بسم الله الرحمن الرحيم الممعوطة ما بتطير نهنيء المحروسة بشروع أهلها منذ الاثنين والثلاثاء الماضيين في انتخابات تخرجهم حتما و بإذن الله، من الظلمات إلى النور. ونمني أنفسنا بحال المصريين قريبا بإذن واحدٍ أحد. ونحن لا نحسد أشقاءنا في مصر بل نغبطهم، ففرحتنا بانتخابات مصر وعرسها الديمقراطي ، فرحتان: فرحة بخلاص المحروسة لذاتها - فالمصريون أهلنا و جيراننا الأقربون وهم شركاؤنا في التاريخ وفي الجغرافية والنيل والغد الأفضل وكل خير يصيبهم يسعدنا دون شك. والفرحة الثانية تفاؤلا واستبشارا بنجاة ديمقراطيتنا القادمة من اعتداء فراعنة مصر وقد تحدثنا عن كيف كان حكام مصر يقطعون الطريق على أنظمتنا الديمقراطية: ففجرهم الديمقراطي يعني غياب عامل مهم من عوامل وأد الديمقراطية في السودان ولله الحمد والمنة. ثم نعرج على البقعة المباركة لنثمن غاليا المؤتمر الاقتصادي القومي الذي يرعاه وينظمه حزب الأمة القومي ويعقده في داره بامدرمان من 27 نوفمبر حتى 29 من نفس الشهر بحثا عن مخارج منجيات لأزمات الوطن المستفحلات ونقرظ ما قدم من أوراق ثرة، جيدة التحضير، كثيرة الثمر، أعدها خبراء في مجالاتهم لا يشق لهم غبار ولا ينبغي أن ترفض لهم نصيحة، وقامت على إدارته لجنة استحقت الشكر والثناء. من يحظى بمتابعة أوراق ذلك المؤتمر ومداخلات حضوره تنقبض نفسه من الصورة الحقيقية للاقتصاد التي تحيط بالواقع السوداني وتكتم على أنفاسه بل تكاد أن تزهق روحه. ويتهول المرء متساءلا :لم سمحنا بهذا الكم من اللامبالاة؟ حتى تركنا السودان فريسة يعبث بها العابثون فكان أن حصلنا في نهاية يومنا على وضع اقتصادي يُجمِل وصفه حتى العاطلون عن التخصص عند مواجهة تحديات المنصرفات المتجاوزة للدخول بمراحل فلكية فيقولون حيارى :إنه وضع كارثي هو أخو الكفر والعياذ بالله. فكيف إذن غفلنا عن كل هذا الكم من التخريب -الذي أرانا إياه مقدمو الأوراق والمتداخلون ،حتى طال لحمنا الحي ونخر عظمنا : عّمق مشكلة دارفور ،خرّب مشروع الجزيرة ،خرّب السكة حديد، عبث بالتعليم وبالصحة وبالخدمة المدنية وبالمؤسسة العسكرية ، فصل الجنوب ،مرغ السيادة السودانية في الوحل وفرط في أرضه وموارده،أفسد الأخلاق وأساء الى الاسلام...الخ القائمة وكيف أننا -وربما حتى الآن لم نزل نعالج مرض السرطان المستشري بحبة اسبرين! ومن مظاهر ذلك العلاج لأمراض مستعصية بمسكنات الألم التي لا تفعل شيئا: تبني بعض المعارضين للحلول اليائسة وظنونهم الخائبة: ربما استطاعوا الاصلاح من الداخل، فترشح أنباء عن مشاركة الاتحادي الديمقراطي الأصل في حكومة المؤتمر الوطني (العريضة) . صحيح لم يتم تشكيل الحكومة بعد وقد استمعنا الى قادة اتحاديين يربطون تلك المشاركة بشروط إضافية ربما إن لم يستجب لها الانقاذيون لكفوا المؤمنين شر القتال. نحن لا نحجر على حزب أو على فرد من اتخاذ ما يراه مناسبا من خيارات يحسبها طريقا للخلاص الوطني .ولا ندعي فهما يحاول التذاكي على الآخرين ولكننا ننطلق من عتبة كلنا فيها سواء :فطرة الإنسان وإحساسه الطبيعي الذي جبل عليه بما هو خطأ وما هو صواب، وهو أمر نجد له مرجعية في قول الرسول الكريم(استفتوا قلوبكم) .