فاطمة عطفة: الشعور بالنجاح شيء جميل يعيش صاحبه بسعادة ويرفع من شأنه الاجتماعي، خاصة في عالم الفن، ونجد برفقة كل نجم أو نجمة العديد من الأشخاص المرافقين، فضلا عن المحررين والمصورين المنتظرين، والجهد المضني للحصول بواسطة المنظمين على موعد لمقابلة هذا أو تلك ولا ننسى الصورة وتأثيراتها. إضافة إلى الإطراءات والمجاملات، كل هذا يشكل هالة حول النجم ما يؤدي أحيانا للضجر وعدم الشعور بالراحة، لأن التعامل الطبيعي والتواضع برأيي أهم عوامل النجاح للإنسان، وليس مستحسنا أن يصل الفنان والمبدع إلى مرحلة غرور السياسي لأن المبدع يجب أن يكون قريبا من جمهوره الذي أمده بالإعجاب والمحبة حتى وصل إلى عالمه المتألق بالنجومية. فيلم 'أسماء' مأخوذ عن قصة حقيقة تصور امرأة مصرية تقرر النهوض من أجل الحصول على حقوقها. وهذا حديث عند مع هندي صبري: بعد عرض فيلم 'أسماء' والحضور الذي رافق العرض الجميل، اسمحي لي أن يكون سؤالي الأول عن دقة المواعيد والترتيبات الخاصة لمقابلات نجوم الفن التي ترافق ذلك، هل النجومية أحيانا تجعل الفنان يظهر كأنه يترفع ويتعالى على المحيط من حوله، سواء من ظهور المرافقين الذين يحيطون به أو المواعيد التي يتأخر فيها، أقصد هل هناك تصنع هالة للنجوم؟ هل هذه المظاهر تؤمن فعلا راحة للفنان أو هو بالحقيقة يحب أن يتصرف ويقابل الإعلاميين والناس بشكل طبيعي؟ 'هذا الشيء موجود بالعالم كله، أنا لن أكون محامي الشيطان، لكن كلما كبرت نجومية الواحد كان مطلوبا بطريقة يمكن لا ترونها أنتم، لأنها في بعض الأحيان تصبح مزعجة، والمطلوب منه أن يعمل أشياء كثيرة أكثر من الشخص العادي، بحيث يتواجد هنا.. وهناك.. وهنالك في نفس الوقت، أنا من ساعة ما وصلت إلى اليوم لم أنم أكثر من أربع ساعات في الليل، وأنا طول عمري أحب أن أكون منضبطة في مواعيدي، لكن الواحد غصبا عنه، لأنه فعلا يطلب منه أشياء كثيرة، ليس فقط لقاءات الصحافة، كمان لازم يكون متواجد في هذا العشاء، أو في هذا الحدث لأن المصورين لازم يصورونه، مطلوب منا أشياء تحتاج ساعات لا نعرف نعملها كلها، لذلك اعذرونا'. السؤال الأهم بعد العرض المشوق لفيلم 'أسماء'، ماذا يمثل لك هذا النجاح وبهذا الوقت بالذات، بعد كل التجربة السينمائية الطويلة والناجحة؟ - 'طبعا فيلم أسماء لم يكن ممكنا أن أتناوله بهذه الطريقة لولا التجربة التي مريت بها، يمكن أنا مش كبيرة بالسن لكن بدأت مشواري وأنا عمري 14 سنة منذ مشاركتي في فيلم 'صمت القصور' عندي تجربة في العمل 16 سنة هي التي خلتني أتعلم، أنا لم أكن ممثلة جيدة من الأول، تعلمت على المدرسة التونسية ثم المدرسة المصرية، وهناك اختلافات كثيرة بينهما، حاولت أن أحفر مكانا في السينما المصرية، لكنه مكان يمكن منفرد (شوي)، بمعنى أني لم أذهب وأدع روحي إلى السينما التجارية، حاولت دائما أن أكون موجودة في السوق التجارية لكني أعرف