وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية في العالم العربي.. رحلة البحث عن المبررات..!
فى محاضرة قدمها مركز مأمون بحيري للدراسات والبحوث فى افريقيا:
نشر في الصحافة يوم 03 - 11 - 2011

شهد مركز مأمون بحيري بالخرطوم مساء امس الاول محاضرة قيمة حول «التحول الديمقراطي في العالم العربي:بين المعوقات والعوامل الدافعة له» قدمها الكاتب والمفكر ووزير التجارة اللبناني الاسبق سمير مقدسي، وقام بالتعقيب عليها كل من د. منصور خالد ود. الطيب زين العابدين، وادار المنصة د. السيد علي أحمد زكي مديره التنفيذي قبل ان يتركها للبروفيسور أحمد ابراهيم عمر القيادي بالحزب الحاكم.وحظيت المحاضرة التي اعد لها المركز بشكل جيد،بحضور كثيف من المهتمين بالشأن الديمقراطي وقادة العمل السياسي والمدني بالبلاد، فضلا عن طائفة من ?ساتذة الجامعات السودانية المختلفة. غير ان المحاضر لم يخيب توقعاتهم.وقدم مقدسي ورقة محكمة حول الموضوع المطروح، ضمنها احصائيات دقيقة وشاملة، بينت بجلاء معظم الاسباب الكامنة خلف تقهقر المنطقة العربية الى مؤخرة العالم في شؤون الحكم والسياسة والتنمية والتحديث.
وتوجه د.سمير المقدسي مباشرة الى موضوع المحاضرة باشارته الى ان قضية الديمقراطية في العالم العربي قد استقطبت اهتماما كبيرا من قبل مراجع سياسية وبحثية مختلفة ولاسباب متعددة منذ نجاح الثورتين التونسية والمصرية، الا ان ما دفعه لاختيار موضوع محاضرته هذه الامسية حول الديمقراطية العربية - معوقاتها ماضياً وحاضراً والعوامل الدافعة لها مستقبلا هو اشتراكه مع صديقه الباحث إبراهيم البدوي منذ اربع سنوات في ادارة مشروع بحثي حول هذا الموضوع وبمساهمة عدد من الباحثين قاموا بدراسة حالات عربية مختارة ومنهم علي عبد القادر عل? وعطا البطحاني. ولقد أنجز الجزء الاول من المشروع وصدر بكتاب بعنوان «تفسير العجز الديمقراطي في العالم العربي».واشار انهم الان بصدد اتمام الجزء الثاني حول العوامل الدافعة للانتقال من الاوتوقراطية الى الديمقراطية في البلدان العربية.
ولفت مقدسي ان ما سيتقدم به من أفكار حول هذه المسألة يستند الى حد كبير على الابحاث الاكاديمية لمشروعهم البحثي مع تصورات اولية حول العوامل التي من المرجح ان تدفع مستقبلا نحو التحول الديمقراطي العربي على خلفية الثورتين التونسية والمصرية. هاتان الثورتان اللتان لربما شكل نجاحهما في اواخر العام الماضي واوائل هذه العام اضافة الى الانتفاضات التي تلتهما في بعض البلدان العربية الاخرى،بداية التحول من الاوتوقراطية الى الديمقراطية في العالم العربي. وقال: لربما لابد من الانتظار لنرى ما اذا كانتا ستؤلان الى قيام نظم ?يمقراطية حقيقية «لا شكلية او جزئية». واذا كان لا بد من الانتظار لتبيان تأثيرات الانتفاضات العربية الراهنة فاني ابقى من المتفائلين من ان التحول الى ديمقراطيات حقيقية في العالم العربي سيأخذ مجراه وان اختلف زمنه واختلفت مسيرته من بلد الى اخر. وسأتطرق لاحقا الى العوامل الدافعة بهذا الاتجاه ولكن بعد ان القي نظرة على البيئة السياسية/الاقتصادية العربية السائدة حتى اواخر 2010م والعوامل المفسرة لاستمرارية العجز الديمقراطي العربي لحينه. وقال: اعتقد انكم تشاركوني الرأي بأن اي تصورات لمسيرة الديمقراطية المستقبلية ف? المنطقة العربية لا يمكن فصلها عن محاولة فهم المعوقات التي واجهت ولا تزال تواجه هذه المسيرة في غالبية الدول العربية.
