امة تولد من جديد ولكن منقسمة على نفسها، وامة مشوهة السمعة، حيث يتقزز الناس من رائحة الجثث المتعفنة. في مصراتة لا زالوا يقفون في الطوابير لمعاينة جثة الديكتاتور، في الوقت الذي احتفلت فيه مدينة بنغازي التي اشتعلت فيها الثورة ب'تحرير كامل البلاد من حكم القذافي'، هذه بعض عناوين وردت في تغطية بعض الصحف البريطانية والامريكية لاحتفالات ليبيا بنهاية اربعين سنة من حكم الزعيم الليبي السابق، فيما نشرت 'ديلي تلغراف' وصية القذافي التي دعا فيها الليبيين لتذكر ارثه وما قدمه من خدمات لليبيا، وان يدفن في مسقط رأسه في سرت. والوصية هي تلك المزعومة التي نشرها موقع القذافي 'اخباراليوم السابع'، وفيها اخبر مؤيديه انه قرر الموت في ليبيا بدلا من الهروب، وانه اختار ان يكون في طليعة المواجهة، وطلب ان يتم التعامل مع جثته باحترام وان على الليبيين احترام الابطال من امتهم، مع ان الليبيين لهم رأي اخر، حيث وضعوه في ثلاجة حفظ لحوم وصنعوا من جثته عرضا كي يشاهدها الليبيون، حيث لم يتم الاتفاق بين قادة ليبيا الجديدة عما يجب فعله بالجثة، ففي موته لا زال القذافي يقسم امته، مع ان هناك ادلة انها ستسلم الى عائلته مع جثة ابنه المعتصم، الذي قتل معه في مدينة سرت يوم الخميس الماضي. وعلقت صحيفة 'الاندبندنت' على ما اسمته الخلافات التي اندلعت بين قيادات النظام مع اعلان يوم التحرير، حيث كتب مراسلها كين سينغوبتا ان ليبيا احتفلت بعد تسعة اشهر واسبوع واحد من الحرب الاهلية التي اندلعت في ليبيا والتي اعتبرت من اشرس الفصول في الربيع العربي، ب'يوم التحرير'. ووصف الاحتفال في بنغازي بانه كبير حيث اعلن فيه عن الخروج من ارث 42 عاما من حكم القذافي. وقال الكاتب ان قادة الامة يواجهون الكثير من المخاطر، مشيرا الى ان مدن الشرق التي كانت الاولى التي تثور على القذافي رفعت اعلام عدم التدخل الاجنبي، حيث قالت ان الليبيين هم وحدهم القادرون على التخلص من القذافي. ولكن النصر الذي حققه الليبيون لم يكن ليتم بدون التدخل الاجنبي الناتو، كما ان اعلان النصر تم في مدينة بنغازي وليس العاصمة، وهو قرار ادى الى اتهامات واتهامات مضادة في مدن الغرب، خاصة العاصمة طرابلس. ويقول الصحافي ان الخلاف حول المكان ليس تعبيرا عن تنافس اقليمي فقط بل هو صورة عن الصراع الحاد حول تقرير شكل ليبيا السياسي والديني. ففي الشرق يتحدى الاسلاميون من يرونهم علمانيين وماديين. وفي قلب الصراع مدينة مصراتة التي حاصرتها قوات القذافي لاشهر وتم فيها عرض جثة القذافي، حيث دعت روسيا والامم المتحدة الى اجراء تحقيق لما يبدو انه عملية سحل للقذافي وابنه وغياب الحقيقة في تبين ما حدث، مما يطرح اسئلة حول الشفافية. ويرى مسؤولون في مصراتة ان القذافي قتل في معركة ويستغربون من التركيز على قتله بدلا من التطلع للمستقبل والاهتمام بالمدينة التي اهملت على المستوى الوطني وضرورة ان يكون لها تمثيل على المستوى الوطني. كما ان التنافس بين القادة السياسيين يخفي وراءه ايضا مشكلة خطيرة تتعلق بوضع الميليشيات في الدولة الجديدة، حيث تشكلت هذه في اثناء الحرب الاهلية مما ادى الى انتشار السلاح في كل انحاء البلاد، فيما تم تهريب الاسلحة الى بعض الجماعات في الخارج. وفي الوقت الذي ركز فيه من اصطفوا في الطوابير التي شهدت اكبر