تفكر اشر في وضعه فيما يلي الوجهة التي يتعين عليه زيارتها، بعد تحطم اماله ذات الصلة بالوصول الى درب الأربعين، فقرر، لسبب او اخر، الذهاب الي مدينة الجنينة. كانت الحقيقة المرة التي نقلها له مدير مركز شرطة مليط عن درب الأربعين، و التي تقول انه أصبح مهجورا منذ سنين طويلة، كانت صادمة ما جعله يعتبر رحلته حتي مليط مجرد تمرين علي السفر عبر بيئة كردفان و دار فور القاسية. وصل الى الجنينة و زار، حال وصوله، احد شيوخ المدينة و وجد بمنزله جمعا من الناس الذين التأم شملهم حول الشيخ فأخذوا يتجاذبون واياه اطراف الحديث و يتناقشون في بعض شؤونهم. رحب به الشيخ و حياه الحاضرون ثم جلس و اياهم و نظرات البعض ترشقه من وقت لاخر، معبرة عن الدهشة للظهور المفاجيء لهذا (الخواجة) و متساءلة عن الهدف وراء زيارته. ذكر أشر انه تقطن بالجنينة العديد من القبائل منها المساليت و الرزيقات و غيرهما. و قد اشار الى ان قبيلة الرزيقات، و التي تقطن في اقصي الغرب من السودان الشمالي، بين الفاشر و مدينة أبشي التشادية، تتألف من خمس مجموعات قبلية أشهرها المحاميد و الماهرية. و زاد بقوله أن اولئك الرزيقات ينتمون الي الرزيقات المقيمين بجنوب دار فور ثم ذكر انهم يعتبرون من المحارببن الشرسين الذين كانوا ضمن قوات الامام المهدي. و مضى أشر بقوله انه و شخص يدعي حسن، ارتيري الجنسية، جلسا علي كرسيين يغطيهما الغبار، علي مبعدة من الناس الذين كانوا جالسين حول الشيخ. و ظلا هكذا ينصتون الى الشيخ و من معه و هم يتجاذبون اطراف الحديث و يتناقشون في شؤونهم.الخاصة. و قد بدا الشيخ و جماعته في شغل شاغل عن أشر و حسن الارتيري. و بعد ان مكث جماعة الشيخ من اهالي المنطقة بعض الوقت بمنزل الشيخ انفض سامرهم و تركوه و معه اشر و حسن لوحدهم. و بعد مغادرتهم ذكر الشيخ لأشر ان ابنه اخبره بأنه، اي اشر، ينتوي مرافقة العرب الي تشاد، فرد أشر بالايجاب. عقب الشيخ فذكر لأشر ان قتالا عنيفا يدور حاليا بتشاد و ان القبائل الحدودية مثل القرعان و البديات مسلحة و خطرة. و اردف قائلا ان الأهالي بتلك القبائل يمكن ان يقتلوا أي شخص خاصة إذا كان (خواجة) و ذلك نظرا لكراهيتهم للفرنسيين. ثم مضي قائلا ان (البارشوت) هم الوحيدون الذين يتجرأون علي دخول تشاد. واوضح حسن لأشر ان (البارشوت) هم المهربون. ثم قال أشر للشيخ انه يطلب مساعدته لدخول تشاد، غير ان الشيخ ذكر له انه لا يعرف شيئا عن التهريب و المهربين حتي يساعده. و مضي اشر بقوله ان الشيخ ابتسم، حينها، ابتسامة خبيثة ذكرته بضبع شاهده بكردفان، ما جعله، أي أشر، يدرك حقيقة خوف الناس منه و احترامهم له. و زاد بقوله أنه يبدو ان الشيخ نوع من البشر الذين يمكن للواحد منهم التبسم في وجه الشخص ثم طعنه من الخلف. و قال اشر انه ذكر، وقتها، حديث الناس بالسوق عن الشيخ و كيف انه جمع ثروته عن طريق الغارات و التهريب. ثم اردف قائلا انه ذكر أيضا ما قاله له حسن الأريتري عن منزل الشيخ و الذي شبهه بالميناء من كثرة ما به من بضائع و أشياء أخري. من جهة أخرى وصف اشر مدينة الجنينة و موقعها الجغرافي و طبيعتها ثم ذكر ان قبيلة