واضاف سمير اني اعي ان مضامين الديمقراطية ومفهومها قد لا يكون موضع اجماع. واكتفي بتعريف النظام الديمقراطي بانه نظام يعتمد فيه الافراد على انفسهم متكافئين سياسيا ويحكمون بصورة جماعية ويمتلكون جميع الطاقات والموارد والمؤسسات التي يحتاجون اليها لحكم انفسهم فيكون بالتالي نظاما قائما على قيم الحرية والعدالة والمساواة. واما فيما يختص بالاطر الدستورية والاجراءات التشريعية التي تضمن المسار الديمقراطي، وقد تختلف من بلد الى اخر، فهي مسألة اتركها للمختصين بهذا الشأن.
انغلاق على التنافس في الحكم
وتناول مقدسي البيئة السياسية والاقتصادية للعالم العربي حتى اواخر 2010 تاريخ اندلاع الثورات العربية، وقال ان النظر الى العالم العربي منذ استقلال بلدانه حتى اواخر 2010 يبرز على وجه العموم انغلاق المؤسسات السياسية على التنافس السياسي الحقيقي، فلا تعكس هذه المؤسسات تمثيلا شعبيا حرا وصحيحا وان كانت درجات هذا الانغلاق قد تختلف من بلد الى اخر. وابان: نعم نجد في بعض البلدان العربية مؤسسات سياسية ظاهرها ديمقراطي «انتخابات نيابية على سبيل المثال» الا انها تبقى عمليا نتاج ممارسات غير ديمقراطية الى حد بعيد. وحتى لبن?ن بالرغم من ديمقراطيته التوافقية وارتفاع درجة الحرية فيه فانه لم يرتق بعد الى مستوى الديمقراطية الحقيقية بسبب الطابع التمثيلي المذهبي لنظامه السياسي. وان كل المؤشرات المتعلقة بالديمقراطية تظهر ان نظم معظم البلدان العربية منذ استقلالها حتى اواخر 2010 «ونستثني لبنان ومؤخرا الجزائر »لم تتخط درجاتها الخانة السلبية للمؤشر، اي انها ظلت تصنف كنظم اوتوقراطية وان بدرجات مختلفة وذلك بغض النظر عن خطوات سياسية اصلاحية محدودة جدا هنا او هناك كإنشاء مجالس نيابية تتحكم فيها عمليا الطبقة الحاكمة ، وهذا ما تؤكد عليه م?شرات اخرى كمؤشر دار الحرية والإكونوميست لا داعي للتطرق اليها هنا.
واشار ايضا الى ظاهرة الجمع بين الاوتوقراطية والانفتاح الاقتصادي داخليا وخارجيا وقال انه بغياب المؤسسات الضامنة للمصلحة العامة التي تصونها النظم الديمقراطية «ولو مع خلل في التطبيق» قد نتج عن الانفتاح الاقتصادي في العديد من البلدان العربية تمالي او تقاطع مصالح بين طبقة السياسيين الحاكمة ورجال الاعمال الكبار ترافق معه ارتفاع مستويات الفساد مع شوائب اخرى في العملية التنموية. حتى انه في حالات معينة اصبح من الصعب التفريق بين صفتي الحاكم ورجل الاعمال. وهذا المسألة تسري ايضاً على لبنان بالرغم من ديمقراطيته التواف?ية واعتماد اقتصاده الكبير على القطاع الخاص منذ الاستقلال. لنتذّكر انه في العام 2010 صنّف مؤشر الفساد الذي تعتمده Transparency International معظم البلدان العربية في النصف الاسفل لهذه المؤشر.
وعلى الصعيد التنموي العام فقد اكد مقدسي ان العالم العربي قد حقق في السنوات الخمسين الاخيرة نجاحات خاصة في ميادين التعليم والصحة وخفض مستوى الفقر مع نجاح اقل في رفع مستوى الدخل الحقيقي بالنسبة للفرد. ولكن في المقابل بالرغم من الثروة النفطية العربية الهائلة والتقدم في المستوى الاقتصادي/ الاجتماعي يبقى معدل الدخل الحقيقي بالنسبة للفرد ادنى من معدله في المناطق الاخرى من العالم ما عدا افريقيا جنوبي الصحراء. كما ان معدل البطالة العربية «وخصوصا الجيل الشاب» للأعوام 2005-2010 هي الاعلى في العالم وبدرجات كبيرة حي? بلغ متوسطه للأعوام 2005-2010 حوالي 25% مقارنة مع 8-19 بالمئة للمناطق النامية الاخرى. واشار الى ان العديد من الباحثين ارجعوا ارتفاع معدل بطالة الجيل العربي الشاب الى الاخفاق في تطوير الاقتصاد الوطني وتنويع ركائزه. وذلك لأسباب عدة منها توجه الجزء الاكبر من الاستثمارات العربية نحو المشاريع ذات الطابع الريعي.
