تواجه الزراعة التقليدية في الولاية الشمالية، خاصة مشروع توطين القمح، تحدياتٍ كبيرةً تنذر بفناء هذا النوع من الزراعة في ظل تنامي الاستثمارات الزراعية الكبيرة وشكاوى المزارعين الصغار من إهمال الدولة والفساد الإداري وغياب المحاسبة والعدالة. وربما تشكل التحديات مستقبل الولاية والملامح الاقتصادية والاجتماعية لأغلب السكان الذين ارتبطوا تاريخياً بالأرض وزراعتها. ولم يفلح الكثير من المزارعين التقليديين أصحاب المشاريع الصغيرة "أقل من 20 فداناً" في توفير الأموال اللازمة للتحضير للعمليات الفلاحية لزراعة القمح هذا الشتاء، والتي كان ينبغي أن تبدأ منذ أكتوبر المنصرم، ما يمثل مؤشراً قوياً مع العديد من الظروف الأخرى، باحتمال اندثار الزراعة التقليدية لصالح الاستثمارات الزراعية الواسعة والكبيرة ما لم تدعم الدولة المزارعين. ويقول المزارعون، إنهم ظلوا ولسنوات طويلة يكابدون الظروف للاستمرار في زراعة القمح لكن تحدي ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج صار أكبر من تشبثهم بالزراعة وإصرارهم عليها، ما أحبط هممهم، مطالبين الحكومة بأن تخطط وتدرس جيداً دعم الزراعة هناك بمستوى مقدر نتيجة لارتفاع تكاليفها قياساً على باقي ولايات البلاد. المزارع في الولاية الشمالية يعد من أمهر المزارعين في السودان أكبر مزارع ويصف المزارع عبدالله محمد بيرم، 92 عاماً، نفسه وهو يقف وسط أرضه بقرية مراقة كابتود بمحلية دنقلا بأنه "أكبر مزارع ما زال يمارس الزراعة في المنطقة كلها"، حيث ظل يعمل في الزراعة التي ورثها عن أسلافه منذ أن كان يافعاً ولا يزال يكابدها حتى الآن بعد أن بلغ من الكبر عتياً. ويقول إن الفدان كان ينتج له 35 جوالاً من القمح بالوسائل التقليدية، ولكن هذه الكميات تناقصت حتى وصلت إلى خمسة جوالات فقط. ويبين أن الزراعة استعصت عليه بعد أن ارتفعت أسعار كل مدخلاتها ولم يعد هناك التزام بتوفيرها في وقتها المناسب، قائلاً إنها صارت "مجوبكة"، أي تتم بفوضى ودون أسس سليمة. ويضيف أنه لم يعد يعاني من تكلفة الجازولين إذ صار يستخدم الكهرباء بدلاً عنه، بعد توفرها في المحلية ما قلل من تكاليف الري بنسبة 60%، لكنه لا يزال يعاني من ارتفاع تكلفة تحضير الأرض وأجرة الآليات والتسميد والبذور. ووفقاً لبيرم، فإن الجمعيات الزراعية لم تعد تعمل بكفاءة وتتسم إدارتها للعمليات الزراعية بالسوء والإهمال وعدم الالتزام بمواقيت العمليات الفلاحية، ما جعل تعرض المزارع للخسارة أمراً حتمياً. ويصف المزارع عبدالله محمد بيرم، 92 عاماً، نفسه وهو يقف وسط أرضه بقرية مراقة كابتود بمحلية دنقلا بأنه "أكبر مزارع ما زال يمارس الزراعة في المنطقة كلها"، حيث ظل يعمل في الزراعة التي ورثها عن أسلافه منذ أن كان يافعاً ولا يزال يكابدها حتى الآن بعد أن بلغ من الكبر عتياً. ويقول إن الفدان كان ينتج له 35 جوالاً من القمح بالوسائل التقليدية، ولكن هذه الكميات تناقصت حتى وصلت إلى خمسة جوالات فقط. ويبين أن الزراعة استعصت عليه بعد أن ارتفعت أسعار كل مدخلاتها ولم يعد هناك التزام بتوفيرها في وقتها المناسب، قائلاً إنها صارت "مجوبكة"، أي تتم بفوضى ودون أسس سليمة ويضيف أنه لم يعد يعاني من تكلفة الجازولين إذ صار يستخدم الكهرباء بدلاً عنه، بعد توفرها في المحلية ما قلل من تكاليف الري بنسبة 60%، لكنه لا يزال يعاني من ارتفاع تكلفة تحضير الأرض وأجرة الآليات والتسميد والبذور. ووفقاً لبيرم، فإن الجمعيات الزراعية لم تعد تعمل بكفاءة وتتسم إدارتها للعمليات الزراعية بالسوء والإهمال وعدم الالتزام بمواقيت العمليات الفلاحية، ما جعل تعرض المزارع للخسارة أمراً حتمياً.