نفي الجيش وأكاذيب ناطقه الرسمي: رغم محاولات العميد نبيل عبد الله، الناطق الرسمي باسم الجيش، واستماتته في نفي أي علاقة ل(الكيزان) وفلول النظام البائد بقيادة الجيش ونكرانه اليائس لعلاقة الكيزان بهذه الحرب، إلاّ أنّ مُراقبين اعتبروا نفيه تأكيداً، لجهة أنّه أحد أعضاء التنظيم الإسلامي العسكري داخل الجيش، وكان يعمل بسلاح المدرعات (أحد أهم فرق القوات المسلحة السودانية، وتبسط الحركة الإسلامية تمام سيطرتها عليها)- وهناك ترّقى نبيل بفضل قرابته التنظيمية حتى بلغ منصب قائد معهد المدرعات، قبل أن تتم تسميته بتزكية من الفريق معاش "عمر زين العابدين"، أحد الضباط الإسلاميين البارزين بالتنظيم العسكري داخل الجيش، والذي تجمعه صداقة طويلة وممتدة مع الفريق البرهان، وهو ما استثمرته الحركة الإسلامية لصالحها، في التأثير على قرارات قائد الجيش، مثل ترقية كوادرهم داخله إلى تسكينهم مجدداً في مناصب قيادية، ومنها تعيين (الكوز الصريح) العميد نبيل ناطقاً رسمياًبقرار من قائد الجيش في 23 يناير 2022 . أكاذيب العميد نبيل عبد الله كشفتها مناسبات كثيرة أهمها نفيه المتكرر لما يصرح به، كإعلان الاستنفار لمنح منسوبيهم الذين يحاربون أصلاً بجانب الجيش / يعتقدون أنها مشروعية، وإن كان الأصح أن الجيش هو الذي يحارب بجانبهم. كاشف الكذب يضع مؤشرة أيضاً، على تحركات الناطق باسم الكيزان داخل قيادة الجيش؛ إذ يلوّح تلك التحركات المحمومة – للإسلاميين- من أجل عرقلة مسار التفاوض ب(منبر جدة) وهو ما كشف بجلاء مدى سيطرتهم على القرار داخل القوات المسلحة. الاستنفار بدلاً عن الاستغفار: بعد اشتدت الحرب وحمى الوطيس وأحس (الكيزان) بدنو الهزيمة أوعزوا لعناصرهم بالجيش بالضغط لإعلان الاستنفار، ولم يسم الجيش مسؤولاً عن هذا الاستنفار، لكن كلف الكيزان وحركتهم الإسلامية "محمد أحمد حاج ماجد" مدير منظمة الشهيد برئاسة لجنته ، لتظهر من بعد ذلك كتيبة (البراء بن مالك) – وهي مليشيا مكونة من المتطرفين والدواعش تابعة للحركة الإسلامية. ترافق دخول الكتيبة إلى العمليات مع مقتل أهم قادتها، فقد قُتِّل، محمد الفضل عبدالواحد عثمان، أمين الفكر والتأصيل بالحركة الإسلامية، والمقاتل السابق في صفوف داعش بالصومال، وقد قُتل في معركة ضد قوات الدعم السريع في محيط سلاح المدرعات. وهو – أي القتيل – ابن أخ القيادي الإسلامي، مصطفى عثمان إسماعيل؛ الأطول بقاءً كوزير لخارجية النظام البائد. وقد نعاه علي كرتي، وتحسر عليه الناجي عبدالله، والأخير (مجاهد) سابق بجنوب السودان ، لطالما تحدث مفاخراً عن قتل (الكفار) وحرب الصليبيين، ولكنه هرب وغادر الخرطوم إلى الولايات، وقد شوهد الأسبوع الماضي بمدينة ود مدني حاضرة الجزيرة وهو يخطب في جماعة قليلة يحرضها على الانخراط في القتال متوسلاً شعارات دينية عفا عنها الزمن، وحاثاً نفره القليل على الذهاب إلى الخرطوم، التي هرب منها ، من أجل قتال الدعم السريع، مقدماً لهم حوافز قيّمة، كالجنة والحور العين (في الآخرة)، فلربما ظن الرجل إنه وتنظيمه سيحكمون في الآخرةً أيضاً. إلى جانب محمد الفضل، فقد قُتل في معركة سلاح المدرعات عدد من القيادات، مثل: أيمن عُمر، وبابكر أبو القاسم، ليرتفع القتلى في صفوف من يسمون أنفسهم المجاهدين إلى أكثر من 120 قتيلاً، بحسب المصادر. الكيزان بالمشهد العسكري علانية: بعد فشل "حاج ماجد" في إدارة الاستنفار، وفشل جولته في ولاية النيل الأبيض، قررت الحركة الإسلامية ان تتولى كوادر الصف الأول الهاربة من السجون القيادة، فييممت شطرها شرقاً ليعقد قيادات الفلول اجتماعات بالقضارف