وقال سمير مقدسي: مهما يكن الامر بالنسبة للنتائج التنموية العربية الفعلية فاني ازعم انها كانت ستكون افضل حالا لو ان النظم السياسية العربية كانت اكثر انفتاحاً وديمقراطيةً. واضاف ان هنالك ابحاثا تشير الى ان البلدان التي نجحت في عملية التحول الى الديمقراطية حققت معدلات نمو اعلى من البلدان التي لم تحاول الدمقرطة او التي فشلت في تحقيقها. فالنظم الديمقراطية تعمل على نحو افضل من النظم الاوتوقراطية في نواح عدة.فهي على سبيل المثال اكثر استقرارا وبإمكانها ان تعالج بصورة افضل الصدمات الضارة التي تؤثر سلبا في النمو ا?طويل الامد.
وفي المقابل، يشير باحثون آخرون كما يلفت مقدسي إلى أن النظم الاوتوقراطية، أيضاً، يمكن أن تشجع التنمية، بل أن أشكالاً معتدلة من الحكم الاوتوقراطي يمكن أن تكون محبَّذة حقاً لهذا الغرض بالنسبة الى بلدان معينة. ويقدم هؤلاء الكُتاب تجارب كوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا كأمثلة على كيف أن النظم الاستبدادية المركزية الصارمة يمكن أن تشجع التنمية المحلية وكيف أنها لا تتبنى أشكالاً ديمقراطية للحكم إلاّ في ما بعد. وما إن حقّقت هذه البلدان الدمقرطة، حتى قلص ارتفاع مستويات متوسط دخلها الفردي من احتمال ارتدادها نحو الحك? الاوتوقراطي. أما هل أن تجارب هذه البلدان يمكن ان تجاريها بالضرورة البلدان النامية الأخرى، فهذه قضية مفتوحة.
الاوتوقراطية قابلة للخضوع
وشدد د. سمير نصري ان التجربة العربية قد اظهرت بوضوح ان النظم الاوتوقراطية قابلة للخضوع لسيطرة مجموعات وطنية معينة أو مصالح «وظيفية» خاصة أخرى كانت قادرة، على إضعاف التقارب نحو الديمقراطية، رغم توسع الطبقة الوسطى. واضاف: في الواقع أن هيمنة هذه المجموعات على الدولة غالباً ما صحبها تزايد الفساد والعلاقات الزبائنية التي تتجلى بشكل خاص عند خصخصة المنشآت والمشاريع العامة، مع كل ما يحمله ذلك من تشويه لنظام الحكم والاقتصاد الوطني. وعلاوة على ذلك، أن محدودية النمو في البلدان العربية مقارنة بالنمو السريع في شرق آ?يا«كما تشير الاحصاءات المتوفرة» يعود، إلى حد بعيد، إلى عدم كفاية قدرتها، كدول اوتوقراطية، على إدارة الصدمات الخارجية الناتجة عن تقلبات أسعار النفط وتواتر الصراعات. وهكذا، فضلاً عن أهمية الديمقراطية بالنسبة الى الاستقرار الطويل الامد للدول العربية، فان القضية التي ما برحت توجه غالبية هذه الدول هي كيف يمكن لها ان تتغلب على اسباب تواصل عجزها الديمقراطي لتؤسس لمرحلة التحول نحو ديمقراطية حقيقية اخذين بعين الاعتبار التجربتين التونسية والمصرية اللتين ما زالتا في مرحلة الانتقال الى نظام ديمقراطي. ولكن قبل ذلك فم? هي الاسباب الرئيسية التي ساهمت في استمرارية العجز الديمقراطي في معظم الدول العربية حتي يومنا هذا وعلى الرغم من تقدمها الاقتصادي والاجتماعي وان كان بدرجات متفاوتة من بلد الا اخر.
تفسير العجز الديمقراطي
يشير مقدسي الى ان نظرية التحديث «Lipset, 1959, Barro, 1996» الواسعة الانتشار تقول بأن النمو الاقتصادي والاجتماعي يؤدي الى تحول ملحوظ نحو الديمقراطية اي ان ارتفاع مستويات الدخل بالنسبة للفرد تؤدي الى ضغوطات لصالح اتساع مساحة الديمقراطية لان نمو الطبقة الوسطى المرافق لارتفاع مستوى الدخل يضغط باتجاه المطالبة بتمثيلها سياسيا لضمان مصالحها من خلال قيام الدولة بتجهيز السلع ذات النفع العام ، مع التأكيد على ان الاتجاه السببي بين الديمقراطية او الأوتوقراطية من جهة والتنمية من جهة اخرى قد لا يكون امرا متفقاً عليه ف? ادبيات التنمية.
