وعلموا النشء علما يستبين به سبل الحياة وقبل العلم اخلاقا رحم الله شاعرنا الفخم محمد سعيد العباسي وهو يرسي لنا بشعره مبدأ ومفهوم في غاية الأهمية في رقي وتقدم الأمم وهو ضرورة ان تسبق الاخلاق العلم وان تكون التربية قبل التعليم . استحضرت ذلك وانا اتابع ردود أفعال الاهل والأصدقاء والأبناء حول فتح المدارس بمدينة بورتسودان لا شك في اننا نثمن الدور الذي قامت به حكومة الولاية في اتخاذ القرار الصائب بفتح المدارس وبالرغم من انه قد اتى متأخرا ولكن ان تأتي متأخرا خيرا من ان لا تأتي . ومؤكد ان هذا القرار اتى انتصارا على صرخات البلابسة وتصريحات البوق الناعق الانصرافي بتخوين الساعين الى إعادة فتح المدارس والجامعات لمواصلة العملية التعليمية . ومن المؤكد ان اخلاق الحرب تتطلب ان يتفق الطرفين المتحاربين على تجنب الاضرار بالعملية التعلمية للأبناء الذين يهدفون الى إعادة الديمقراطية والحكم المدني لهم في مستقبل ايامهم او الانتصار لحرائرهم والحفاظ على دولتهم موحدة. ولكن لدينا بعض المأخذ على تنفيذ هذا قرار والذي نرى انها اخرجته من دائرة كونه قرارا من اجل الصالح العام وتحوله الى قرار سياسي القصد منه هو الكسب السياسي بإظهار قدرة حكومة بورتسودان على مواصلة الحياة في العاصمة الإدارية للجيش. أولا يلاحظ ان القرار قد اتى من دون دراسة شاملة او تهيئة للظروف الملائمة لتنفيذه من قبل متخذ القرار والذي كان من المفروض ان يستثمر الوقت في تذليل العقبات ودراسة كل السناريوهات التي من المتوقع حدوثها اثناء التنفيذ وإيجاد حلول عملية لها. فبعض المدارس حسب افادة التلاميذ لم تستطع ان تفتح أبوابها وان تبدء يومها الدراسي الأول بعد ان فوجئ التلاميذ بعدم خروج المقيمين منها ورفضهم الانتقال الى مراكز الايواء البديلة مما اضطر إدارات المدارس لتسريح الطلاب واعادتهم الى بيوتهم لحين اشعار اخر وكان الاجدى حل المشكلة اما بأقناع المقيمين بالرحول قبل دخول القرار حيز التنفيذ او تحديد المدارس التي ستكون بها الدراسة حتى يتم تفادي ان يتعرض التلاميذ لموقف ان يفكروا في ايهما اجدى إغاثة الملهوف وجبر الضرر عنه ام مواصلة الدراسة وتحصيل العلم . على حساب قيمة الايواء واكرام الضيف. ثانيا الرسوم الدراسية العالية والأرقام الفلكية التي حددتها المدارس لتسجيل الطلاب للعام الدراسي والتي لم يراعى فيها ظروف الحرب وتخفيض الرواتب وعدم استمرار دفعها إضافة الى الأحوال المادية السيئة لكل فئات المجتمع ثالثا بالرغم من ان العملية التعليمية عملية تكاملية بين الدولة والمجتمع تلعب فيه المدرسة دور أساسي لزرع القيم التي تقرها الدولة عبر المناهج الدراسية في عقول النشء لإخراج أجيال قادرة على تحمل المسؤولية كأفراد صالحين في المجتمع . هذه المفاهيم يجب ان تتجذر في عقلية رجل الدولة ومتخذ القرار المكلف بإدارة العملية التعليمية والمعلم الذي يقوم بالتدريس وولي الامر الراعي للطالب وأطياف المجتمع عموما الذين يشكلون البيئة والحاضنة لاستمرار العملية التعليمية لبلوغ هدفها دون انحراف . لذا يجب ان تتضافر الجهود لتذليل العقبات ويجب ان تكون هناك مبادرات شعبية لإيجاد الحلول والمشكلات التي تواجه استمرارية العام الدراسي . ويحمد لأنسان بورتسودان الدور الرائد الذي يقوم به في دعم العملية التعليمية والوقوف مع الدولة في الظروف الصعبة على مستوى رجال الاعمال واعيان المدينة بالمال والجهد والوقت . لا سيما اذا توفرت النية الصادقة من الدولة في رغبتها للعمل من اجل الصالح العام وليس من اجل الدعاية والكسب السياسي . وهناك عدة حلول يمكن ان تتخذ مثل 1- عدم الزامية الطلاب بارتداء الزي المدرسي وبذلك تتخلص الاسر من عبئ تكلفة الزي المدرسي . 2- عمل مبادرة لجمع الكتاب المدرسي القديم والتبرع بها لتوفير كتاب لكل طالب وبالتالي توفر الاسر كلفة الكتاب المدرسي. 3- عمل مبادرة لتوفير وجبات مدرسية مدعومة تسهم فيها الدولة والخيريين تقدم للطلاب لتخفيف العبء على الاسر . 4- عمل مبادرة لخط دائري في المدينة يمر بالمدارس مخصص فقط لطلاب المدارس يتم دعمه بواسطة الدولة يعمل على مدار اليوم الدراسي لتوصيل الطلاب مجانا لتخفيف تكلفة الترحيل على الاسر ويمكن التنسيق مع باصات المؤسسات والوحدات العسكرية مع مراعاة إعادة جدولة توقيت بداية اليوم الدراسي للاستفادة القصوى من الفكرة. 5- إعادة العمل بنظام الدراسة المسائية للصفوف المتقدمة ويمكن فتح مدارس البنات صباحا والبنين مساء وبذلك يمكن تجنب عدم افراغ كل المدارس من المقيمين فيها وتحقيق قيمة الايواء مع عدم الاخلال بالعملية التعليمية . 6- تحفيز المعلمين وتذليل العقبات التي تواجههم في إتمام العملية التعليمية وإقامة ورش عمل يتم فيها الاستماع الى أفكارهم وآرائهم في تقييم وتقويم العملية التعلمية في ظل هذه الظروف الاستثنائية.