أن أهرب إلى أفلام أكثر خصوصية، وأصغر حجما وإنتاجا. كنت محظوظة أني وجدت في هذا المشوار مخرجين ومؤلفين عندهم نفس الهاجس وكانوا حابين أن ينتقلوا ويرتقوا بالسينما المصرية إلى الأفضل. وللأسف كانت الأفلام كلها هشة في أوائل هذا العقد، وكانت الأفلام كلها فيها استخفاف بعقول الناس. أنا لي عشر سنوات في مصر عملت فيها أفلاما في مراحل متعددة حتى وصلت إلى 'أسماء'، وعندي 'عمارة يعقوبيان'، 'موت المخبر والحرامي'، 'جنينة الأسماك'، 'بنات وسط البلد'، أفلام كثيرة في مشواري خلتني أتعلم لدرجة أنه لا يكون عندي خوف أن أتناول شخصية مثل شخصية 'أسماء' لأنها شخصية مخيفة لأي ممثلة، لأنها أكبر مني سناًّ فيها مرحلتين عمريتين مختلفتين تماما، فيها مرض مخيف (تابو) ممكن أي ممثلة أو نجمة تخاف من أن يلتصق اسمها بهذا المرض. هذه هي التجربة الثانية للمخرج، ليس مخرجا معروفا بعد أو له اسم رنان لكن سيكون له إن شاء الله مستقبل مبهر، لأنه فعلا مخرج حساس جدا، وكذلك ليس كل يوم السينما المصرية تقدم إلى ممثلة دور بطولة مطلقة كشخصية 'أسماء' فأنا محظوظة'. كل واحد يرى الفيلم من زاوية خاصة وهذه جمالية العمل، أنا رؤيتي للفيلم أن أهم نقطة فيه هي الحب والتفاني بالحب بالأخير، بينما كانت رؤيا أخرى أعجبتهم قصة طرح المرض والجرأة في الكشف عنه، وكان وضحا تأثرك بالدور مع الدمعة التي ظهرت في عينيك، فعلا أي مشهد بهذا الفيلم حسيت فيه بالوجع، التفاني بالحب أو الشجاعة بإظهار المرض جهارا؟ 'أكيد الحب، لأن أنا مؤمنة بأن السينما قبل أن تكون قصة كبيرة هي قصة صغيرة، التاريخ الكبير معمول من تاريخ صغير، قصص إنسانية صغيرة، قصص الحب هي التي تجعل الجمهور يتفاعل حتى مع المرض، نحن لم نعمل فيلما وثائقيا عن مرض (الإيدز)، نحن عملنا فيلما عن أشخاص يحبون، يحزنون، يبكون، وعندهم إحساس بالقهر وإحساس بالظلم، إحساس بأن لا يعاملوا على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، كل هذا عمره لم يتحول إلى سينما، سوف يظل في إطار وثائقي، إلا لو وضعنا مشاعر كل الإنسانية تتقاسم هذه المشاعر وهي مشاعر حب حقيقي، حب للرجل، حب لابنتها، الأشياء التي تجمعنا كلنا، ماذا يجمع 'أسماء' بامرأة في نيجيريا، شافت الفيلم وبكت؟ ماذا يجمع 'أسماء' بامرأة سويدية شافت الفيلم وبكت؟ مشاعر الأم ومشاعر الزوجة، مشاعر المرأة التي لم تحصل على حقوقها، أسماء ليس فيلما عن المرض، إنه فيلم عن خوف، فيلم عن تمييز سواء كان تمييز الجنس، أو تمييزا دينيا، أو تمييزا عرقيا، أو تمييزا عن طريق المرض. الله عالم نحن كم عندنا تمييز في مجتمعاتنا العربية، ولازم نبدأ نتعامل معه خصوصا في الظروف الراهنة وما فيها من ربيع عربي وحرية ومواطنة. 