مثلها مثل أي فتاة مراهقة من بنات جيلها عندما تعلم أنها على وشك ركوب الطائرة التي ستقلََّها إلى حيث تقضي عطلتها الصيفية الطويلة التي طالما حلمت بها وانتظرتها ببالغ الصبر، تشعر جميلة ابنة الأثني عشر عاما بسعادة غامرة وهي تجهِّز حقائب سفرها إلى بلاد شمسها أكثر سطوعا من شمس عاصمة الضباب لندن. تملأ جميلة حقائبها بالعديد من الكتب، لتنكب بعدها على أحدها: كتاب "هاري بوتر وسجين أزكابان" الذي ربما تريد أن تفرغ من قراءته قُبيل الإنطلاق في رحلتها. لكن أمها تفاجئها عندما تبادرها بالحديث لتقطع عليها استغراقها في القراءة قائلة لها: "جميلة، تعلمين أنها ستكون الليلة؟". لم تكن الفتاة تعلم ما الذي عنته أمها بالضبط"، وإن أدركت لاحقا أن عملية ما سُتجرى لها تلك الليلة: بتر جزء من أعضائها التناسلية. وعن تفاصيل تلك الليلة، تقول جميلة أيضا: "دخلت غرفة الجلوس لأجد العديد من النسوة هناك. لقد أدركت في وقت لاحق فقط أنهن جئن بغرض الإمساك بي وتثبيتي، إذ يحضر عادة الكثير من النساء لتثبيت الفتاة في مثل تلك الحالة." وتضيف بقولها: "اعتقدت في البداية أنني سأكون شجاعة، وبالتالي لم أحتج حقيقة لذلك (أي لمساعدة النساء). كل ما كان علي القيام به هو أن أستلقي على ظهري وأتذكر النظر بالسقف والتحديق بالمروحة." وتمضي إلى القول: "لا أتذكر الصراخ، بل أتذكر حجم الألم المثير للشفقة الذي شعرت به. أتذكر الدم الذي ساح في كل مكان، وأتذكر إحدى الخادمات عندما رأيتها حقيقة وهي تلتقط قطعة اللحم التي اقتطعوها للتو من جسدي. أتذكرها لأنها كانت تمسح الدم الذي كان في كل مكان." صحيفة الأوبزيرفر تطالعنا في عددها الصادر اليوم بتفاصيل قصة جميلة عبر تحقيق خاص تسلِّط من خلاله الضوء أيضا على ظاهرة ختان الإناث في بريطانيا، أو ما يُطلق عليه مناهضو هذه الممارسة عبارة "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية" (Female Genital Cutting) واختصارها (FGC). وفي طبعتها الإلكترونية، ترفق الأوبزيرفر قصة الفتاة جميلة برابط فيديو يحتوي على مشاهد تحذِّر الصحيفة من أنها ستكون "محزنة ومثيرة للقلق". تظهر في التسجيل فتيات ممن تعرَّضن لتجربة "ختان الإناث" وهن يصرخن ألما أثناء خضوعهن للعملية ويتحدثن عن معاناتهن لاحقا بمرارة وألم واضحين. فتحت عنوان "20 ألف فتاة في بريطانيا معرَّضات لخطر بتر أعضائهن التناسلية"، تنشر الأوبزيرفر على صدر صفحتها الأولى تقريرا أعدته محررتها للشؤون الاجتماعية، تريسي مكفاي، وتنقل فيه عن مسؤولين وخبراء في الشرطة والصحة تحذيرهم بشأن العدد المتزايد لحالات ختان الإناث التي تُجرى في البلاد التي حظرت هكذا ممارسة منذ عام 1985. وتنقل الصحيفة عن بعض الخبراء تقديراتهم بأن ما بين 500 و2000 تلميذة مدرسة في بريطانيا يواجهن خطر تعرضهن للختان خلال الصيف الحالي لوحده، إذ أن عائلاتهن تستغل العطلة المدرسية الصيفية لتنفيذ عملية "القطع" تلك، لطالما لا أحد يسأل عن سبب غياب الفتيات عن المدرسة في هذه الفترة. ورغم أن بريطانيا كانت قد حظرت أيضا في عام 2003 نقل الفتيات إلى خارج البلاد لإجراء عمليات الختان لهن هناك، تقول الأوبزيرفر إن لديها أدلة ملموسة على أن هذه الظاهرة لا تزال منتشرة في البلدان العربية والأفريقية والآسيوية. وتقول الصحيفة أيضا أن العديد من "حفلات القطع" (أي الختان) تُعقد خلف أبواب مغلقة في أنحاء شتى من بريطانيا حيث يجري الاحتفال بهكذا ممارسة. وبالإضافة إلى تقريرها على الصفحة الأولى، تفرد الأوبزيرفر كامل صفحتيها ال 20 وال 21 لنشر تفاصيل التحقيق الخاص المصوَّر الذي شاركت تارا ساتن زميلتها مكفاي بإعداده، وقد جاء بعنوان "رعب بتر الأعضاء التناسلية الأنثوية يطارد فتيات بريطانيا". يقول التقرير: "ينبغي أن تكون العطلة الصيفية وقتا لفرح الأطفال، لكنها بالنسبة لبعضهن تكون وقتا لختانهن وتركهن يعانين ندوب الرعب الجسدي والعاطفي." كما تخصص الصحيفة أيضا إحدى افتتاحياتها للحديث عن موضوع "ختان الإناث"، حيث جاءت الافتتاحية بعنوان "يجب أن يكون هنالك مقاضاة من أجل القضاء على هذه الممارسة." تقول الافتتاحية حول هذه الظاهرة ومن يمارسونها: "إن اتخاذ إجراء صارم ضد ختان الإناث لن يكون بمثابة فعل تحامل أو تحيز ضد أقلية من الأقليات بعينها."