المساليت هي القبيلة الرئيسة بتلك المنطقة و ان اهلها يدينون بالولاء للسلطان عبد الرحمن بحر الدين، سلطان دار مساليت. كما اشار الي انه يجاور المساليت من الناحية الشمالية قبائل أصغر مثل تاما و ارنقا و جبل. و مضي قائلا ان الرزيقات، و الذين يعتبرون ابالة، يشاركون المساليت الاقامة بهذه المنطقة، غير ان هناك قبائل اخري تمتهن، وفقا لأشر، رعي الابقار بهذه المنطقة مثل بني هلبة و المسيرية. و توجد في الناحية الشرقية جيوب معزولة من الابالة كأولاد راشد، كما توجد في الشمال و علي طول الحدود التشادية المنطقة التي تقطن فيها القبائل القوية كالزغاوة و البديات و القرعان. و اشار الي ان الجنينة تأثرت، خلال تلك الفترة من العام 1980م، بالحرب التي كانت رحاها تدور في تشاد بين قوات الرئيس التشادي،وقتها، جيكوني عويدي المدعوم من العقيد معمر القذافي، و ببن المقاتلين المناوئين له بقيادة وزير دفاعه السابق حسين هبري المدعوم من السودان و مصر. و ذكر أشر ان هبري قام بتسليح القبائل الحدودية كالقرعان و البديات، لكنهم استغلوا الاسلحة الحديثة التي حصلوا عليها منه في الاغارة علي ابل العرب و مهاجمة الاسواق السودانية النائية و ذلك بالرغم من ان الحكومة السودانية تدعمهم بصورة غير مباشرة من خلال دعمها لهبري. و تبعا لذلك فان العرب بهذه المنطقة، و الذين يعتبرون انفسهم ليسوا بسودانيين و لا تشاديين بل لهم احقية الانتماء لكلا البلدين،اضحوا يتعاطفون مع جيكوني عويدي نظرا لان رجال هبري كانوا يسرقون بهائمهم. و قد وظف الرئيس جيكوني هذه الظروف من خلال استخدامه للعرب كمصادر استخباراتية، ما ادي الي تمتع شيوخهم بمكانة متميزة جعلتهم وسائل ربط استخباراتي هامة. و وفقا لأشر فان العرب كانوا ايضا طرفا في الحرب، بصورة اخري، حيث قام النظام الليبي،حسب أشر، بتدريب قوات سودانية تسمي الجبهة، بقيادة احمد الهندي، و كان قوام تلك القوات هو القبائل العربية. و مضي بقوله انه كان مخططا لأفراد تلك القوات دخول العاصمة، الخرطوم، للعمل في مهن عمالية توطئة لتنفيذ المخطط المرسوم عندما تحين ساعة الصفر المحددة. من جانب اخر ذكر اشر انه وجد نفسه منغمسا في تلك الأجواء بمدينة الجنينة و اصبح ضيفا منتظما بمنزل ذلك الشيخ، و كذا صديقه حسن الاريتري. و قد أشار الي ان صديقه الاريتري يدعي انه مسلم في حين انه مسيحي و يدعي مايكل. و اردف قائلا ان ذلك الارتيري كان يقاتل في صفوف جبهة تحرير اريتريا لكن تم اعتقاله بواسطة الجبهة نفسها لمخالفته الاوامر فهرب الي الخرطوم و منها الي الفاشر. و في الفاشر التقي حسن بارتيري اخر يدعي يعقوب هرب ايضا من جبهة تحرير ارتيريا فصحبه الي الجنينة. عمل حسن و يعقوب في مهنة اصلاح (الراديوهات) بالجنبنة، لكن يعقوب أدمن الشراب لدرجة مدمرة. اما حسن فقد كان، وفقا لأشر، أكثر استقامة من يعقوب ما جعلهما يتخاصمان و لا يتحدثان مع بعضهما. أشار اشر الي ان حسن اعد العدة لمغادرة الجنينة لجهة ما. ثم اردف قائلا انه، اي حسن، التقي، قبل مغادرته، بيوغنديين احدهما يدعي جون بوسو و الاخر يدعي الكس. و مضي اشر بقوله ان جون يعمل محاضرا