وأما فيما يخص دور الصراعات الاقليمية في تشجيع النظم الاوتوقراطية وبقائها فمن الواضح انه قد ارتبط اساسا بالصراع العربي-الاسرائيلي القائم، أي القضية الفلسطينية التي لم تجد لها حلا عادلا حتى الساعة، علماً بأن الدول الأقرب الى ساحة الصراع، كالأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق، اشد تأثرا سلبيا بهذا الصراع من الجزائر أو بعض بلدان الخليج، مثلاً. واما في البلدان التي خاضت الحروب الأهلية، كالسودان ولبنان، فإن تأثيراتها في نظام الحكم قد تجلت بصور مختلفة، ففي حالة السودان، مثلاً، دفعت الحرب في نهاية المطاف الى انفصا? جنوبه كدولة مستقلة، بينما في لبنان ساهمت في تعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية، وبالتالي، أعاقت التحول المحتمل لنظام ديمقراطي أكثر تقدماً. وفي حالة الجزائر، تم توظيف الصراع على السلطة بين النخب الحاكمة والمعارضة الاصولية لإذكاء الخوف من استيلاء الاصوليين المحتمل على السلطة. وهذه السياسة أثبتت فعاليتها كوسيلة لاستجلاب الدعم الخارجي للنظام، إضافة إلى شق المعارضة الديمقراطية الداخلية. وهذا ما ينطبق ايضا على مصر حتى قيام انتفاضة يناير 2011م.
عوامل إضافية للعجز
هنالك عوامل اضافية اخرى ساهمت في تمتين الحالة الاوتوقراطية في عدة بلدان عربية «كمصر وسوريا والاردن والجزائر، والعراق منذ الغزو الأمريكي سنة 2003». ومنها صعود الحركات الاصولية التي وفرت ذرائع اضافية للابقاء على الحالة الاوتوقراطية. وبالطبع ليس ذلك بالضرورة قلق الانظمة من الايدولوجية السياسية لهذه الحركات بقدر خوف الحكام من فقد سيطرتهم على الحكم في حال الانفتاح السياسي على الاحزاب القائمة. ومنها ايضا الحروب الدولية في المنطقة، كالغزو الأمريكي للعراق في 2003، والاحتلال العراقي السابق للكويت، والحرب العراقي?-الايرانية والتي عملت، وفي آن واحد على زعزعة استقرار المنطقة، وشجعت صعود الحركات الاصولية. أما التأثير السلبي، في نظام الحكم لمختلف أنواع الصراعات قد يختلف من بلد الى آخر. ومهما يكن الامر فلقد عززت عموما ، وبطريقة أو بأخرى، مقاومة التحول الديمقراطي المحتمل.
ويضيف: في جميع الاحوال ينبغي ان نمضي فيما هو ابعد من الصراعات والنفط، وذلك لتحديد العوامل الخاصة بكل بلد والتي بدورها ساهمت في اعاقة تحوله الديمقراطي.
عوامل التحول من الاوتوقراطية الى الديمقراطية
قال مقدسي انه سيكون من السابق لأوانه محاولة استشراف ما ستؤول اليه الانتفاضات التي تلت الثورتين التونسية والمصرية. وان علينا الانتظار لنرى ما اذا كانت هاتان الثورتان ستؤديان في نهاية المطاف الى ترسيخ عملية التحول الى نظام ديمقراطي حقيقي في كل من البلدين. ومع ذلك فقد قال ان الثورتين اسستا لبداية مرحلة جديدة في العالم العربي، اي مرحلة التحول من الاوتوقراطية الى الديمقراطية،واضاءتا على عوامل كامنة وراء هذا التحول من اجتماعية واقتصادية وسياسية، علما ان تأثيرات هاتين الثورتين قد تختلف من بلد عربي الى اخر، فلك? منها خصائصه وتاريخه. وبالتالي فان شروط نجاح التحول الى ديمقراطية حقيقية، لا شكلية ناهيك عن افقه الزمني قد يتباين من حالة الى اخرى. ان عملية التحول الى الديمقراطية الناضجة، اذا صح التعبير، هي عملية معقدة بمعنى انها تتطلب تحولات ابعد من تغير آنٍ في آليات الحكم القائم لجهة جعله اكثر تمثيلا، ليشمل تغيرات مجتمعية حقيقية على مختلف الصعد ترسخ ثقافة الديمقراطية ومؤسساتها. ومن المأمول ان كلا من تونس ومصر ستسيران على هذا الطريق.
التنمية العادلة والحكم الصالح
ورأى الوزير اللبناني الاسبق ان احدى العبر الاساسية التي يمكن استخلاصها من الانتفاضات العربية الحديثة هي انه في عالم اليوم اصبح من الواضح انه لا يمكن لأي كان ان يتغاضى عن تنامي عرى الترابط بين التنمية العادلة والحكم الصالح وقيم الحرية والعدالة وانه عاجلا ام اجلا لا بد للتغير ان يأخذ مجراه.