فيفتينا القلب :بأن لا فائدة ترجى من طرق سكة سبق أن جرب طرقها أقوام من فصائل شتى مع حكومة المؤتمروطنجية :منهم اتحاديون ومنهم أميون ومنهم حركيون ...الخ القائمة كلهم ذهبوا الى المؤتمر الوطني فرادى وجماعات وبأهداف عديدة فمنهم من ضاق بتطاول زمن حكم المؤتمر الوطني حتى استيئس من نصر الله ومنهم من أراد تغيير الإنقاذ من داخلها، منهم من أراد الاستنصار بها ضد أعداء له، ومنهم من فُرض عليه الذهاب بمطالبات البقال والعيال كما فسر أحد المنشقين من أحزابهم ومنهم من أراد السلطة: فكان المجربون يمضون في طريقهم لا يستمعون لنصح الناصحين حتى يخبطوا رؤوسهم (بالحيط) ثم يثوبوا لرشدهم ويعود وعيهم ليصرح بعضهم بأنه كان أقل سلطة من (مساعد الحلة) فيرجع من كان يبتغي من ذهابه الله ورسوله مدركا أن سكة المؤتمر الوطني لا تسمح بغير ما يراه المؤتمر الوطني أما من كان هدفه دنيا يصيبها فأولئك هم المستمرون! تلك النصيحة التي نقدمها للحزب العريق يجرؤنا عليها تراثنا الاسلامي الذي سمح لامرأة من غمار الناس أن تنصح عمر الفاروق خليفة المؤمنين على رؤوس الأشهاد فتراجعه في رأي ارتآه ويجيبها عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. نترك أمانة نصحنا عند أهلنا الاتحاديين متمنين أن يجدوا فيه نفعا ونرقب ما ستنجلي عنه الأمور بعين متبصرة ، مع إضافة نذكر بها أنفسنا قبل الآخرين إن التغيير المطلوب طريقه الإجماع الوطني صفا واحدا صمد ا يعزل من أبى لينقذ الوطن وينتشله من وهدته. وفي هذا المقام ، لا بد لنا من إبداء الدهشة ، والارتياب في موقف الوطني اللاهث خلف أحزاب كان هَم بيانه الأول شتمها وسبها والتقليل من شأنها وانقاذ الوطن من فسادها وسوء إدارتها و..و(راجع البيان الأول من فضلك). فكيف نفهم أن الإنقاذ تريد الإستعانة بذات تلك الأحزاب دون أن تفسر أو تعتذر أو ترجع عن تضييعها السودان بحلم خائب وغبي أراد إعادة صياغة إنسان السودان برؤية أحادية ما أنزل الله بها من سلطان، ومشروع أناني كانت خلاصته إنقاذ أتباعه من الفقر وتمكينهم من مفاصل الدولة والمال وفي المقابل ما نراه من مشهد يعز على الوصف بل لن يستطع وطني وصف واقع السودان الماثل دون أن يصدم أو كما قال الامام الصادق في كلمة المؤتمر الاقتصادي الإفتتاحية (واقع لو رأيناه حلما لاستيقظنا فزعين من هوله). لا شك أنها الخطة(ب) كما أخبرني أحد الصحافيين: عندما فشل المؤتمر الوطني في تسيير ما بين يديه من أهوال انفرادا لأن الناس فطنوا لأمره والعوامل تكالبت ضد مشروعه وكونه ميت يتكيء على عصاة ينخرها السوس، أراد الاستعانة بالآخرين ليسندوه فيتمدد في العمر أو بأضعف الأيمان يتحملون معه أوزاره. تفيدنا في هذا المنعطف مداخلة قدمها في المؤتمر الاقتصادي ،أحد الأحباب(الحبيب علي بشير) وهو من قبائل التماس ، أفضل من يتحدثون عن تواصل الحضارات وقبول الآخر وبعد أن قدم نصيحته لكل من يهمهم الأمر من القبائل الحدودية- بوجوب كسر الحاجز الذي تضعه الحكومات على تعاملات الشعوب قال :(ما ممكن يقطعوا الكرشة من المصران) في اشارة لفصل الجنوب من الشمال، وأنهى مداخلته بقول حكيم:حكومة المؤتمر الوطني ممعوطة والممعوطة ما بتطير. وتلك العبارة الموجزة الحكيمة هي التي