لأكثر من ثلاثةِ أشهرٍ ونصف الشهر، ما فتئ الشعب يترقب مآذنَ تعلن نهاية الحرب، لا تزال "جلالات" الجيش تعلو حتى كدنا نحزم أمتعتنا ذات الوزن الخفيف إيذاناً بالعودة إلى الخرطوم. "الخرطوم".. تلك المدينة الفاضلة على غير عادتنا سابقاً، بدت لنا الآن فاضلةً حتى شككنا أننا لن نراها مجدداً ولن نبرح الأرض التي وطئناها بعد أن خرجنا قسراً من "الخرطوم". أو كما قال حميد: يا خرطوم وينك وينك يا خرطوم شن شب وقلَبك.. وسلَبك بِجتِك.. نوبْتك.. زِنجِك.. وعرَبك أنا مأزوم.. مأزوم.. يا خرطوم ما لاحت بوارق هدنة إلا وقلنا هذه هي، ما جلسوا يتحاورون ويتفاوضون ويطيرون ذهاباً وإياباً، حتى ظننا أنها لحظات وينتهي هذا الكابوس. نزح من نزح ولجأ من لجأ ومات من مات، لم يبقى في هذا الشعب سوى جرعة أمل واحدة، قد بلغ من المعاناة والشدة ما بلغ، طعن الشباب في السن من كثرة المشقة والمستقبل غير المفهوم. آباءنا وآمهاتنا يضحكون بلا فرح، جاهدين في صنع البشاشة واللطف حتى لا نرى الحزن المتخفّي داخل أرواحهم، نضجنا حتى تفحمنا من ويلات بلادنا المتتالية. هذي البلاد تخصنا.. صنعتنا نتوءات الشوارع، ووخزتنا مطباتها، انكسرنا مراراً واعتدلنا في مشْينا شاهرين طموحاتنا عالياً علّها تلامس سماء الله، إذ كلما لمحنا شهاباً ابتسمنا وانتظرنا تحقيق ما ندعو به المولى. حتى إذا فشلنا، نهضنا ثانية وثالثة وعاشرة وقلنا "لا تحزن إن الله معنا". نحن أجيال "إنقاذ بلا إنفاذ" لفظتنا أضرحتهم الكاذبة يسبّحون بلا صلاة يصلون بلا دين أفواهم أبواقٌ بلا غطاء يصرخون كل يوم ويهتفون نكسرهم بصمتنا العارف ونضحك كلما داعبوا "آذان الخليج العربي" لا ندري متى لكن ستنتهي.. وسيجرّون أوزارهم خلفهم نادمين. Elham Ahmed