وكسلا والبحر الأحمر، سبقتها اجتماعات بولايتي الجزيرة وسنار . وحرًك ظهور قادة (الكيزان) في الولايات الشرقية هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب 1989 – انقلاب الحركة الإسلامية على النظام الديمقراطي، آنذاك. وانتقدت هيئة الاتهام ظهور متهمين فارين السجن؛ في عدد من الولايات التي يسيطر عليها الجيش، دون أن تتخذ السلطات إجراءات في مواجهتهم وطالبت السلطات القضائية الولائية بالقبض عليهم. وقال بيان صدر تحت توقيع المحامي (المعز حضرة) ، المتحدث باسم هيئة، إن ظهور المتهمين في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو في بعض الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش ودعوتهم للحرب العبثية تحت سمع وبصر الجيش وما تبقى من الشرطة أمر يدعو للدهشة والاستغراب. وطالب المعز الشرطة والاستخبارات العسكرية بالقبض على المتهمين المطلوبين للعدالة وتسليمهم لأقرب مركز شرطة أو نيابة، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة أي وكيل نيابة أو شرطي ظهر المتهمين في نطاق اختصاصاهم ولم يقوموا باتخاذ الإجراءات القانونية المطلوبة ضدهم. وأورد المعز في بيانه ممارسات الاستخبارات العسكرية التي تقوم باعتقال الناشطين السياسيين من المدنيين الداعين لإيقاف الحرب والعودة للمسار الإنتقالي الديمقراطي، اعتقالهم في مختلف ولايات السودان التي يسيطر عليها الجيش السوداني، بينما ترفض الأجهزة الأمنية ، ومنها إستخبارات الجيش التي تقوم بقمع الشباب السلميين، ترفض توقيف قادة نظام الرئيس المعزول الفارين من العدالة، بل توفر لهم الحماية كما شاهدنا في كسلا وبورتسودان والقضارف، حيث يروجون للحرب تحت حماية استخبارات الجيش! تفرق دم (البرهان) : لم تتوقف الضغوط على مطالبة قيادة الجيش باعتقال قادة (الكيزان)، بل خصم ظهورهم العلني وتسويقهم أنهم في صف واحد مع الجيش من رصيده، إذ شن رواد ناشطون بوسائل التواصل الاجتماعي هجوماً واسعاً على قادة حوب المؤتمر الوطني، ووصفوهم بأنهم أس الأزمة وأن صولاتهم وجولاتهم في بعض الولايات تحت حماية حكوماتها ووحدات من الجيش؛ يدعم بشدة ما ظلت تردده قوات الدعم السريع بأنها تقاتل من أجل الانتقال الديمقراطي فيما يعرقله الكيزان من داخل الجيش ومن خلال سيطرتهم على مفاصل البلاد. ولأول مرة لم يخجل (الكيزان) واعترفوا بمبرر: أنهم يقاتلون في صفوف الجيش وقدموا شهداء فما الذي يمنع قياداتهم من القيام بجولات للتعبئة وإعلان الجهاد! إزاء هذه الفضيحة التي أخجلت البرهان نفسه، وهو الذي لم تخجله أشياء أكبر منها، تحرك وأصدر أوامره لنيابات كسلا باستصدار أوامر قبض على الهاربين من السجون . واكّد مصدرنا المطلع، إنّ البرهان لم يستشعر الخجل أمام الشعب، وهو المعروف عنه بأنه لم يقيم وزناً للشعب في السابق، ولكنه استشعر الخطر على موقعه كقائد للجيش، بل على حياته، خصوصاً بعد ان علت الأصوات داخل الكيزان التي تنادي بعزله، وهو يعلم تماماً طريقة (عزل) كيزانه الملطخة بالدماء دائماً. وفي أول رد فعل على أوامر القبض، قال حزب المؤتمر الوطني في بيان له ، أن القيادات الحزب الذين شملهم الأمر لم يفعلوا أكثر من استنفار العضوية للاستجابة لنداء الوطن فيما سمّاه البيان معركة الكرامة – في إشارة إلى حربهم ضد قوات الدعم السريع! لم يكتف الحزب المحلول بالبيان، بل هدّد بعض منسوبيه وقادته واعلامييه تهديدات تحمل ضمناً تصفيه البرهان نفسه! – في الجزء الثاني نتناول خيارات البرهان، هل يواجه أم يرضخ، ومن هو بديله العميد/اللواء (م.أ) الذي يعده الإسلاميين لخلافته.