هاتان الفتاتان. لم تنكرا عندما سألتهما عما دار بينهما حيث أكدت إحداهما أنها تسرق من المحال التجارية خاصة محلات عرض الأزياء والإكسسوارات. وأنّها تعرف أخريات يدرسن في الجامعات يسرقن من الأسواق، بينما كنت أجلس على المقعد الأخير في حافلة مُتّجهة من الخرطوم إلى مدينة بحري فإذا بفتاة تسأل صديقتها التي تجلس بجواري «من وين القلم الماركة ده.. سرقتيه من وين؟» وهي تقصد بذلك قلماً يستخدم في الزينة.. فقد تبادر إلى ذهني أن الفتاتين تمزحان عندما قالت لها «سرقتيه من وين؟».. لكن تأكّد لي فيما بعد أنّها «تعني ما تقول» عندما ردت عليها صديقتها «فلان صاحب المحل بدأ يشك عشان كده ما ح نمشي ليه ونشوف واحد تاني» فهذه العبارة تعتبر دليلاً على ما ذهب إليه معتمد محلية الخرطوم د. عبد الملك البرير بأن هناك فتيات جميلات أنيقات احترفن السرقة.. تقول «ت.ح» إنها بدأت أخذ الأشياء من «الطبالي» التي تبيع «أدوات المكياج» وأضافت أن تغيير وضعها الاجتماعي والأسري هو السبب الأساسي في ممارستها السرقة حيث إن والدها سجين «لحين السداد» بعد أن أفلس وخسرت تجارته ومما زاد مشاعر الانحراف لديها طلب والدتها الطلاق من والدها في هذه الظروف الصعبة وعدم قدرتها على مواجهة أصدقائها ومن حولها بوضعها المادي الجديد وأضافت بسخرية شديدة قد يتساءل كثيرون لماذا لم أبحث عن عمل؟ وهل هناك شخص يجد عملاً هذه الأيام وصبت موجة من الغضب بدت في ملامحها قائلة: «هما طريقان الانحراف والمخدرات أو السرقة». تخصص رجال أما «ن.ه» -طالبة جامعية- فقد أكدت أنّها متخصصة في كبار السن من الرجال الذين يعانون أزمة منتصف العمر وقالت إنها بدأت تمارس السرقة عندما جاءت للدراسة من تلك القرى خلف الزمن ولا أحد يعلم عن أوضاعها المعيشية المتردية شيئاً وكيف يقاسي أهلها الذين لم يبق لهم سوى أكل الحجارة وسف التراب وكيف أن والدها اضطر لبيع «الأغنام الثلاث الحيلة» حتى تحضر للخرطوم وكيف عانت من عدم قبول كل الأقارب هنا بإقامتها معهم للأحوال المادية الصعبة وأول الضحايا هو ذلك الرجل عديم الرحمة الذي التقته بعد أن خرجت في تلك الليلة والجوع قد نال منها في الداخلية وطلبت منه المساعدة إلا أنه طلب المقابل فكان المقابل «سرقته واستغفاله»، وقالت أنا أيضاً أمارس سرقة المحلات ولا أذكر آخر مرة دفعت ثمن شيء أعجبني. وتقول «م.م» التي أجابت في سخرية ما الجديد الذي ستُقدّمينه؟! الجميع يعلم أن الفتيات في الداخليات من بينهن من يسرقن وحتى الحكومة تعلم والكل يسرق وأضافت هناك سرقات مغلفة وجميلة والوضع الاقتصادي المعاش هو السبب الذي يجعلنا نقع في الحرام على أشكال مختلفة فكيف نتعايش مع الواقع المُر وشظف العيش وتساءلت هل أخذ «قلم، بودرة، بلوزة» سيُدمر الاقتصاد السوداني أم سيدمر ذلك التاجر الجشع وأضافت «نحن نوزن المعادلة فقط». وتقول «م.ح» والتي تحدثت بدموع محبوسة وصوت خافض يدل على الندم أنا من أسرة كريمة ولكن لا أعلم لماذا أفعل ذلك وكثيراً ما أشعر بالندم وأحاول إعادة ما أخذته إلا أن الخوف كان أكبر من الندم. رأي التجار واستطلعت «آخر لحظة» أصحاب المحلات التجارية الذين أكدوا من خلال مواقف حدثت معهم ما ذكرته الفتيات. يقول محمد المصطفى وهو تاجر بسوق بحري: للأسف اليوم أصبحت ظاهرة السرقة متفشية لدى الفتيات بصورة أكبر من الشباب وأنا شخصياً لا أثق في أي «واحدة» حتى لو كانت «مُنقّبة» وما حدث لي هو سرقة إحدى الجامعيات «بلوزة» أثناء انشغالي مع «زبائن» آخرين واكتشفتها إحدى السيدات وأمسكت بها وبعد تهديدها أقرت وأبدت استعدادها لدفع قيمة «البلوزة» وأضاف متسائلاً ما دامت تملك الثمن لماذا سرقتها أصلاً؟! واتجهنا إلى حامد النور وهو صاحب طبلية بسوق بحري وهو يقول إن أغرب الحوادث أنه تعرض لسرقة