'أسماء' يتكلم عن المواطنة كذلك، إنها مواطنة درجة ثانية، بل لا تعتبر نفسها مواطنة حقيقية ولها حقوق في هذا البلد'. بعض المشاهدين اعتبروا الفيلم مرتبطا بثورة الشعب العربي، في تونس وفي مصر وإن أحداث الفيلم هي من وحي الثورة، ما هي رؤيتك للأعمال السينمائية التي ستقدم بعد الثورات العربية، وهل نعتبر فعلا فيلم أسماء هو بداية؟ - 'فيلم أسماء رغم أنه تصور قبل الثورة، لكني أعتبره فيلما ثوريا، أعتبره في معاني ثورات، معاني الكرامة، معاني العدالة الاجتماعية، هو ينقد موضوعا مهما قامت من أجله الثورة وهو النظام الصحي، نظام التعليم، في مجتمعنا أطباء اليوم يخافون أن يعملوا عملية لواحدة عندها مرض الإيدز، لأنهم جهلة طبعا الجهل ليس له علاقة بالتعليم، له علاقة بالمنظومة الاجتماعية، طبعا الثورة قامت من أجل كل هذا، من أجل أن نحظى بفرص متكافئة بالتعليم، بالصحة، لأن نعيش كمواطنين وليس كحيوانات بس لازم تأكل وتشرب، وكمان مش تأكل وتشرب، فعلا 'أسماء' هو فيلم ثوري رغم أنه صور قبل الثورة'. في موضوع الطفلة التي ولدت سليمة ولم تحمل فيروس المرض رغم إصابة الأب والأم، هل الجنين فعلا يمكن أن يكون عنده مناعة ولا يحمل العدوى، هل اعتمدتم على إثبات طبي بذلك أو افتراض سيناريو؟ - 'لا أبدا نحن اشتغلنا مع مختصين، كان عندنا كل المعلومات لم نقدم أي معلومة خاطئة لأن هذه أمانة في رقبتنا، لأن ولادة المرأة الحامل للفيروس لازم تكون ولادة قيصرية، لأن الخطر بيكون عندما يختلط دم الأم الحامل للفيروس بدم الجنين، فالولادة القيصرية تمنع هذا الاختلاط، لكن هناك احتمال 2% فقط، بأن الطفل يكون حاملا للفيروس، لذلك الدكتور بالفيلم قال لها لو أخذت بالك ما يجيلك، كان لازم تولد قيصرية لأن دم الأم لا يختلط بدم الجنين، هذه معلومة وأنا قابلت كثيرا من المصابين ولاثنين مصابين الأب والأم وقرروا أن ينجبوا طفلا رغم احتمال إصابته 2% لكن كمان الإنجاب حلم من أحلامهم فيه منهم أطفالهم حاملين للفيروس لكن غير نادمين، ومنهم أطفالهم كانوا سليمين'. لمحة عن العمل: تدور الأحداث حول أسماء، وهي سيدة في العقد الرابع من عمرها تعاني من الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة/ الإيدز. انتقلت بعد وفاة زوجها إلى القاهرة بصحبة أبيها وابنتها المراهقة. تعاني أسماء من مشاعر العزلة الاجتماعية والخوف من اكتشاف أمر مرضها، حتى وإن كان لأقرب المقربين إليها. كانت أسماء تعاني من عدوى حميدة لعدة أشهر، ونتيجة لمرضها لم يوافق أي طبيب على إجراء عملية جراحية قد تمكنها من الشفاء بسهولة. كان عليها أن تجد حلاً لمشكلتها قبل أن تتدهور حالتها وتتطور إلى مرحلة مميتة. حصلت أسماء على فرصة الوصول لحل عندما عرض عليها الظهور في أحد البرامج الحوارية التليفزيونية الشهيرة. ظهورها هو بمثابة فرصة أخيرة لتأمين حقها في الحصول على العلاج. وخلال ساعات قليلة، كان على أسماء أن تختار ما بين فضح سرها أو أن تواصل معاناتها في صمت... يقول المخرج عمرو سلامة: 'كانت رحلة صناعة فيلم 'أسماء' رحلة