بمعهد للفنون الجميلة بالخرطوم حيث يدرس الخزف. و وفقا لأشر فان جون ينوي القيام برحلة بالجمل في تلك المنطقة بغرض القاء محاضرات عن الفنون الجميلة، يساعده الكس. و قد وافق الشبخ علي تزويدهما بجملين و (دليل) من العرب لانجاز مهمتهما. اعار أشر، وفقا لقوله، (كاميرته) لجون بوسو الذي كان ينتوي ، في اطار رحلته المرتقبة، السفر الي كتم بعد أن أخبر أشر بأن (كاميرته) قد سرقت. و قد اعطاه أشر أيضا خطاب تعريف لزميل له، يعمل معلما بكتم، يدعي دونالد فريند. غادر بوسو الجنينة لوحده متوجها صوب كتم، حيث قرر الكس الا يرافقه، كما ان (الدليل) لم يسافر معه. مضت أسابيع علي سفر بوسو لكنه، و خلافا لما كان متوقعا، لم يعد. و قد قام الكس، خلال تلك الأيام، ببيع جمله و العودة الي الخرطوم. و عندما التقي أشر بدونالد فريند،لاحقا، أحاطه الأخير علما بأنه قد استضاف بوسو بكتم لكنه تسبب، من خلال تحركاته المشبوهة، في ان شكت السلطات المحلية فيه، اي في دونالد، و طردته من كتم. و أردف دونالد ذاكرا لأشر ان بوسو باع الجمل لشخص يدعي علي تميم ثم استعاره منه لكنه اختفي. و هكذا اختفي بوسو بعد ان باع الجمل و استلم ثمن البيع ثم استعاره ممن اشنراه منه و اختفي و معه (كاميرة) أشر. دار حديث، ذات يوم، بين ابن الشيخ و أشر عن بوسو فاخبره أشر ان بوسو ذكر له أنه يعمل محاضرا بمعهد للفنون الجميلة بالخرطوم، فعقدت الدهشة لسان ابن الشيخ ثم أفاد أشرا بأن بوسو يعمل مديرا لمصنع سجاير. أما حسن الاريتري فقد غادر،وفقا لأشر، الي تشاد برفقة قافلة تهريب. و قد روي يعقوب الاريتري الاخر، لاحقا، لأشر ان حسن وصل الي العاصمة التشادية، أنجمينا، و بحث عن عمل هناك لكنه لم يوفق. و زاد يعقوب بقوله لأشر ان حسن قرر، و الحال تلك، العودة الي السودان، فاشتري بندقية كلاشنكوف لبيعها في الحدود حتي يجني ربحا منها، غير انه خضع لتفتيش في مدينة ابشي التشادية فصودرت بندقيته و اردي قتيلا من قبل القوات التشادية المرابطة بالحدود. ظل أشر متواجدا بالجنينة لفترة ليست بالقصيرة، لكنه كان ما زال، حسبما ذكر، يطمح في السفر عبر درب الأربعين متجاهلا كل نصائح و تحذيرات مدير مركز شرطة مليط بعدم المجازفة بالسفر في قلب الصحراء. فدرب الأربعين أصبح تاريخا بعد أن لم يعد مطروقا منذ مئات السنين، وفقا لمدير المركز. و ذكر أن عليه، و هو يتلمس طريقه الي درب الأربعين، ألا يتعدي واحة العطرون حيث الماء و عدم مواجهة خطر الموت عطشا. كما قال أن طريقه المباشر لتلك الواحة يمر بدار زغاوة و هو علي علم بأنها مضطربة أمنيا جراء التداعيات الأمنية الناتجة عن الحرب الدائرة في تشاد. فالبديات يقومون بهجمات عبر الحدود السودانية التشادية مما يجعل الفوضي الأمنية ضاربة بأطنابها علي طول الحدود. و بالرغم من كل ذلك فان أشر كان مدفوعا برغبة عارمة فضلا عن عامل الزمن، كما ذكر، لارتياد المخاطر بغية بلوغ هدفه. و هنا اود ان اؤكد، مرة اخرى، على ان الوصول إلى درب الأربعين تحول الى هوس بالنسبة لاشر، ما دفعه الى تجاهل الحقيقة التي نقلها له مدير مركز شرطة مليط عن هذا الطريق، فغدا بستميت في القفز