تسعفني هنا في نصيحتي للمؤتمر الوطني : الممعوطة ما بتطير مهما ازينت بالأسماء ولو أردتم الرجوع الى الحق : فبابه الأجندة الوطنية يحفظ التاريخ لكم هذه الحسنة اليتيمة يقيكم شرور أنفسكم ويحفظ السودان . توجد كثير من الدلائل التي تثبت أن المؤتمر الوطني لن يتخلى عن (ثوابت) شموليته حتى لو يلج الجمل من سم الخياط وأنه حتى لو أراد مستنير من صفوف الوطني تطبيق ما نُصح به في المؤتمر الاقتصادي، فلن يفلح ذلك كما افترض د.ابراهيم البدوي في مداخلة قيمة –ذلك أن بنية الشمولية صخرة صلدة قد تتفتت لكنها لن تسمح بمرور الهواء أو الماء وأمامنا ما فُعل بصلاح قوش الذي أراد اصلاحا محدودا (قدر ظروفك) لكنه لم يُمكن بل عزل في رصيف المتفرجين. وفي ذات المنعرج مضى د.ابراهيم البدوي الخبير الاقتصادي المعروف مفندا ل (نظرية التحديث )التي تدعي أن الشمولية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تنمية مستقرة ومن ثم يضغط نمو الطبقة الوسطى المرافق لارتفاع مستوى الدخل ،باتجاه المطالبة بتمثيلها سياسيا لضمان مصالحها مما ينتهي بالاوتقراطية حتما الى الديمقراطية مثلما حدث في كوريا الجنوبية لكنه وبعد دراسة مع فريق من الباحثين بالتعاون مع جهات عديدة منها بنك التنمية الأفريقي وبرنامج الأممالمتحدة الانمائي ، و ضمن استنتاجات أخرى توصلوا إلى أن تلك النظرية غير صالحة للتطبيق في العالمين العربي والافريقي بسبب أن النظم الاوتوقراطية فيها قابلة للخضوع لسيطرة مجموعات وطنية معينة أو مصالح «وظيفية» خاصة أخرى كانت قادرة، على إضعاف التقارب نحو الديمقراطية، رغم توسع الطبقة الوسطى. واضاف: في الواقع أن هيمنة هذه المجموعات على الدولة غالباً ما صحبها تزايد الفساد والعلاقات الزبائنية التي تتجلى بشكل خاص عند خصخصة المنشآت والمشاريع العامة، مع كل ما يحمله ذلك من تشويه لنظام الحكم والاقتصاد الوطني. وعلاوة على ذلك، أن محدودية النمو في البلدان العربية مقارنة بالنمو السريع في شرق آسيا«كما تشير الاحصاءات المتوفرة» يعود، إلى حد بعيد، إلى عدم كفاية قدرتها، كدول اوتوقراطية، على إدارة الصدمات الخارجية الناتجة عن تقلبات أسعار النفط وتواتر الصراعات والنزاعات (الشهادة بذات معنى ما قاله د.ابراهيم لكنها بكلمات د.سمير مقدسي –ندوة مامون بحيري- الذي تشارك مع د.ابراهيم وآخرين في دراسة بعنوان: العجز الديمقراطي في الوطن العربي). والدراسة تقرر: ان الديمقراطية مع متلازمة الحكم الراشد من مشاركة ومحاسبة وشفافية وسيادة حكم القانون هي الضمانات الوحيدة للتنمية في بلداننا. هذه الخلاصات تؤكد كذلك استحالة (نظرية الاصلاح من الداخل) أو حتى المشاركة على أسس الندية مثلما يبرر من يقولون بالمشاركة من الاتحاديين : فبرنامج الحكم هو البرنامج نفسه الذي يصر على إعادة إنتاج الأزمات ويسد آفاق الحلول –اتركوها يرحمكم الله فلا سبيل إلا الوقوف معا ضد من طغى وتجبر. المداخلات التي أوردنا جانبا منها وجميع توصيات المؤتمرين تؤمن (ايمان العجايز) أنه لا بديل عن الديمقراطية لتحقيق التنمية ولا طريق غير تغيير هذا النظام : طوعا أو كرها . اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ... وسلمتم