بعد إحدي عشر شهر من حرب أبريل الماضي وبعد أسبوع من الأن -الجمعة 8/ مارس الحالي تدخل عامها الأول – ظهرت حقيقة ساطعة كسطوع الشمس في وضح النهار ولا تحتاج الي جدل عقيم حولها او مناقشات بيزنطية مفادها أن الجنرالين البرهان و"حميدتي" أصبحا خارج إهتمام الشخصيات الكبيرة التي بالفعل تدير دفة الحرب في السودان المهمش، الجنرال/ البرهان و عدوه اللدود "حميدتي" اصبحا لا يحتلان أي مراكز عسكرية هامة فهم الان مجرد واجهة عسكرية دبابير ونجوم صفر علي الاكتاف ولا شيء اكثر ، الاثنين ما عدا في مكانة عسكرية كبيرة تسمح لهم باصدر القرارات التي تخص المعارك. هذه المعلومة ليست من عندي، فالقارئ الذي طالع بدقة واهتمام شديد ما نشر في الصحف السودانية والاجنبية خلال السبعة شهور الماضية (أغسطس 2023- مارس الحالي) عن حال السودان بعد هروب البرهان من القيادة العامة في الخرطوم وعدم ظهوره جهارا نهارا في ميادين القتال يعني إنه مهمش حتي وبعد أن قام بعدد من الزيارات للمناطق والثكنات العسكرية. اما عن "حميدتي" فقد ثبت بالدليل القاطع إنه ما عاد قائد قوات "الدعم السريع" وما عادت عنده كلمة مسموعة عند الضباط والجنود، والدليل علي ذلك أنه لم يستطع إنهاء حالة الفوضى العارمة والاغتيالات المبرمجة والاغتصابات التي تمت في مناطق وجودهم، ولا قضي علي جرائم النهب المسلح التي تفشت كالوباء بين قواته، بل وأن توجيهاته المتكررة للضباط والجنود بضرورة مراعاة قوانين العسكرية والانضباط الصارم لم تجدي نفعا رغم التحذيرات المتعددة، بل زادت حالات الانفلات بصورة أكثر عن ذي قبل. عودة الي عنوان المقال والسؤال فيه إن كانت الحرب ستتوقف بالفعل لو اتفقا البرهان وحميدتي علي وقفها؟!!، في البداية لا بد أن نتوقف عند حقيقة هامة وهي أن البرهان رفض بشدة الاجتماع مع "حميدتي" والجلوس معه علي طاولة حوار من أجل وقف الحرب طالما قوات الدعم تحتل العديد من المقرات الحكومية ومباني السفارات والمستشفيات والكباري والإذاعة وتحاصر القيادة العامة وبعض المناطق العسكرية في العاصمة المثلثة ومنازل المواطنين، وسبق أن صرح البرهان في مرات كثيرة خاطب فيها ضباط وجنود القوات المسلحة أن المعارك ستشد أكثر قوة في المرات القادمة إزاء تعنت الدعامة بعد تنفيذ شرط إخلاء المناطق المحتلة ، البرهان خاطب الضباط والجنود في مرات كثيرة بحماس شديد الهب مشاعرهم مما حدا بالجنود أن يهتفون مطالبين البرهان ب"فك الحزام"!! من من لا يعرف أن البرهان بعد خروجه من القيادة العامة في الخرطوم وبعد أن وصل الي بورتسودان، غادر البلاد ألي عشرة دول طلبا للسلاح، والغريب أنه لم يحصل الي دعم عسكري قوي الا من ايران التي لم يقم اصلا بزيارتها!!… شرط البرهان للالتقاء مع "حميدتي" خروج قواته من المناطق المحتلة شكلت العقدة امام "المنشار"، وما زال الحال علي حاله منذ أبريل الماضي حتي اليوم. الكلام عن الجنرال/ "حميدتي" المختبئ بشكل غامض وسري وعلي غير عادته لا يظهر الا قليلا في دائرة الضوء، يجرنا الي سؤال هام وإن كان هناك من يدير دفة المعارك في مناطق القتال بدل عنه؟!!