احتشاد يوم الاحد على المستقبل ويقولون ان ارث القذافي دفن معه، الا ان الدول التي ساعدت الليبيين في دفن ارث القذافي تبدوغير مرتاحة من طريقة عرض الجثة، حيث صرح وزير شؤون الدفاع فيليب هاموند قائلا 'بالتأكيد ليست هذه هي الطريقة التي نفعل فيها الامور، وليست الطريقة التي كنا نريدها'، وقال ان حكومة المجلس الانتقالي عليها ان تعلم ان سمعتها في المجتمع الدولي قد 'تلوثت' نتيجة ما حدث. فيما انتقد وزير التطوير الدولي اندرو ميتشل قتل القذافي، مشيرا الى ان لحظة القبض عليه كانت فوضوية، وكان يفضل لو قدم للعدالة. لكن الليبيين كما تقول 'الغارديان' لا يتعاطفون كثيرا مع ما حدث وحتى مع تعفن الجثة نتيجة تركها بدون دفن لليوم الثالث، ونقلت عن احد الذين اصطفوا لمعاينة الجثة قوله انه يريد رؤية الجثة بأم عينه لان القذافي حول حياتهم الى 'جهنم'. ويعلق قائد من قادة الثوار على تصريحات المسؤولين في عدد من الدول قائلين 'هل اشتكى احد عندما قتلت امريكا اسامة بن لادن برصاصة في رأسه'. وعلى الرغم من الاجواء الاحتفالية الا ان هناك اعترافا بان ما تحقق لم يكن بدون ثمن اضافة الى قلق على ما سيجلبه المستقبل. في اتجاه اخر علقت صحيفة 'واشنطن بوست' على احتفالات بنغازي بانها لم تخل من نبرة اسلامية، مشيرة الى وعود رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل بان تكون الشريعة الاسلامية مصدر التشريع في ليبيا الجديدة. وتقول الصحيفة ان عبدالجليل وان لم يعد يتمتع بسلطة الا ان رمزيتها تكمن في ان الاسلام سيلعب دورا مهما في الحياة العامة في ليبيا. كما انها تشعل النقاش حول الدور الذي بات يلعبه الاسلاميون في الربيع العربي. وركزت الصحيفة على تحديات الحكومة الانتقالية التي ترى ان اخطرها هي حل مشكلة السلاح المنتشر في يد الميليشيات. ونقلت عن دبلوماسي غربي قوله ان 'الاطاحة بالقذافي كان قضية وحدت المقاتلين فهل يواصلون العمل معا. ومن اهم ما يواجه ليبيا هو الاتفاق على حكومة انتقالية خلال شهر، ويرى مراقبون ان الاتفاق عليها قد يأخذ وقتا، خاصة ان المناطق التي همشت في زمن النظام الماضي تدعو الى لعب دور مهم، كما ان التوتر يتصاعد بين الاسلاميين والعلمانيين. من ناحية اخرى قالت صحيفة 'ديلي تلغراف' ان وزير الخارجية والمخابرات السابق في نظام القذافي موسى كوسا يواجه اتهامات بالتورط في التعذيب والاغتيال، وكان كوسا من اوائل الشخصيات التي انشقت عن النظام السابق، واحضرته بريطانيا للندن من اجل اخذ معلومات منه قبل ان يرحل من لندن الى قطر، ونقلت الصحيفة عن سجناء سابقين قالوا ان كوسا حقق معهم عندما كان مديرا للمخابرات الليبية بعد ان تعرضوا للتعذيب بالصعق الكهربائي. وقال اخر ان كوسا كان موجودا اثناء مذبحة سجن ابو سليم التي قتل فيها 1200 سجين عام 1996. واشارت 'ديلي تلغراف' الى تصريحات سجين ل'بي بي سي' الذي قال ان كوسا كان من بين الذين يتحملون المسؤولية. وفي تقرير منفصل علقت صحيفة 'نيويورك تايمز' على اكتشاف 52 جثة لمؤيدي القذافي بعضهم قيادات بارزة في بستان في سرت، ونقلت عن بيتر بوكاريت من 'هيومن رايتس ووتش' الذي وثق القتل قوله ان عددا منهم كانت ايديهم مقيدة للخلف ويعتقد ان الضحايا قتلوا الاسبوع الماضي عندما كان واحد من فنادق المدينة مركزا للمقاتلين.