عندما أسس الراقص التركي المعروف أوزين الأستوديو الخاص به في منطقه بيلسايز بارك، شمال غربي العاصمة البريطانية لندن لتعليم الرقص الشرقي، وجد تحفظا من الذكور تجاه ما يقوم به. ولذا استعاض عن مسمى «الرقص الشرقي» بكلمة «أيروبيكس البطن» لتحفيزهم على خوض التجربة في حال كانوا راغبين في التخلص من دهون البطن. ويعترف: «هناك نظرة نمطية تربط رقص الذكور الشرقي بالمثليين ليس فقط في البلدان الشرقية وإنما الغربية». ولا يجد أوزين حرجا في هز وركيه وعنقه بمجرد سماع رنين موسيقى «الأرابيسك» (المستوحاة من التراث العربي في تركيا نفسها)، ويقول: تماما كرقصة «السالسا» أو «السامبا» الشائعتين في الدول اللاتينية، فإن الرقص الشرقي فولكلور تقليدي يؤديه كل من الرجال والنساء في الأعراس والاحتفالات عندنا وليس حكرا على النساء. وتتضح نظرة الرجال المتحفظة من خلال لمحة سريعة لصف التدريب الخاص به، إذ يقابل عشرات الطلبة الإناث ذكر أو اثنان. ويوضح أوزين الوضع ل«الشرق الأوسط»، قائلا: البريطانيون يحبون تجربة كل شىء ولكنهم خجولون، مما يصرفهم عن ذلك. ربما هذا ما يفسر أن معظم طلابه الذكور جاءوا من أميركا اللاتينية أو آسيا الوسطى وهي دول ينخرط فيها الرجال في الرقص، موضحا: «بشكل عام يفضل الرجال الراقصات الشرقيات لرشاقة أجسادهن. ولكنهم قد يقولون: أوه، لماذا عليّ أن أذهب لرؤية رجل يرقص بهذا الشكل» وحقا يظل الواقع أنه من غير المعتاد رؤية «رجل» يؤدي رقصا شرقيا، لا سيما أن هذا النوع مرتبط في أذهان كثيرين في دول شرق المتوسط برقص الجواري والسرائر والمحظيات من النساء كسائر الدول الشرق أوسطية. غير أن سمعة أوزين (28 سنة) كأحد أشهر مؤدي هذا اللون في العاصمة التركية أنقره، أبرزت شهرته كأحد أبرز مصممي الرقص التركي والغجري بشكل عام والتي تولدت عن مساره المهني في الرقص والذي يعتمد على مرونة الجسد وليس «تثنياته الأنثوية الناعمة» كما هو الحال في رقص النساء. كانت رحلة أوزين مع الرقص الشرقي قد بدأت في سن السادسة بعد التحاقه بفرقة شعبية تؤدي الفولكلور التركي، وليس حصرا الرقص الشرقي، حيث تلقى الدعم في البداية من أعمامه الذين يعمل معظمهم في مجالات الفن وبالذات الرسم.. ولكن بعد ظهوره عبر أحد برامج الهواة، حيث جرى التعريف عنه ك«راقص شرقي» غضبوا. مع هذا جذب أداء أوزين يومها أنظار فرقة «أنقرة» الشهيرة في تقديم اللون الشرقي التي بادرت لدعوته للعب دور بارز في الفرقة على الرغم من صغر سنه في ذلك الوقت (16 سنة). كانت هذه البداية التي عززت اهتمامه وفتحت له أبواب تصميم وأداء الرقص الشرقي في مهرجانات بجميع أنحاء بلدان البحر الأبيض المتوسط. وعن انتقاله لبريطانيا للاستقرار فيها قال أوزين إنه أراد ترويج نموذج الرقص التركي في مختلف أنحاء أوروبا، بجانب تصحيح النظرة النمطية التي تزعم بأن الرقص الشرقي رقص أنثوي بحت. من جانب آخر وعلى دقات الأنغام الشرقية فإن فصل «أيروبيكس البطن» مصمم بشكل يجمع بالفعل ما بين حركات الرقص الشرقي و«الأيروبيكس» (وهي التمارين الرياضية التي تلين