استجلاء الديمقراطية
وقال د. منصور خالد معقبا علي الورقة ان المحاضر احسن صنيعا عندما حاول ان يدرس هذه الورقة في اطارها التاريخي بهدف النظر الى المستقبل. ورأي خالد ان اي تحليل علمي يجب ان يبدأ بضبط للمصطلحات ، مشيرا الى المقولة المأثورة «الحكمة تبدأ بالاتفاق على معاني الكلمات». لذا كان من الضروري ان نستمع من المحاضر الي ما الذي يعنيه بالديمقراطية وما هو تعريفه لها بداية، وما قاله في اعتقادي يحتوي علي تفسير جيد وهو ان الديمقراطية هى» النظام الذي يعتمد فيه الافراد علي انفسهم متكافئين سياسيا ويملكون بصورة جماعية جميع الموارد والطا?ات».. وقال خالد: ان الديمقراطية بهذا المفهوم تجعل من الناس شركاء في ثروات بلادهم ومتكافئين سياسيا،ولهذا السبب يصبح من الصعوبة احداث اي فصل بين الاعتبارات الاقتصادية الاجتماعية والاعتبارات السياسية البحثية في الحديث عن الديمقراطية. واشار منصور خالد الي ان اول تقرير للتنمية الانسانية في «1990» اورد ان الحرية السياسية اساسية للتنمية بحيث يجب ان يكون الناس احرارا في ممارسة خياراتهم،وان يكون لديهم صوت حاسم في رسم الاطر السياسية التي تحكمهم.ولكن ما هي المعوقات التاريخية لنمو الديمقراطية؟.. هذا سؤال يجب التوقف عن?ه، فمن العسير ان نتحدث نحن عن الثورات الزلزالية التي حدثت في الوطن العربي دون ان نضع في الاعتبار التجارب السياسية والمفاهيم التي كانت سائدة في نصف القرن الاخير، ومنها تجارب الانظمة الثورية والقومية الثورية الذي استمد بعضها زاده الفكري من حتميات بعض النظريات الاممية «الماركسية» او التجربة اللينينية علي وجه التحديد. والانقلابات العسكرية التي بررت وقوعها بالرغبة في توحيد الوطن وتنمية مقدراته باعتبار ان تلك اهدافا حال دونها الشقاق الحزبي..ثم الاتجاهات الاسلامية المتطرفة التي تحسب ان المسلمين يمثلون استثناء تار?خيا باعتبار ان هنالك «فسطاط للاسلام وفسطاط لغير المسلمين»، والخطأ في كل هذه الدعاوى بالطبع يختلف حتى لا نضع الجميع في حزمة واحدة، فقد تولى بعضهم الحكم وبعضهم لم يتولاه...
غلواء وعنف رسمي
لكن الفشل الذي انتهت اليه كل هذه التجارب بحسب منصور خالد سببه هو الغلواء. والغلواء الناتجة عن سببين احدهما اما انك تريد ان تحمل الناس على التغيير رغما عن انوفهم وان تنتقل بهم الي جنات تجري من تحتها الانهار،سواء كانت في الارض او السماء او لأنها عجزت، وهذا الجانب الاهم، عن توفير ادنى ما يطلبه المواطن.. فالمواطن يريد اتباع مصالحه الحياتية وهي معروفة في الفقه الاسلامي وعلم الاجتماع والاقتصاد. وهذا الفشل دفع هذه الانظمة،من اجل البقاء في الحكم، الي العنف،..والعنف الرسمي واصبحت لها معارك ايا كانت لا يعلو صوت علي ?وتها. وهذه الانظمة ايضا حاولت ان تدخل علي دساتيرها تغييرات شكلية «تمويهية» لأنه لا توجد دولة من هذه الدول الا كان لها دستور يرعى حقوق الانسان وينادي بسيادة حكم القانون.. ورغم ذلك فان جميعها كما قال المحاضر انظمة اتوقراطية حتى 2010، ورأى منصور ان الزلزال الذي حدث في المنطقة ابتداء من ذلك التاريخ حقق شيئين.. ولكن قبل التعرض لهما يجب ان نتحدث بتفصيل عن «التمويه الديمقراطي»..
