يكفي أن نعود زمنياً ثلاثة عقود إلى الوراء لندرك أن راغب علامة هو نجم حقيقي. طبع اللون الشعبي بالرومانسية التي لا يزال يؤديها على المسرح كرمى معجبات وُلدت أعماله قبل أن يولدن. يدرك جيداً موعد الصدارة، هو أوّل من استعان بالعارضة الأجنبية وظهرت معه كسيّدة راقية فيما رفض تبنّي تقنية الأبعاد الثلاثية مكترثاً بالتراتبية التي قد يقرأ عنها الجمهور دون أن يختبرها... ويكفي أن نسترجع أسماء فنية برزت معه وبعده أيضاً وسقطت من الذاكرة للتسليم بنجومية تستحق جمهورها. راغب علامة بين الأمس والحاضر. - لم تكن تتجاوز الثامنة عشرة حين قررت المشاركة في برنامج «استوديو الفن» عام 1980 عن فئة الأغنية الشعبية. كيف تصف وقوفك أمام لجنة تحكيم في الأمس واليوم كقيادي في لجنة تحكيم؟ أشعر بأن الوقت مضى بسرعة منذ ثلاثة عقود، كما لو أن بين استديو الفن واليوم رمشة عين. هذا البرنامج منحني الكثير وبالعكس، أعيش مع الهواة كهاوٍ ومحترف معاً. أراعي التوتر الذي يستدعيه مستقبل فني رهن بطاقة ذهبية إلى بيروت. لكنني في حكمي صارم، خصوصاً أن هذه البطاقة قد تستحقها موهبة أجدر أرى فيها نجومية مستقبلية. لم أتردّد شخصياً في تأهيل أي موهبة بل حصدنا من كل الوطن العربي أصواتاً هائلة وهواة ممتازين. وأتمنى أن يراعي تصويت الجمهور في المرحلة التالية الأمور التقنية الفنية في المرتبة الأولى، وهذا هو الفرق بين استديو الفن في الأمس وArab Idol اليوم حيث تختبر المواهب لجنة ثانية هي الجمهور. أتذكر من لجنة تحكيم برنامج استديو الفن 80 أساتذة كباراً ومخضرمين، روميو لحود وعبد الغني شعبان وميشال طعمة وصونيا بيروتي وإحسان المنذر (رئيس الفرقة الموسيقية آنذاك) وبابو لحود. كان يتملّكني خوف شديد لكن ذلك لم يؤثر في موهبتي، وتقدّمت مرحلة تلو مرحلة حتى الفوز. - هل تذكر الأغاني التي أديتها؟ شاركت في برنامج «استديو الفن»، وقد قررت أداء القدود الحلبية لكن الأستاذ سيمون أسمر نصحني بعدم غناء هذا اللون بل الشعبي. قال لي إنه يرى في موهبتي مستقبل فنان شعبي. لا أنسى هذه النصيحة رغم كل ما حصل لاحقاً مع المؤسسة اللبنانية للإرسال. موقع سيمون أسمر لا يتغيّر ولا يمكن أن أنكر أنه أستاذي. أديت أغنيات، "اتفرج عل حلاوة" و"بهية" و"سكابا يا دموع العين". - ما أول ما كان يسعى إليه راغب علامة الفن أم كسب الشهرة؟ لم يكن الشهرة أو تحقيق طموحات بل مجموعة من الأهداف. النجاح بالنسبة لي لم يكن لكسب شهرة أو مكسب فني إنما إثبات موهبة وبلورتها وتقديمها إلى الجمهور بكل محبة. - تماماً كالقاضي راغب علامة؟ راغب علامة هو أول مدعٍ عام وقاضٍ لبناني. سماني والدي تيمناً بهذا القاضي وثمة شارع في بيروت يحمل اسم راغب بك علامة. ما سعيت إليه بعد مرحلة استديو الفن هو الشهرة، كانت حلماً يراودني، أن أصبح راغب علامة المطرب المشهور. وقد منحني الله أكثر ما استحق. - هل كان الوالد يرى فيك مستقبلاً بعيداً عن الفن؟ كان الوالد يعمل في محكمة بعبدا وراغب بك علامة كان ذا قيمة كبيرة. قاضٍ كبير في البلد، وكان والدي يطمح إلى أن يبلغ أحد أولاده شأنه ليفتخر به كما كان يفتخر براغب بك علامة بمعزل عن المنصب. وأحمدالله أن اسمي انتشر أيضاً. - من أثّر في صياغة هوية راغب علامة الفنية ؟ إحساس عبد الحليم حافظ وأساسات صباح فخري. طبخة. - هل تجد صعوبة في إطلاق تقويمك السلبي للمشاركين في برنامج Arab Idol؟ لي حق استعمال الفيتو على مواهب وافقت عليها الفنانة أحلام والموزع الموسيقي حسن الشافعي لكنها لم تقنعني. فخبرة حسن قليلة رغم أنه موزع شاطر، لأن الآراء ببعض المواهب كانت تنتقصها الحرفية. كما أن أحلام شارفت أن تلطم كونها تسرّعت في تأهيل بعض المشتركين رغم أنها فنانة كبيرة و«بتعرف شو بتغني». وقد اعترف الإثنان بصوابية رؤيتي التي جعلتنا نختلف في الآراء. أؤدي دور الموجّه غالباً، فقد يليق بأحدهم أداء اللون البلدي دون أغاني عبد الحليم حافظ أو فيروز مثلاً. الموهبة تظهر سريعاً. - لكنك كنت حازماً حين قلت لأحد المشاركين : «حامل لقب «أراب آيدول» يفترض ألاّ يكون متخصصاً في القدود الحلبية»... نعم، رغم أنني أغني القدود الحلبية منذ الصغر وهي أبجدية الغناء برأيي. لكنني تذكرت موقفاً واجهته ونصيحة سيمون أسمر. استعدت اللحظة نفسها، ولذلك أمنح خبرتي للبرعم الذي يمهّد لخطوته الأولى في الفن وبطاقة ذهبية مشروطة. - هل تنقص الساحة الفنية أصواتٌ جميلة في عصر التخمة الصوتية؟ نعم تنقصنا قدرات فنية جديدة. وقبل أن أتلقّى العرض من قناة mbc كنت أطمح إلى تبني هاوٍ أو هاوية لأقدم له أو لها الدعم لدخول الساحة الفنية. ولذلك وافقت على الفور حين أتت فرصتي لأكون رئيس لجنة تحكيم "أراب آيدول". هذا يغذي طموحي وما كنت أفكر فيه في المرحلة السابقة. فحين بدأت خطوتي الأولى في الفن لم يكن هناك برنامج لصناعة النجم، لم أخظَ بهذه الفرصة وافتقدتها جداً. كان النجم يصنع نفسه بنفسه، لم يكن في الكواليس أي جهة تدعمني أن تسوقني إعلامياً. - حتى بعد فوزك في برنامج استديو الفن؟ نعم، حين نجحت قالوا لي «باي باي». أول ما فعلته أني سافرت إلى باريس وغنّيت في ملهى ليلي. جمعت مبلغاً من المال، اشتريت به أغنيتي الأولى «بكرا بيبرم دولابك». وكل مرة كنت أجمع فيها بعض المال كنت أشتري مزيداً من الأغاني. يعني من الماء الذي كنت أملكه كنت استمد الأوكسيجين لأظل موجوداً. هذه كانت صناعة النجم.