العضلات وتحسن القدرة على التنفس. وهذا المزج مبني على «التقنيات» الأساسية للرقص الشرقي مع التركيز على اللياقة البدنية حتى تتمرن أجزاء الجسم كافة فتتقلص الشحوم. أما بالنسبة للزي فهذا متروك ل«مزاج» الطلبة، إذ تفضل الفتيات ارتداء أوشحة خصر بمعادن ذهبية بينما كان بعض الرجال يرتدون «الجينز». يمكن القول إن الفضول كان الدافع للبعض بأخذ أصدقائهم في رحلة لتجربة الرقص الشرقي في استوديو أوزين. كما يوجد بعض الممارسين لأنواع أخرى من الرقص ممن يرغبون في التعرف على نوع آخر، ك«أدريانو» مثلا، وهو يمارس رقص «التانغو» ولكنه يتلقى دروسا في مبادئ الرقص الشرقي، ويقول ل«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «من المثير تجربة شيء جديد..إنه فن جميل وملهم كما أنه مختلف تماما عن «التانغو» الذي يعتمد على الوقفات، والتمديد، ثم السرعة والإبطاء.. الرقص الشرقي تلقائي». وبجانب ذلك تلعب الفوائد الصحية المتعارف عليها في هذا الرقص دورا في جذب الانتباه إليه. وعلى الرغم من عدم وجود دراسات سريرية تناقش الفوائد الصحية للرقص الشرقي، فإن أخصائية العلاج الطبيعي إليزابيث شارب، التي تعمل في عيادة «هارلي ستريت» في لندن وضعت ملاحظاتها حول ذلك بعد ورشة عمل من الرقص الشرقي قامت بها مع أوزين. ولاحظت شارب بأن الحركات المعتمدة في الرقص الشرقي «لها فوائد علاجية كبيرة تساعد في تمديد عضلات الجسم والمعدة وتقوية العمود الفقري، بجانب دورها النفسي في الحد من التوتر وزيادة الثقة بالنفس. بالإضافة إلى ذلك، تكمن فائدتها في حرق السعرات الحرارية، إذ إن وصلة رقص لمده 20 دقيقة كفيلة بحرق 200 سعر حراري. من جانبه قال أوزين إن الإبهار في أداء الرقص الشرقي يتطلب مستوى عاليا من اللياقة البدنية، لافتا إلى أنه يمارس ال«بيلاتيس» و«اليوغا» كما يتناول الطعام الصحي الغني بالخضراوات والفواكه الطبيعية بجانب ابتعاده عن الكحول والتدخين. كما أوضح أن الرقص الشرقي لديه شعبية متنامية في الدول الغربية بفضل تكنولوجيا الإنترنت التي فتحت جميع الثقافات. الجدير بالذكر أن رقص الذكور وعلى الرغم من الجدلية التي تحيط به موجود منذ قيام الدولة العثمانية. تكشف ذلك اللوحات المأخوذة عن الإمبراطورية العثمانية والتي تؤكد وجوده. وبحسب كتاب «أخلاق وعادات المصريين المحدثين» للمؤلف المستشرق إدوارد لين، فإن رقص الرجال حظي بالتسامح في تلك الفترة بسبب الحاجة إلى الترفيه عن رعايا السلاطين في البلاط الملكي بعد انحسار دور النساء في ذلك إبان القرن التاسع عشر. هذا في تركيا، ولكن بالنسبة للدول الشرق الأوسط العربية، فلا توجد دلائل تثبت ذلك سوى صورة عرضت في الجناح المصري والسوري في معرض شيكاغو العالمي في الولاياتالمتحدة الأميركية، وهذه الصورة التي يرجع تاريخها لعام 1893 أظهرت عددا من الراقصين الرجال. ولكن في الوقت الراهن يشهد الرقص الشرقي «الرجالي» عودة في بعض البلدان العربية مثل لبنان ومصر، حيث برز راقص الجلابية «توتو» ومحمود شاكيرا وفريد مصباح وهؤلاء راقصون يحظون بشعبية وقبول من المجتمع.