وعرف د. منصور خالد المصطلح بانه اقدام انظمة المنطقة الاوتوقراطية علي ايجاد دستور فضفاض يمنح كل الحقوق ويرعى الاعتراف بالمواثيق الانسانية، لكن في ذات الوقت مجهضة بقوانين ادنى منه وهذه هو الخطيئة الاولى، اما الخطيئة الثانية فهي وجود قوانين تتيح حريات لاجهزة طبيعتها تطبيق القانون وحمايته.. تمكنها من تجاوز القانون وتقليص حريات اجهزة اخرى واجبها رعاية الدستور، وبالتالي انعدمت الرقابة المطلوبة.والامر الثاني ان اجهزة الرقابة العامة، الموجودة في كل بلد في العالم، مثل البرلمان والصحافة،باعتبارها السلطة الرابعة، سلط?تها مجهضة. وحتى القوانين الدولية التي يدعي الحكام في هذه الدول الاوتقراطية احترامها ويدعونها مثل مواثيق حقوق الانسان هنالك محاولات للالتفاف عليها بدعوى الخصوصية الثقافية او الدينية.. رغم ان هذه المواثيق بحكم كونيتها لا يمكن ان تخضع للتوطين.
ويعود خالد للحديث عن الزلزال الذي حدث في المنطقة ويقول انه كشف ظاهرة اقتصادية مهمة وهي استشراء الفقر وما يجب ان نركز عليه هو تأثر اكثر العناصر الفاعلة في المجتمع به ، وهي الشرائح العمرية من «14 - 25» عاما والتي بلغت «65» مليون نسمة في العام 2005م، وعندما تكون اكثر الفئات القادرة على العطاء محرومة من العمل، فهذا ليس فقط امرا مشينا وانما امر منذر بالنسبة الى اي حاكم واعٍ. وقال ان المحاضر اوضح بجلاء اسطورة التحرير الاقتصادي ، التحرير الاقتصادي غير المنضبط، واضاف : لو قيض الله لآدم سميث او ريكارد ان يعود الى ا?حياة لما استبصر في السياسات التي تحكم القوة الخفية في السوق باسم ما كانوا يدعون اليه شيئا، مما كانوا يدعون. فمن الواضح اننا نتحدث عن شئ ليس له صلة بالادبيات الاقتصادية او التجارب الاقتصادية. وقال ان جميع الدول التي مستها الثورة كانت ايضا دول ريعية.. وكثير ما نطلق مسمى الدولة الريعية على الدولة النفطية.. في حين انه ينطبق ايضا علي دول عديدة تعتمد اعتمادا كاملا علي السياحة او تحويلات المغتربين او المعونات الخارجية، فكل هذا نمط من الثراء يركز في المقام، تراكم الثروات دون العمل المنتج وحده يمكن ان يوفر فرص العم? والعطاء... والزلزال كشف عن ظاهرة اخرى وهي ما اسميها ب «موت الايدلوجيا»،فالانتصار للكرامة الانسانية اعلى الرايات التي رفعها الشباب فيه هذه الثورات كانت تتعلق بمطالبهم الحاجية وتتعلق ايضا بنهب الثروات الوطنية ولم يرفع شخص واحد شعار ايدلوجيا بل ان الايدلوجيين جميعا اخذوا يلهثون خلف مطالب الشباب. واشار ان الحديث عن الايدولوجيا هنا يشمل القومية والاممية والاسلامية التي تتمظهر في ثلاثة تيارات، اولها تيار سلفي، وآخر جهادي معروف يريد ان يغير اوضاع العالم وليس فقط الوطن العربي.. بمفهوم «الفسطاطيين»..وتيار سلفي ي?ود بالامة الاسلامية الي الاصلاح التاريخي وهذا باعتقادي مغالطة للتاريخ لأن الاصلاح نفسه لو وقف ضد التاريخ لما تطور.. والتيار الثالث ينسب نفسه الى الاستشارة لكنه مافتئ يشغل الناس بأمور شكلية لا تمس بما اسميته ب «القضايا الحاجية والحياتية».كما ان هناك تيارا آخر برز تمثله تركيا رغما عن انه ليس جزءا من الوطن العربي، وتمثله ايضا تونس ، واشار د. منصور خالد الي ان التجربة القديمة معروفة بعكس التونسية لأنها حديثة عهد. لكن اذا نظرنا الي التجربة التركية علي سبيل المثال نجد انها في الفترة 2000 - 2010 حققت الكثير ، فق? وفرت العمل لحوالي «2» مليون شخص، ونوعت مصادر النمو وان معدل النمو وصل الى «11%» وهو ما يقارب معدل النمو المحقق في الصين، كما ان تركيا اصبحت الدولة رقم «17» في لائحة الدولة التي تقود الاقتصاد الدولي. وزاد المفكر البارز : وهذا ما يساعد بسهولة في تمييز نوع الاسلام الذي يستطيع ان ينتقل بنا من الأزمة التي نعيشها !.