، والسؤال ليس بالجديد، فقد سبق أن علق أحد الصحفيين أن "حميدتي" ما عاد هو نفس "حميدتي" القديم الذي كان يصول ويجول في كل أرجاء البلاد وكسب شهرة أكثر من الرئيس البرهان، "حميدتي" الجديد أصبح كالشبح لا يظهر ولكنه موجود!! كل التوقعات باجتماع الجنرالين من أجل وقف الحرب باءت بالفشل، فالبرهان يود أن يكسب الحرب باي طريقة بعد أن نزل اسهمه محليا وعالميا الي ما تحت الصفر، ويسعي جاهدا بشتى الطرق والوسائل ارغام "حميدتي" علي قبول شروطه الخمسة، وهي:- 1- حل قوات الدعم السريع" ودمج الضباط والجنود في القوات المسلحة. 2- مليشيا الدعم السريع تخرج من العاصمة. 3- إرجاع كل ما تم نهبها لأصحابها. 4- اطلاق سراح الاسرى. 5- دفع تعويضات (30) مليار دولار. "حميدتي" بدوره سارع بفرض شروطه الخمسة علي البرهان لوقف الحرب، والشروط هي: 1- عودة "حميدتي" إلى الواجهة بجميع صلاحياته، ونائبا لرئيس مجلس السيادة حتي قيام الانتخابات. 2- عدم حل "قوات الدعم السريع" والاعتراف بوجودها كما كان الحال قبل يوم 15/ أبريل 2023. 3-إعادة كل أموال "الدعم السريع" ، وإعادة شركاته المصادرة. 4- إعادة جميع مواقع الدعم العسكرية في العاصمة والولايات الأخرى. 5- أن تكون قوات الدعم مستقلة تماما عن القوات المسلحة، ولا وصاية عليها من أي جهة في الدولة. هذه الشروط العشرة كانت محل حوار ونقاشات طويلة أثناء جلسات "اجتماعات المنامة" التي تمت في يوم الأحد 28/ يناير الماضي بين نائب القائد العام الفريق أول/ ركن شمس الدين كباشي وقائد ثاني قوات الدعم/ عبدالرحيم دقلو، وجاءت التوقعات تماما كما توقع الكثيرين، ففي اليوم التالي نشرت صحيفة "العرب" اللندنية خبر تحت عنوان:- "البرهان يرفض شروطًا "تعجيزية" للدعم السريع، وتم نشر الخبر ايضا في نفس اليوم بصحيفة "صوت السودان" التي ترأسها الصحفية/ سهير عبدالرحيم. وكالعادة إنفضت "إجتماعات المنامة" بالفشل مثلما انفضت قبلها "اجتماعات جدة"، واجتماعات إيغاد، وجلسات جوبا، وورشة القاهرة. ويبقي السؤال القوي مطروح بشدة، لو افترضنا أن "حميدتي" وافق علي شروط البرهان الخمسة، ووعد بتنفيذها علي الفور… هل فعلا ستتوقف المعارك ويسود السلام ارجاء البلاد؟!! ولو افترضنا جدلا، أن البرهان وافق علي شروط "حميدتي" الخمسة، والتزام التزام جاد بتنفيذها، فهل ستتوقف الحرب، والكل يعرف أن البرهان عضو في "الحركة الاسلامية" التي تسيطر علي القوات المسلحة، وهي التي تدير المعارك وترفض وقف الحرب عملا بالقول المعروف عندهم:- "بل بس"، التي تقصد بها ضرورة المضي قدما في حسم الصراع عسكريا ، من دون الذهاب لطاولة تفاوض؟!! هل ستكون حرب الأخوة الأعداء – وفي رواية أخري"رفقاء السلاح"- في السودان أطول عمرا من حرب الجنوب التي ظلت متاججة منذ عام 1955 وحتى هذا العام الحالي 2024 "أبيي"؟!! قالوا قديما أن حرب "داحس والغبراء" استمرت لمدة (40) عام بلا توقف، وهي حرب من حروب الجاهلية بين فرعين من قبيلة غطفان، هما: عبس وذبيان، وتعد هي من أطول الحروب التي عاشها وخاضها العرب في العصر الجاهلي،… فهل يا تري ستتفوق حرب السودان علي حرب "داحس والغبراء" وتدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية تحت إسم (حرب السودان العبثية التي استمرت حتي القرن 22)؟!!