عندما سمع المعتصم أن امرأة عربية صاحت مستغيثة : "وا معصتماه"، أرسل رسالة إلى أمير عمورية قائلا": "من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي" فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها"! والآن تصيح نساء سودانيات انتهكت أعراضهن وبيع بعضهن في أسواق النخاسة بثمن بخس وفي داخل حدود الوطن ، وبعضهن لا يزال مجهول المكان والمصير ، فأين من كنا نسميهم في شعرنا الشعبي "مقنع الكاشفات" أم هل كنا نفتخر بما ليس فينا يا أيها الكرام . ما يحدث في السودان الآن أفظع بكثير مما تعرضت له تلك المرأة في عمورية ومع ذلك نرى الناس في قرى ومدن السودان يهربون مذعورين لمجرد سماع إشاعة بقرب دخول الجنجويد إلى تلك المنقطة فماذا دهانا يا أيها الناس هل أصابنا الخوار ، أم رضينا بالهوان والذل ، أم بتنا لا تهمنا إلا أرواحنا؟ ألم تسمعوا ذلكم الجنجويدي الوقح وهو يقول إن اغتصاب أخواتنا ونهب أموالنا ما هو إلا حق لهم! وكنت أتوقع أن تخرج آلاف السيوف من أغمادها وتسيل برك من الدم ثأرا لشرف حواء السودان ، لكن مر الحدث كأن لم يكن وكأننا لم نسمع ذلك الكلام الفاحش والسافر. إنّ هؤلاء الأوغاد قد مارسوا أبشع وأفظع الجرائم ضد الشعب السوداني؛ لأنهم ببساطة لا يعرفون قيم هذا الشعب وأخلاقه ، ولم يتحلوا بنبل السودانيين حتى في حالة الحرب ، ولم يسمعوا عن المك جيلي سلطان مملكة العباسية تقلي الذي كان يقاتل الفونج نهاراً ويقدم له القرى ليلاً باعتبارهم غرباء في دياره ومن العيب أن يبيتوا جياعاً! . ما يغيظ القلب ويدمي العين ويثير الحفيظة وقوف كثير من سواقط الشعب السوداني مع هؤلاء المجرمين وتأييدهم وقبول ممارساتهم التي تأنف منها حتى بعض الحيوانات المتوحشة. ومعلوم أن هؤلاء الأنجاس لم يعيشوا في بيئة تسودها القيم والأخلاق ، بل ظلوا تائهين في الصحارى الأفريقية حيث لا ضابط ولا سلطان على السلوك والقيم فعاشوا كما تعيش البهائم ، يمتهنون السلب والنهب والقتل ويمارسون الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولهذا السبب فهم يجيدون التدمير ولا يعرفون التعمير ودونكم ما فعلوه في الخرطوم التي أصحبت مجرد خرابات يسكنها البوم بعد أن كانت مدينة مزدهرة، فكيف بالله نركن لهؤلاء ونسمح لهم بالسيطرة على بلادنا مهما أوتوا من قوة ومارسوا من فظائع؟ أين نخوة الشعب السوداني الذي رفع شعار "معركة الكرامة" لتخليص الوطن من دنس المرتزقة؟ . هل نترك الوطن يضيع من بين أدينا ويسيطر عليه عرب الشتات أم أننا سوف ندافع ، إذ لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم . إن وقفة الشعب السوداني مع جيشه في خندق واحد يجب أن تستمر بغض النظر عن بعض الإخفاقات التي ولدت الإحباط في نفوس الناس فرب "عترة تصلح الدرب وتعدل المشي" كما يقول المثل السوداني ؛ ولهذا فإن الشعب الآن ينتفض كما نفضت جناحيها العقاب استعداداً لدحر المليشيا الباغية التي روعت الآمنين وشردتهم من ديارهم ومنازلهم ، والمطلوب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان أن يتصدر المشهد رجال لا يعرف الخوف سبيلاً إلى قلوبهم ، ويدفعهم حب الوطن وغريزة الدفاع عنه ؛ خاصة وقد لاحت في الأفق بشائر الحراك الشعبي في أكثر من ولاية من أجل التصدي لهذا العدوان الغاشم ونهيب بكل من يستطيع حمل السلاح أن يتوجه لمعسكرات التدريب لينال شرف الدفاع عن الوطن ، فإما نصر أو شهادة. لا تتركوا بلاد عزة ومهيرة ورابحة الكنانية وتاجوج لتدنسها مليشيا المرتزقة ، فإنكم أحفاد ملوك الزمان الذين توجوا الفنج وزانوا كردفان ، وقوموا لحماية أرضكم وعرضكم ، وأنت منصورون بإذن الله تعالى.