وعاد د. منصور خالد يشير الي ما تناوله المحاضر حول علاقة الديمقراطية بالتنمية، وهل الديمقراطية هي شرط لبروز التنمية، وقد اشار الى ان الديمقراطية هي قيمة في ذاتها ، مؤكدا ان من الضروري ان نعمق البحث في تجارب النمور الآسيوية لأنها افلحت في تحقيق معدلات في التنمية بلا نظير، وفي تقديري ان لنجاح هذه الدول في تحقيق الطفرات السبب الاول هو انهماكها بصورة كلية على تحقيق مطالب الشعب الحاجية من الغذاء - السكن - الصحة - التعليم وتسخير الثروات الطبيعية في التنمية، ثم اكساب ابنائها وبناتها مهارات تؤهلهم لسوق العمل. والسب? الثاني الادارة الناجعة للتنوع، التنوع الاثني والتنوع الثقافي والتنوع الاقتصادي، بحيث يكون مصدر الثراء للأمة لا أداة للتحاسد والفرقة.
وعن مستقبل هذه الثورات قال منصور انه لا يدري ان كانت ستؤدي لتحول ديمقراطي أم لا، ولكنه اضاف انه يستطيع أن يقول ان هذه الثورات افلحت في اضعاف ركائز الدولة الاوتقراطية التي كانت تعتقد انها باقية إلى ابد الابدين، ثانياً تكثيف الضوء على مطالب الناس، وتأكيد محورية الحقوق الاقتصادية والسياسية. وثالثاً الكشف عن ضعف البنية السياسية للأنظمة الاوتقراطية رغم افلاحها في تدجين الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في كل الدول مثل تونس ومصر وتعديتها للنهوض التنموي وابرازه على حقيقته باعتباره تحالفا بين الاولوغارتية ا?حاكمة وطبقات المنتفعين. ومع ذلك استطيع ان أقول، الا ان كنت أرى في كرة بلورية،والثورات العربية لحين اشعار آخر مازالت في مرحلة الاحتجاج على غبن سياسي وعلى تهميش اقتصادي.ورأى د. منصور خالد انه من الصعب جداً التكهن بما يحدث مستقبلاً واصدار احكام شاملة لان هذه الدولة تختلف اختلافا جذريا لانها غير متجانسة.
الأكثر تخلفاً في العالم
وقال د. الطيب زين العابدين من جهته تعليقاً على الورقة المقدمة ان الافكار التي قدمها سمير مقدسي قيمة، واشار إلى ان النظرة الدقيقة لوضع الديمقراطية في العالم العربي تدعو للقول بان العالم العربي من أكثر بلدان العالم تخلفاً في الديمقراطية، وان البيان الذي قدمته الورقة يدل على ذلك، فهو أدنى مستوى حتى من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء التي كان يضرب بها المثل في الفقر والتخلف والأمية. كما ان هذا واضح ايضاً من الاوضاع السياسية التي نراها اليوم في العالم العربي، فأكثر من ثلثه أنظمة ملكية وراثية تمارس سلطة تنفيذية ش?ه مطلقة، رغم ان هذا لا يوجد له مثيل في بقية العالم. وان اكثر من ثلثه التالي انظمة عسكرية جاءت عن طريق انقلابات عسكرية. وأكد ان النظامين «العسكري والملكي» ليست لهما رؤية أو ارادة أو آلية للتداول السلمي للسلطة، وهو ما يعني انه ليس هناك تعاقب إلا عن طريق انقلابات أو ثورات. ورأي ان هذا ما يفسر ان الثورات والانتفاضة التي حدثت في المنطقة الآن هي افتتاح لطريق الديمقراطية والورقة تؤيد هذا.
ولكن الطيب زين العابدين قال ان ما يحتاج لتفسير حقيقي، هو لماذا ظل الوطن العربي أكثر مناطق العالم تخلفاً وبعداً عن الديمقراطية والحريات ورعاية حقوق الانسان، مع ان العالم العربي عند أول دولة بدت في عهد الخلفاء الراشدين ابتدعت فكرة البيعة وهي تفويض شعب بحاله - ولكن انقلبت بعد ذلك وراثية في العهد الأموي والعباسي، مشيراً إلى اننا أيضاً ابتدعنا الآن جمهوريات تورث السلطة من الأب إلى الابن. وشدد زين العابدين على ان هذه الوضع غير مفهوم وغير واضح، ويجب معرفة وتحديد الأسباب، بكل المقاييس لأن التعليم، والتحديث، والنم? الاقتصادي لا تفسر هذا الوضع في العالم العربي.
