في الوقت الذي كانت فيه صالة عيادة الحوادث باحد المستشفيات الحكومية تضج باستقبال الحالات مساء ذلك اليوم، لفتت انتباهي جملة الاسئلة التي كان يطرحها ذلك الطبيب علي مريضته التي تشير ملامحها الى انها في منتصف العقد الاول من العمر، ومع كل سؤال منه كانت تحني رأسها خجلا، وتجيب بالانابة عنها والدتها بصوت منخفض، واحيانا تدنو برأسها الى ابنتها لتسمع منها قبل ان تجيب على الطبيب. وبعد برهة من الزمن جلت ببصري في الصالة، ولكني وجدت نفسي انني لم اكن وحدي من انتبه الى ذلك الحوار الذي وصلتنا اسئلته دون الاجابات التي توارت وراء صوت والدة المريضة المنخفض، استهجنت وقتها تصرف الطبيب وماذا كان سيضيره ان كان خفت صوته قليلا حتى تكتفي تلك الفتاة بآلمها بدلا من ان تضيف اليه ذلك الحرج الذي لفت اعين بعض المرضى والمرافقين لها، إذاً فتجنباً لذلك الحرج يظل بحث الفتيات مستمراً عن بديل مسكن للألم بدلا من الاستعانة بأطباء النساء والتوليد. ولكن اين يكون ذلك البديل ؟؟وهل يغني عن مراجعة ذوي الاختصاص؟ وكيف يمكن أن نزيل ارتباط الفهم العام بمراجعة الفتيات لأطباء النساء بوصمة تتعلق بالشرف في اقسى مراحلها، وبمشكلة في مستقبل الأمومة في ارفع درجاتها، وبالعديد من الاستفهامات الحائرة في اذهان العديدين، وحتى اذا لم ينطقون بها قد تطرحها نظراتهم في صمت قاتل. ومن المتعارف عليه أن غالبية الفتيات يتعرضن للاصابة بامراض النساء خلال فترتهم الانجابية، واكثر ما تتعرض له الفتيات اضطرابات الدورة الشهرية والالتهابات، ولكن من الملاحظ أن هذه الغالبية قلة قليلة منها تتردد على عيادات النساء والتوليد لمراجعة وضعها الصحي، وحتى هذه القلة قد لا يسوقها الا «الشديد القوي» بعد أن تضغط عليها الآلام، وعندها تضطر الى البحث عن طبيبات داخل عيادات النساء. وفي الجانب الآخر نجد من يكتفين بالبحث عن أخذ الاستشارات عبر التلفونات، ولكن الخطر الاكبر يقع على من يعتمدن على اخذ الادوية من الصيدليات، ولعل كل ذلك يرجع الى الخجل والخوف من المجتمع، وما قد يرتبط في الاذهان من تردد الفتاة على عيادات النساء. وبحديثي مع العديد من الفتيات اختلفت آراؤهم، فمنهم هيام أحمد ابنة العشرين عاماً التي رفضت فكرة ذهابها لطبيب نساء اطلاقا قبل الزواج حتى وان كانت طبيبة، وقالت سارة التيجاني إنني اكتفي بأخذ العقاقير من الصيدلية من خلال الشكوى التي أخبر بها الدكتور الصيدلي، وعلى أساسها يعطيني العلاج المناسب لحالتي، بينما ترى ايمان الزين الطالبة في احدى الكليات العلمية أن ذلك من الممكن في حالات الاستشارة فقط، وبجلوسي الى حاجة النعمة سعيد التي لا يقل عمرها عن الخمسين عاما، افادتني بأنه في السابق لم تكن هناك امراض تحتاج الى الذهاب الي «الدكاترة» بحسب لفظها، وارجعت ذلك إلى زواج الفتيات في سن مبكرة. ولكن عند الحديث عن هذه القضية كان لا بد لنا من الحديث مع احد المتخصصين في هذا المجال، وعندها كان حديثنا مع إحدى اختصاصيات امراض النساء والتوليد التي فضلت حجب اسمها، بعد أن تحدثت الينا وافاضت، وابتدرت حديثها بالقول: قلة قليلة من الفتيات يترددن على عيادات النساء والتوليد، وهن حتماً الاقل تردداً اذا ما قارنا ذلك مع تردد المتزوجات، مع أن ذلك لا يعطي مؤشراً إلى قلة احتياج الفتيات الى مراجعة الطبيب في حالات المرض، ولكن يكون ذلك نتيجة لطبيعة الفتيات التي منها الخجل والحياء عندما يتعلق المرض بتلك الاعضاء الحساسة، ومكمن الخطر يكون في ان ذلك الخجل يكون سبباً في أن تصبر الفتاة على مرضها لفترة قد تطول، واذا ما اشتد عليها المرض قد تلجأ في الغالب الاعم الى الصيدليات وتعاطي علاجات وعقاقير غالباً ما تكون غير مناسبة أو خاطئة، مما يضاعف حدة المرض بمرور الايام، بعد أن يكون قد حدث تراكم للمشكلة وتعقيدات كبيرة تضطرها في النهاية الى الرجوع لجهة الاختصاص. وعن امراض