عليها من اجل تحقيق حلمه الذي يفترض أن يكون قد تبدد. ذكر أشر أنه لجأ الي أحد شيوخ المحاميد (احدى فروع قبيلة الرزيقات)، و يدعي راشد عمر، ليستشيره في أمر سفره. و إضاف قائلا انه لم يلجأ الي استشارة الشرطة ظنا منه بأنها سوف تحذره من الاقدام علي خطوة السفر لما تنطوي عليه من خطورة. عرف شيخ راشد أشرا علي شخص من قبيلة الزغاوة يدعي ادم أحمد، تم الاتفاق معه علي مرافقة أشر له في السفر الي حيث المكان الذي يقيم فيه علي أن يواصل أشر، بعدئذ، رحلته لوحده. و حسبما ذكر أشر فان ادم كان قد حضر راجلا من قريته الواقعة بالقرب من قرية كلبس الي الجنينة ليستشير شيخ راشد في موضوع يتعلق بسرقة جمال ادم الثمانية التي تمت سرقتها بواسطة مجهولين. اتفق ادم و أشر علي اللقاء عند جبل كنديبي خارج الجنينة ليشرعوا من هناك في القيام برحلتهم. كان لدى أشر جملين أحدهما سيء الطباع و شرس و الاخر عمره حوالي أربع سنوات من النوع الذي يسمي (حق) و ذلك لزوم حمل كمية اضافية من الماء نظرا لأنه ربما يسافر عبر الصحراء بمفرده. كان أشر قد جهز، حسب قوله، كميات مناسبة من الدقيق و الشرموط و البهارات و الشاي استعدادا للرحلة الي العطرون و التي من المتوقع أن تستغرق خمسة عشرة الي عشرين يوما. بالاضافة الي هذا فانه جهز (قربتي) ماء و بعض متطلبات النوم. كما أشار الي ان عمر، ابن الشيخ راشد عمر، قد أحضر له مسدسا حديثا و طلب منه اخذه معه. و قال انه مانع، في باديء الأمر، ذاكرا له أن هذا ربما يوقعه تحت طائلة القانون و يسبب له مشاكل هو في غني عنها، لكن عمرا أصر عليه و ذكر له أن اللصوص سيتربصون بجمليه و يلاحقونه من أجلهما. اقتنع، أخيرا، و اخذ المسدس. التقي ادم و أشر في المكان المحدد و سافرا سويا. مرا في طريقهما بوادي يسمي وادي سيربا و ظلا يسيران لمدة ثلاثة أيام بمحاذاة ذلك الوادي مارين بمنطقة ارنقا و تاما. ذكر أشر أنهما مرا، في طريقهما، بالعديد من المزارع التي كانت تعمل بها نساء ناعمات السواد، تلبس الواحدة منهن (الشنف) و الاقراط و هن منهمكات في الزراعة و حولهن اولادهن الصغار. أبدي جمل أشر (العاصي)، سيء الطباع تمردا لا تخطئه العين و أصبح سلوكه يشي بشعوره بانه منفي قسريا الي مكان مجهول بعد ان فارق دياره. حاول عدة مرات ان يعض أشرا كما اضحي (حرونا). قام ادم بركوبه و تبين له أنه فعلا سيء الطباع فذكر لأشر أنه يتعين عليه أن يبيعه و الا سيغدر به و يقتله. كانا يمران علي مزارع منتشرة علي طول الطريق. و نظرا لأن رحلتهما تزامنت مع موسم الحصاد (الدرت) فانهما كانا يشاهدان الأهالي و هم (يدقون) العيش في (الجرون). و قد كان ادم، حسبما أشار الي ذلك أشر، يمر علي بعض أولئك الناس و يساعدهم في العمل في حين يبقي أشر مع الابل. و وفقا لأشر فان جائزة ادم مقابل مساعدته الأهالي تكون، في الغالب،(كورة/كورية مريسة). وصف أشر تلك المنطقة بناسها و مكوناتها و كل مفردات الحياة بها و الموسومة بعدم وجود سيارات أو وسائل حياة عصرية، وصفها بأنها تعد أرضا بكرا و جميلة كما أن الناس فيها يعيشون علي السجية. و قد أردف قائلا أن مرد هذا ليس لما بها من