من إحدى الفتيات الأنيقات حيث أخذت منه أشياء في حدود 50 جنيهاً بعد إيهامه بأنها تركت حقيبتها معه وذهت«لتحول رصيد» وبعد أن استحال رجوعها وجدنا الحقيبة خالية تماماً وفوضنا الأمر لله وأضاف غاضباً منذ ذلك اليوم وأنا استعين بإخواني في العمل والمراقبة فمثل هذه الفتاة «شيطان» وليست «إنسان». ويقول العم آدم إسحق إن الأوضاع المعيشية أصبحت صعبة إضافة إلى التطلع وجنون الانبهار الذي أصاب مجتمعنا وخاصة الفتيات اللاتي يحضرن للدراسة من الأقاليم الفقيرة ويصدمن بالواقع هنا في العاصمة وهو ما حدث من الفتاة التي حاولت سرقتي ولكن بحكم الخبرة في السوق لم تستطع وعلمت منها أنها تعاني الفقر وقلة الحيلة ووالدها يرسل لها مبلغاً ضعيفاً «مئة جنيه» وهو ما يضطرها للسرقة وأضاف على رأي أهلنا «القلم ما بزيل بلم». رأي العلم دلفت «آخر لحظة» إلى خبراء الاقتصاد وعلم النفس لتفسير هذه الظاهرة الخطيرة.. يقول محمد أحمد-خبير اقتصادي: لا أوافق على ما قدمت البنات اللائي يسرقن من أعذار وأن سياسة التحرير إحدى أسباب ممارستهن السرقة لأن المجتمع السوداني في معظمه مازال يعيش قيم التكافل وخاصة في القرى ولهذا لا نجد هذه الظاهرة في القرى مهما كان فقر البعض.. وهم هناك يميلون الى اكتساب الرزق بالعمل في الأسواق أو أعمال الزراعة أو تربية دواجن وأغنام. ولكن في المدينة حيث لا تتوفر فرص كثيرة في السوق وحيث لا رحمة تجد الطالبة القادمة من الريف نفسها في مجتمع لا يرحم مما يشجعها على الانحراف كما ذكرت الأستاذة فاطمة التوم الاستشاري النفسي بمستشفى الخرطوم حيث قالت: إن السرقة في حد ذاتها لها عدة مفاهيم وأنواع: أخذ أشياء لا يملكها الفرد دون إذن أحد والاستيلاء على شيء معنوي وليس مادي كسرقة أعمال الغير، السرقة من خلال شبكة المعلومات، السرقة عبر جهاز الهاتف كإرسال رسالة لشخص بأنه فاز في مسابقة وتم اكتشاف أنها حيلة لسحب الرصيد، التصرف في أموال الدولة دون وجه حق، سرقة العواطف «حرامي القلوب تلّب». بالنسبة للسرقة عند الفتيات خاصة في المجتمعات السكنية فتتمثل في أن الفتيات يأتين من بيئات مختلفة ومتباينة تختلف فيها الظروف المادية التي قد تدفع الفتاة لأن تأخذ ما لا تملك بدون إذن. إن الحرمان يمثل الدافع الأكبر للسرقة لكن للتربية أثر كبير في غرس الفضائل من الأخلاق لدى الفتاة للتفرقة بين الخطأ والصواب. وتتفنن الفتيات في السرقة كسرقة المحال التجارية والسرقة من الغير والسرقة عن طريق الاحتيال والنصب خاصة على الرجال الكبار. والتعامل مع معالجة السرقة يجب أن يكون بحذر مبالغ وتحري الدقة في حدوث واقعة السرقة ومراجعة الأدلة لأن الاتهام بالسرقة يؤثر نفسياً على المتهمة ويكون أثره أكبر إن كانت بريئة ومن المعالجات دمج السارقة في المجتمع وتقديم المساعدات والنصح لها. وإخضاعها لتلقي المحاضرات والجلسات الدينية وإحياء الوازع الديني لديها مع التشدد في العقوبات في حالات النصب والاحتيال لدى المحترفات منهن وتوعية الأمهات لدورهن الكبير في التأثير على شخصية الطفلة منذ صغرها ومتابعتها متابعة دقيقة من خلال مراحلها الدراسية المختلفة مع تجنب صديقات السوء. وأهم شيء التربية على القناعة فما يملكه غيرك لا تملكه أنت كما اقترح تعليم الفتيات مهن يستطعن زيادة دخولهن منها لكي تستطيع الفتاة شراء ما تحب وما تريد دون اللجوء لوسائل غير شرعية.. الاقتراح متضمن أيضاً رعاية الفتيات من قبل الأحياء وإقامة الكورسات التدريبية في الأحياء «الحياكة، التدبير المنزلي وصناعة المأكولات والخبائز والمعجنات، الطباعة.. إلخ» مصحوبة بمحاضرات دينية وتثقيفية وتربوية وتكون مدعومة من قبل الدولة للمساعدة في إخراج نساء صالحات هنّ نواة لأسر تخرج لنا أفراداً صالحين مفيدين للمجتمع. آخر لحظة