السلوك الثقافي مهم
وقال الطيب زين العابدين ان واقع تواجد أنظمة ليس لها رؤية أو ارادة أو تداول سلمي للسلطة يجعل من وجود الديمقراطية أمرا غير وارد. واظن ان من الاسباب التي يجب النظر إليها برؤية السلوك الثقافي في هذه المجتمعات العربية، لأن السلطوية في عالمنا ليست قاصرة على العلاقة بين الحكومة والشعب فهي موجودة في بقية قطاعات الشعب ومنها الأسرة والخدمة المدنية والأحزاب السياسية وغيرها، وهو ما يجعل من اشكالية الديمقراطية أكثر عمقاً وليست مجرد علاقة بين حاكم ومحكوم. ورأى الطيب ان الثورة في مصر وتونس تعطي أملاً في المستقبل، لانها ك?نت كاسحة في التأييد الشعبي، وتحملت تضحيات جسيمة بخاصة ما حدث في ليبيا وما يحدث الآن في سوريا واليمن، فما الذي يعنيه هذا، ورأى ان الشباب لديه وعي ورغبة في تغيير الاوضاع في بلدانهم كانوا يعرفون ان هذه الأنظمة لن تتورع في استخدام كل آلياتها القمعية لتظل في السلطة، والشباب بدأوا هذا الطريق ولا تراجع عنه، مما يدل على ان هذه الثورات تمضي في طريقها وتسير إلى نهاياتها.
فزاعة الإسلاميين
وعن أسباب العجز الديمقراطي في المنطقة قال زين العابدين ان الأسباب المطروحة لتفسير ذلك غير قاطعة مثل الصراع العربي الاسرائيلي، الحروب الخارجية، الدعم الخارجي للأنظمة القمعية، وصعود الحركات الأصولية، فبعضها يستخرج من قبل بعض الأنظمة كفزاعات مثل صعود الحركات الأصولية لتخويف الحزب ودفعه لدعم النظام القائم، لأن الوريث قد يكون نظاما أصوليا. وهذا ينطبق على الصراع العربي الفلسطيني رغم ان أغلبها أتت إلى السلطة بحجة تحرير فلسطين وانتهت إلى انها أكثر الأنظمة التي لديها قابلية للتعايش مع هذه المشكلة. وتطرق الدكتور إلى?ان مقدم الورقة قد اعتبر ان من عوامل الدفع بالديمقراطية تراجع دور القطاع العام لصالح القطاع الخاص، لافتاً إلى اعترافها ايضاً بوقوع تداخل بين الدولة والقطاع الخاص، حتى أضحى التمييز صعبا بين السياسي ورجل الأعمال. لأن من أحد أساليب الأنظمة في المنطقة للسيطرة على الدولة السيطرة على القطاع الخاص، أما بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ليصل إلى انه ليس هناك تراجع كما يظهر في كل الأنظمة عن ذلك بما فيها الملكية والعسكرية.
المجتمع المدني في قبضة الدولة
وحول تراجع دور الدولة لصالح المنظمات الأهلية الذي رصدته الورقة في اطار تحريرها لعوامل الدفع بالديمقراطية في المنطقة، قال الطيب ان هذه المنظمات لم تستطع ان تفلت من قبضة الدولة، حتى الرياضة والجمعيات النسوية التي يوجد بها سيطرة من النظام الحاكم بصورة مختلفة.
وأكد الطيب زين العابدين أن تعطش الشعوب للحرية والعدالة هو المحرك في احداث التغيرات، وتكون الشعوب مستعدة في المقابل لدفع التضحيات اللازمة حتى تنال العدالة وتنال حريتها وتنال المساواة. ذلك لأن الأنظمة القائمة لن تترك السلطة بسهولة. مرجعاً المواجهات الدامية التي تمت في اليمن وسوريا إلى ان الأجهزة التي تحمي الأنظمة هنالك قبلية أو عشائرية أو طائفية، أو ليست مهنية كما هي الاجهزة في تونس ومصر، مشيراً إلى ان بعض الأنظمة يربط هذه الأنظمة بصورة عشائرية أو طائفية وكأنما تغير هذه النظام لا يضر به فقط وانما كل القطاعا? التي كانت ترتبط به ارتباطا وثيقا. وأشار د. الطيب زين العابدين إلى استشهاد مقدم الورقة بمجموعات من الكتابات الغربية تمت في الخمسينات، تربط بين الاقتصاد والاجتماع والسياسة ولكنها لاتنطبق على العالم العربي، والعالم العربي يفتقد لمثلها لأن بعض دولة لا تسمح بمثلها أصلاً. وقال اننا نفتقد لدراسات ميدانية بها مثل هذه الاحصائيات المقدمة في الورقة، وتتضمن العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية الأخرى كي تستطيع فعلاً تحديد أسباب التراجع والمعوقات للديمقراطية هنا، وما هي عوامل الدفع بها في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.