مفردات مختلفة يمكن استكشافها و لا لمقابلة الأهالي فحسب بل للاستمتاع براحة البال و السعادة، لبعض الوقت، بعيدا عن أزيز السيارات و أصوات الماكينات و صخب المدن. مر ادم و أشر أثناء سيرهما بقافلة مكونة من خمسة عشرة جملا بها مجموعة من الأشخاص ينتمون الي قبيلة قمر. كانت تلك القافلة عائدة من كلبس، حاضرة قمر و التي تعتبر سوقا كبيرا لبيع الدخن و غيره. تبادلا معهم التحايا و سألهم ادم عن الاخبار في الشمال، افادوهما بأن أربعة أشخاص من قمر قد تعرضوا بالأمس القريب لهجوم من البديات عندما كانوا في طريقهم الي كلبس. و زادوا بقولهم أن المهاجمين قتلوا قمر و نهبوا ابلهم. كانت لتلك الأخبار صداها المخيف في نفس أشر حيث جعلته يوقن، وفقا لقوله، بأن كل ما تم تناقله عن خطورة تلك الناحية من المنطقة يبدو حقيقة. و قد قال في نفسه انه سيسافر وحيدا في المنطقة الوافعة شمال كلبس و بالتالي سيكون عرضة لخطر شديد. لكنه كان، وفقا لما ذكر، سعيدا بمسدسه. مرا في طريقهما الي كلبس بواد ممتد لمسافة طويلة يقع علي تخوم كلبس. احاط ادم اشرا علما بأن قرية كلبس قد تعرضت لقصف من قبل سلاح الجو الليبي قبل حوالي سنة و اصبحت لاحقا تعج بالنازحين التشاديين. بعد مسير لمسافة قصيرة وصلا قرية ادم حيث قام بدعوة أشر الي منزله لكن اشرا شكره و أبدي رغبة في مواصلة رحلته كسبا للوقت. و ودع ادم اشرا و نصحه بأن ينتبه من البديات و لا ينوم في العراء مردفا بأنه سيكون امنا متي ما وصل الطينة. واصل اشر سيره بين الوهاد و النجود و الفيافي الممتدة الي ما لا نهاية حيث ظل يستريح وقت ما كل من السير و يقوم باعداد العصيدة و الشاي ثم يواصل رحلته بعد ذلك. اشار اشر الي انه و بينا كان يأخذ قسطا من الراحة في وسط الأحراش، ذات يوم، اذا بفتاة عربية جميلة، عسجدية اللون تخرج فجأة من بين الأشجار و هي تسوق أبقارا امامها. حياها من علي البعد فبادلته التحية ثم ذهبت الي حال سبيلها. و زاد بقوله انه سمعها، و هي تبتعد رويدا رويدا عنه، تتغني بأغنية. اطل أمام أشر، بعد لحظات، رجل فحياه و رد عليه التحية. استفسره الرجل عن قبيلته فأفاده أشر بانه انجليزي. عقب الرجل مستفسرا أشر عما اذا كان الانجليز يركبون الابل فرد بنعم. ذكر ذلك الرجل لأشر انه من قبيلة تدعي عريقات ثم طفق يسأله أسئلة كثيرة مثل من أين اتي و الي أي مكان ذاهب و ما هو هدفه من رحلته و ما الي ذلك. تضجر اشر من استرسال الرجل في الاسئلة و انتابه الشك في أمره. و فجأة احتد الرجل في حديثه مع أشر و قال له ان جمله هذا، اي جمل أشر، به (وسم) قبيلة العريقات. قال الرجل لأشر ايضا انه من المحتمل ان يكون (همباتي). لكن أشر رد عليه بأنه اشتري الجمل من الشيخ راشد عمر بالجنينة ثم تحسس مسدسه و رأي الرجل المسدس فذهب، حينها، لحال سبيله و ترك أشرا حيث كان. و هكذا أثبت اشر جسارة متفردة و شجاعة متناهية مع عزم أكيد على ركوب الصعاب و المخاطر، مهما كلفه الأمر و ذلك من اجل اشباع روح الاستكشاف المتجذرة فيه و استكناه المجهول اذا لم يكن من اجل تحقيق حلمه للوصول إلى درب الأربعين، الذي يبدو انه تبدد. [email protected]