استكشافية، شعرت فيها أني أشاهد فيلم يتم صنعه بدلا من صناعته مستخدما جميع العناصر التي نظمتها مسبقا في تفكيري. بدأت قصة 'أسماء' منذ ستة أعوام عندما كنت أخرج فيلما وثائقياً. وفي ذلك الوقت كنت أجري مقابلات مع العديد من الحالات المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز في مصر. وعند التحدث معهم، كنت مندهشاً وغاضباً في نفس الوقت من رفضهم التام للظهور أمام الكاميرات والكشف عن هوياتهم وطلبهم مني إخفاء وجوههم كما لو كانوا قتلة أو مجرمين. حاولت أن أفهم السبب وراء ترددهم وعدم اطمئنانهم ومخاوفهم. وفي النهاية عندما لم أستطع الوصول إلى استنتاج منطقي حول رفض هؤلاء الأشخاص الخروج من القوقعة القابعين داخلها بالرغم من شجاعتهم وطيبتهم، بدأت في إدراك أن الفيروس الحقيقي هو في عقول الأشخاص الذين يشاهدون ويحكمون. أتذكر الشعور بالغضب والاستياء من الظلم الذي يضطر هؤلاء الأشخاص إلى تحمله، وشعرت أنهم يستحقون مزيداً من الاهتمام لا يمكن تحقيقه والحصول عليه من من خلال فيلم وثائقي صغير يتحدث عن المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ومعالجته في مصر. شعرت أن بعضا من قصصهم تنتمي إلى مرحلة أكبر. ولكن هل كان هذا سببا كافيا لخوض عناء صنع فيلم كامل متميز؟ فبعد كل شيء، حتى وإن كان هناك عشرات الآلاف من حالات الإصابة غير المعلنة بفيروس نقص المناعة البشرية في مصر، وهو ما قد يبدو عليه الحال وفقا لإحصاءات الأممالمتحدة، فهل سيكون ذلك كافيا للتوصل إلى قصة تحرك الجميع وليس فقط هؤلاء الذين تشغلهم حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية؟ وفي النهاية أدركت أن ما هو مشترك بين جميع الحالات التي أجريت معها مقابلات شخصية يتمثل في موضوع الخوف: أولا بسبب الصورة السلبية التي يراهم المجتمع عليها، والتي ترجع إلى حد كبير إلى الجهل ووضع المحرمات الدينية في غير موضعها. وثانيا الخوف من مواجهة المجتمع. وبالتالي فإن 'أسماء' ليس فيلما يتناول مرضاً ما، وإنما هو فيلم يتحدث عن امرأة اعتبرت مذنبة وحكم عليها من منظور التصورات الراسخة لدى المجتمع، إنه يتحدث عن كيفية تشجعها للتغلب على خوفها ومواجهة هؤلاء الذين حكموا عليها. إذا كان صحيحا أن الإعلام يلعب دورا حيويا في تصور الناس، فإن القول أكثر صحة في العالم النامي، خصوصا في بلد مثل مصر يوجد به جماهير غير مثقفين تغلب عليهم العاطفة ويتأثرون بسهولة بالوسيلة. أدركت على الفور أنه لكي أقدم فيلما يتناول حالة من الحالات المصابة بفيروس نقص المناعة البشرية التي تكافح من أجل الوصول إلى حقها في حياة طبيعية، فإنه يجب أن يحتوي ذلك على تدخل الوسائل الإعلامية بطريقة ما'. وقد أبدع الفنان المصرى ماجد الكدواني، في أداء دور الإعلامي في الفيلم، حيث نال جائزة أفضل ممثل عن دوره فى فيلم ' أسماء' في مهرجان أبو ظبي السينمائي.