ويشتكي بيرم من إهمال أصحاب الحيازات الزراعية وهجرهم للزراعة ومن سوء الإدارة وغياب الدولة. هجر الزراعة ونبه إلى أن هناك حركة بيع واسعة للأراضي بين المزارعين بسبب نقص الخبرة ومقابلة سداد الديون المتراكمة من البنك الزراعي، وطالب الدولة بالتدخل لحماية الأراضي الزراعية. من جانبه، احتج المزارع عبدالكريم محمد صالح بقرية سعديك بمحلية دلقو بأن الكهرباء لم تصله بعد، وأنه ما زال يشتري برميل الجازولين بسعر 335 جنيهاً ويضيف إليه زيتاً بقيمة 46 جنيهاً. ويزرع عبدالكريم حوالى 100 فدان وينتج الفدان الواحد 30 جوال قمح، إذا ما التزم بتوفير مقومات الإنتاج وما يتراوح بين 15- 16 جولاً إذا لم يتم ذلك، وقد يتدنى الإنتاج إلى تسع جوالات فقط حال استخدامه بذوراً غير جيدة أو آلة غير مناسبة لتسوية وتحضير الأرض. الري بالطلمبات يشكل عبءً على المزارعين ويقول إنه وفقاً لتجربتهم العريقة مع القمح، فإن إنتاج هذه الغلة في مناطق دنقلا والمحس وحلفا يمكن أن تكفي حاجة السودانيين من القمح بل ويمكنهم أن يصدروه أيضاً. نبات درويش ويصف عبدالكريم القمح كما كان يفعل أسلافه، بأنه نبات (درويش) أي لا يصاب بسهولة بالأمراض حتى لو تعرض لظروف قاسية مثل الإنسان الدرويش تماماً، كما يعطي إنتاجاً وفيراً إذا ما أحسنت معاملته، ولكن على الدولة أن تدعم زراعته في المقام الأول حتى يتحقق ذلك. ويضيف أن إنشاء بنيات للزراعة وتحضير الأرض وتسميدها وتوفير البذور ومحاربة الآفات وتوفير الآليات، وكل ذلك في الوقت المحدد تماماً أمر يفوق طاقة المزارع البسيط. لكن أمين الشؤون المالية بالمكتب التنفيذي لاتحاد مزارعي الشمالية، عبدالشافع خبير، يقول إن ما يشيعه الكثيرون بأن المزارع ترك أرضه بحثاً عن الذهب غير صحيح وإنما بسبب سياسات الدولة وغياب قانون المحاسبة والعدالة والفساد الإداري. وقال إن مبدأ العقاب والمحاسبة يطبق على المزارع فقط في حالة عدم سداد ديونه، بينما يغض الطرف عن عدم الكفاءة في إدارة أموال النهضة الزراعية والتي إذا ما وظفت وأحسنت متابعتها حققت للولاية نهضة زراعية عظيمة. نهضة عاجزة وبحسب أمين الشؤون المالية بالمكتب التنفيذي لاتحاد مزارعي الشمالية، فإن النهضة لم تحقق نتائجها المرجوة لسوء الإدارة وضعف خبرة مستوردي الآليات الزراعية. ويشير إلى كميات من تقاوى البرسيم الفاسد دخلت الولاية على دفعتين وتضرر منها المزارع كثيراً، ولتحفيزه على الزراعة مرة أخرى أعفي من سداد الديون لمدة عامين. ويقول إن أغلب المشاريع الزراعية من دلقو وحتى حلفا لا تشتغل بالزراعة بسبب ارتفاع تكلفتها وعدم توفر الكهرباء. ويوضح أن 20% من أراضي جنوبحلفا تشكل مناطق أحواض فيضية خصبة تنتج حوالى 45 جوال قمح للفدان الواحد، إلا أنها مناطق بعيدة ووعرة ويعمل فيها المزارعون بمشقة. ويضيف أمين الشؤون المالية: "إذا أردنا تصحيح هذا الوضع وإعادة مجد الزراعة لا بد أن تتحمل الدولة جزءاً من التكلفة وتدعم الجازولين وتسرع بكهربة المشاريع، إضافة إلى دراسة أسباب ترك المزارع لأرضه. ويتابع: "على سبيل المثال، فإن المزارع يتحمل التحضير بتراكترات تحسب فيها الساعة ب 40 جنيهاً، وتكلفة الجازولين 360 جنيهاً، والمبيدات 150 جنيهاً، بجانب التقاوى ومدخلات الإنتاج التي يقترضها من البنك الزراعي بعد فوات أوانها ويعجز عن سدادها لاحقاً. وأوضح أن الحكومة عندما توفرت لها أموال البترول لم تضع الزراعة ضمن أولوياتها ونتيجة لتراكمات سياسات سابقة هجر مزارعو الولاية الزراعة. الأراضي الخصبة والمناخ الملائم يجعل من القمح محصولاً استراتيجياً بالشمالية