الفتيات تضيف: إن معظم الحالات المترددة عليها في العيادة هي حالات الالتهابات لفتيات في مرحلة البلوغ، وحالات لمن يشتكين من اضطرابات الدورة الشهرية والالتهابات في الجهاز البولي والأجهزة التناسلية لطالبات المرحلة الثانوية ومرحلة الجامعات، نتيجة لاستخدام الحمامات المشتركة، فهي اكبر مهدد لانتشار العدوى بين الطالبات. وفي تفصيلها لنا عن ضعف إقبال الفتيات على عيادات النساء تقول: هناك جملة اسباب تختلف من فتاة لأخرى، وفي عمومها ترجع لخجل البنت الذي يمنعها من الذهاب الى المستشفيات العامة، في وقت قد لا تملك فيه ثمن تذكرة العيادة الخاصة، لأنها في هذه المرحلة العمرية تكون غالباً طالبة ومصروفها لا يسمح لها بأن تدخل عيادة. وفي المقابل يقف الحياء ويمنعها من دخول الحوادث نتيجة لحديث الاطباء بصوت عالٍ، الأمر الذي يضعها في وضع حرج. وفي الاتجاة الآخر الأمر الذي لا يمكننا أن نتجاوزه، هو وجهة النظر الاجتماعية، حيث نجد أن للمجتمع رؤية خاصة عن ذهاب الفتيات الى أطباء النساء، لأن ذلك يطرح في أذهانهم العديد من التساؤلات التي تحمل في مضمونها الفهم الخاطئ الذي يؤدي الى وصم الفتاة بشيء ليس فيها. ومن الملاحظ أن أغلب المريضات فتيات قصر، وغالباً ما تأتي المشكلات بعد سن البلوغ، وتكون الفتاة لا تدري أبعاد المشكلة التي قد تنجم عن عدم ذهابها للطبيب، لذا تسكت على المرض لفترة طويلة، وقد تذهب الى الصيدليات من اجل البحث عن مهدئات للألم وبصمت تام، وتذهب في حديثها إلى ضرورة مراعاة الخصوصية من قبل الطبيب لمريضه، وهذا السلوك جزء من الاخلاق والتربية والدين التي تدعونا في مجملها الى أن نحافظ على اسرار المرضى ونتعامل معهم باخلاق ومهنية، وبالذات في جانب امراض النساء لأن امراضها عالية الخصوصية وتمس نفسيات المريضة خاصة بالنسبة للفتيات، فالمرض المتصل باعضاء الانجاب يكون محرجاً اكثر من اي عضو آخر، باعتبار انها مصدر حياء لها وخجل تسعى الى مداراتها والابتعاد عن الحديث عنها. ولكنها ترمي بالمشكلة على عاتق المجتمع الذي كان السبب في تخوف الفتيات من الذهاب لاطباء النساء، ولكن في الاوضاع الحرجة تضيف: في الاغلب الاعم تحضر الفتاة برفقة ذويها، وهناك فتيات لا يتحدثن عن المرض الا بملاحظة امها او جدتها الى حالتها ومرضها. ومع ذلك نجد ان هناك فتيات يحضرن الى العيادة برفقة صديقاتهن، في حين نجد أن المريضة وصديقتها دون سن المسؤولية، فلا تستطيع ان تعتمد على صديقتها في ائتمانها لسر مرضها، وهذا ما يجب مراعاته من قبل الاطباء. وبعيداً عن زيارة الفتيات للأطباء قريباً من الحالات المرضية التي قد تنجم عن تأخرهن، والمشكلة التي يخلقها الخفاض الفرعوني، تفصل بالقول: ان الخفاض يزيد تعقيدات المشكلة، وان كان قد قل كثيراً جداً في الجيل الحديث، خاصة بعد ظهور جمعية محاربة الختان وجمعية محاربة العادات الضارة مقارنة بالاجيال الماضية، خاصة لفتيات دون سن العشرين، فالخفاض يؤدي الى تراكم البكتريا والاوساخ تحت الغطاء الجلدي، مما يخلق مشكلة مستقبلية تعرف ب «كيس الطهارة» الذي تتجمع فيه البكتريا تحت الجلد وبعدها يأخذ هذا الكيس في النمو ببطء شديد وعلى مدى سنين وبدون ألم. واستدركت قائلة: ولكن هناك الكثير من المهازل التي تكون سبباً في أن تختار الكثير من الفتيات الصيدليات بديلا من الاطباء. وكل هذا يمكن تداركه ووضع الصحة ضمن اولويات الاهتمام بدون الوقوف عند الخجل في الحالات المرضية، وذلك من خلال اتباع نشر ثقافة الوعي الصحي في المدارس للطلاب والطلابات قبل مرحلة البلوغ في مستوى الصف السابع والثامن، بضرورة أن ترجع البنت الى والدتها وتحكي لها عن أية اعراض او آلام تشعر بها، وأن تؤكد لها أمها أن الطبيبة هي أمها واختها الكبرى، وأن تنشئها على أن هذا العضو حياتها، وهو ما يمثل أنوثتها وشخصيتها وكيانها ومستقبلها عندما تصير أماً. الصحافة