الزراعة في الولاية الشمالية بصورة عامة، وتوطين القمح على وجه خاص على أرضها الخصبة ومناخها البارد، يواجهان تحدياً كبيراً، وربما يشكل مستقبلهما القريب والبعيد، بل والملامح الاقتصادية والاجتماعية لأغلب سكان الولاية الذين ارتبطوا تاريخياً بالأرض وزراعتها. ولم يفلح الكثير من المزارعين التقليدين أصحاب المشاريع الصغيرة في توفير الأموال اللازمة لعمليات زراعة القمح هذا الشتاء، والتي كان ينبغي أن تبدأ منذ أكتوبر المنصرم مما يمثل مؤشراً قوياً مع العديد من الظروف الأخرى، باحتمال اندثار الزراعة التقليدية لصالح الاستثمارات الزراعية الواسعة والكبيرة، ما لم تدعم الدولة المزارعين. ويقول المزارعون إنهم ظلوا ولأعوام عديدة يكابدون الظروف للاستمرار في الزراعة، وتحديداً القمح ولكن تحدي ارتفاع أسعار مقومات الإنتاج صار أكبر من تشبثهم بالزراعة وإصرارهم عليها أحبط هممهم، وإن على الحكومة أن تخطط وتدرس جيداً دعم الزراعة هناك بمستوى مقدر نتيجة لارتفاع تكاليفها قياساً على باقي أنحاء ولايات البلاد الأخرى. المزارع عبدالله محمد بيرم، الذي يصف نفسه وهو يقف وسط أرضه بقرية مراقة كابتود بمحلية دنقلا «بأنه أكبر مزارع ما زال يمارس الزراعة في المنطقة كلها»، يوضح الفدان كان ينتج له 35 جوالاً من القمح بالوسائل التقليدية؛ إلا أن هذه الكميات تناقصت حتى وصلت إلى خمسة جوالات فقط. ويبين بيرم أن الزراعة استعصت عليه بعد أن ارتفعت أسعار كل مدخلاتها ولم يعد هناك التزام بتوفيرها في وقتها المناسب، واصفاً إياها بأنها صارت «فوضى» دون أسس سليمة.