بعد دخول الحرب شهرها الخامس، تتكشف الحقائق مرة بعد مرة عن حقيقة ما حدث في الخامس عشر من أبريل، وكيفية إشعال فلول النظام السابق فتيلها من أجل العودة للسلطة عبر بندقية الجيش المختطف من قبل الحركة الإسلامية. لجهة أن حالة من (الإنكار) لازمت الحديث عن ردة الجيش ليرتمي في أحضان النظام البائد مرة أخرى، بعد انقلابه على إرادة الشعب في مجزرة الثالث من يونيو أول مرة، وفي الخامس والعشرين من أكتوبر تارة أخرى. وأمام عزيمة ثوار ديسمبر التي تجلّت في مليونية الثلاثين من يونيو، ومع الحراك السياسي الذي أعقب انقلاب أكتوبر، برز (الاتفاق الإطاري) كنقطة ضوء في نهاية النفق، وألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، وكانت الرادفة التي أعقبت الراجفة تأييد (حميدتي) للاطاري وخيار العودة للمسار الانتقالي الديمقراطي، وكانت أنصع صور انحياز قيادة الدعم السريع لإرادة الشعب حديث عبدالرحيم دقلو، قائد ثاني قوات الدعم السريع، بقاعة الصداقة في مارس الماضي، أي قبل شهر من الحرب، وارسالة رسالة واضحة لقادة الجيش، وقوله: ( سلموا السلطة للشعب بلا لف أو دوران). اختطفت الحركة الإسلامية قرار الجيش إذن، وأدخلت البلاد في أتون حرب قتلت الآلاف من المدنيين، وشردت الملايين ما بين نازح ولاجئ، بهدف عودتها للسلطة على جثث السودانيين. واعتمدت الحركة سياستها القديمة في تضليل الناس، فعمدت إلى محاولة إلصاق تهمة إشعال فتيل الحرب على الدعم السريع مرة، وعلى تحالف الحرية والتغيير مرة أخرى، بذريعة ادعاءات كذوبة عن قيامهما مجتمعين بمحاولة انقلاب – فاشلة – منتصف أبريل الماضي. ولما كانت الحقيقة هي أول ضحايا الحروب، فقد اختلط الأمر على البعض قبل أن تبدأ الحقائق في التجلي. وظهرت الأناشيد الجهادية للتنظيم الإسلامي المقبور، كما ظهر المهاويس و(الداعشيون) يقاتلون في صفوف الجيش الذي تعرض شرفاء ضباطه للتصفية والاعتقال – غدراً وغيلة – من التنظيم الإخواني داخل الجيش. واليوم يظهر تسريب جديد، مصدره الداعشي (محمد علي الجزولي)، عضو الحركة الإسلامية، الذي كتب يخاطب المقدم ركن (مدثر عثمان عبد الرحمن)، سكرتير (البرهان) – وهو كوز قميء ومعتق- بعد أن أمده في وقت سابق بمعلومات استخباراتية – كما يبدو من التسريب – وطلب منه مدثر الدعاء لهم بالنصر على (الخونة)، و(عملاء السفارات)، فرد الجزولي: (أي معلومات إضافية تحتاجونها نحن جاهزون، "ناسنا" منتشرين في كل البقاع، وكلهم حولناهم لاستخبارات شعبية لمساندتكم، وإن تتطلب الأمر فنحن جاهزون للقتال معكم). وطرح"الجزولي" في التسجيل المسرب فكرة "إعلان الاستنفار"، لإدخال المدنيين في محرقة الحرب، والعمل على إطالة أمدها. ما يؤكد التعاون الوثيق بين الحركة الإسلامية وقيادة الجيش، بل تغلغلهم داخل مكتب قائد الجيش، والتنسيق مع الجيش لضمان استمرار الاقتتال، وإجهاض أي جهود للحل السلمي للأزمة. وسبقت تسريبات محادثات الجزولي تسريبات أخرى عن مخططاتهم في الإستعداد للحرب، واعترافات بعض الضباط وكوادر المليشيات الإسلامية مثل (أنس عمر) وغيره في التحقيقات عن اللقاءات التي تمت بين قيادات في المؤتمر الوطني – منهم علي كرتي- مع ضباط كبار بالجيش قبل الحرب، واتفاقهم على إسقاط الاتفاق الإطاري الذي وصفوه بأنه اتفاق لبعض الأحزاب العلمانية (المُلحدة)، وذهبت الاعترافات حد وصف لحظة الهجوم على قوات الدعم السريع في سوبا والمدينة الرياضية في 15 ابريل، بواسطة بعض الضباط الإسلاميين في الجيش وأفراد مليشياتهم، بل وأسماء قادة الحرب، من (الكباشي) حتى أصغر كادر إسلامي! هكذا وبمرور الوقت تتكشف تفاصيل المؤامرة على تطلعات السودانيين، وتوقهم لدولة العدالة والحريات والحقوق يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، وتنفضح أكاذيب الحركة الإسلامية وجرائمها. إذ لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت كما تقول الحكمة الإنسانية الخالدة، والظُلم ليلته قصيرة. ان (الكيزان) مهما كذبوا فانهم في نهاية الأمر مهزومون، لأنهم لا يحاربون الدعم السريع، بل يحاربون حلم الشعب في انتزاع حريته، وخُلاصة التاريخ تقول: ما من جهة أو شخص خاصم الحُرية إلا وقصمت ظهره.