بدأت اسعار الدولار تشهد ارتفاعاً ملحوظاً بالسوق الموازى منذ مطلع العام 2009 نتيجة لتراجع عائدات النفط جراء انخفاض اسعار النفط فى الاسواق العالمية الى دون الاسعار التى نصت عليها الموازنة العامة للدولة للعام 2009 ، الامر الذى اضطر الحكومة الى اللجؤ للسحب من حساب تركيز البترول وقسمته مع حكومة جنوب السودان قبيل الانفصال ، واستمرت الوتيرة التصاعدية لاسعار الدولار نتيجة لتراجع عائدات النفط وتزايد الطلب الحكومى على الدولار بغرض الوفاء بمتطلبات السلام وهياكله وتسيير دولار الدولة والصرف على متطلبات اجراء استكمال اتفاقية نيفاشا خاصة اجراء ( الانتخابات والاستفتاء )، حيث تحملت الحكومة هذا الصرف الذى يتطلب نقد اجنبى دون دعم من المجتمع الدولى او بدعم محدود وضعيف . وبعد الانفصال وفقدان عائدات النفط مع تراجع عائدات الصادرات غير البترولية لنحو مليار دولار، ارتفعت اسعار الدولار بالسوق الموازى بصورة ملحوظة لتقترب فى الاسبوع الاول من اكتوبر من العام الماضى (2011) من (5) جنيهات للدولار مقابل الجنيه السودانى، الامر الذى استدعى تدخل الحكومة لاحتواء الموقف وارسال تطمينات للسوق المتعطش للدولار، ولكبح جماح ارتفاع الاسعار بالاسواق المحلية ومحاربة الغلاء الى جانب الوفاء باغراض النقد الاجنبى الاخرى من بينها السفر والعلاج واداء شعيرة الحج، ولذلك جاء لقاء رئيس الجمهورية بالقطاع الاقتصادى لمعرفة التدابير التى اتخذت لمواجهة الغلاء وارتفاع اسعار الدولار ، وعقبه لقاء النائب الاول لرئيس الجمهورية بوزير المالية ومحافظ بنك السودان والذى صدرت بعده قرارات وتوجيهات بمزيد من ضخ النقد الاجنبى الى جانب التلويح بمعاقبة تجار العملة ومضاربين فى اسعار الدولار. ولكن خبراء الاقتصاد يرون أن التهديدات والاجراءات الادارية ليست الحل للحد من ارتفاع الدولار او تحجيم نشاط السوق الموازى، وايقاف تدهور الجنيه وانخفاض قيمته المستمر امام الدولار ليبلغ الانخفاض نحو (50%) من قيمة الجنبيه وفقاً للاسعار الرسمية للجنيه مقابل الدولار والتى تعادل (2) جنيه، (76) قرش، بينما الاسعار فى السوق الموازى نحو (4) جنيهات، (80) قرشاً، ويؤكد الخبراء ان الحل الامثل لقضية ارتفاع الدولار والحد من تاجع قيمة الجنيه يمكن فى شيئين،اولهما: استقطاب قروض من دول صديقة اوشقيقية لبناء احتياطيات من النقد الاجنبى ببنك السودان المركزى تصل الى (5) مليارات دولار ، وثانيهما: تشجيع الاستثمارات الاجنبية لزيادة الانتاج وتامين السلع والخدمات وبالتالى تخفيف الضغط على طلب الدولار وخفض اسعاره فضلا عن معالجة الاسباب الحقيقية لارتفاع الدولار والمتمثلة فى شح النقد الاجنبى وضعف الصادرات وتزايد الطلب الداخلى للاغراض كافة ،والحد من المضاربات فى سعر الدولار من قبل تجار العملة، ومراجعة سياسات بنك السودان تجاه النقد الاجنبى التى ادت لحالة من (الهلع او القلق) بالاسواق ادت لاستمرار ارتفاع الاسعار و يرى د.عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادى المعروف أن هنالك جهات ببعض دول الجوار وراء ازمة ارتفاع اسعار الدولار بالسوق الموازى السودانى ، تعمل على المضاربة فى اسعار الدولار وافتعال الندرة ، وتخريب الاقتصاد الوطنى. ويؤكد د.عادل ان مواجهة هؤلاء المضاربين من خارج الحدود لن يكون بالاجراءات الادارية والتلويح بايقاع عقوبات او اعتقالات او غيرها، وانما الحل يمكن فى احداث وفرة فى عرض النقد الاجنبى عبر استقطاب قروض من دول صديقة اوشقيقة لبناء احتياطيات كافة من النقد الاجنبى لمواجهة الطلب المتزايد على النقد والتوسع فى الاقتصاد الوطنى الذى انعش هذا الطلب على النقد الاجنبى بالاضافة الى تشجيع الاستثمارات المحلية والاجنبية بغرض زيادة الانتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتى من العديد من السلع الاستهلاكية التى يتم استيرادها الان بمبالغ ضخمة. حرب عملات لكن د.عثمان البدرى الخبير الاقتصادى المعروف يؤكد ان هنالك (حرب عملات) بين شمال وجنوب السودان ، ولم يستبعد ان تؤدى هذه الحرب الى ارتفاع اسعار الدولار بالسوق الموازى ، ومضى الى القول بان: الاسباب الخارجية معروفة، والحروب تستنزف اموال كثيرة ولكن بعد التركيز على الاسباب الخارجية لابد من التركيز على الاسباب المباشرة لارتفاع اسعار الدولار والتى من بينها خروج (موارد النقد الاجنبي) الاساسية خاصة البترول بعد الانفصال وانعكس هذا الخروج سلباً على التوسع الذى حدث فى الاقتصاد فى ظل الوحدة ، بزيادة الطلب بصورة كبيرة على الدولار، والتوسع فى الطلب غير الضرورى ، والطلب غير المنتج، وضعف الضوابط على النقد الاجنبى من قبل بنك السودان المركزى فى زمن الوفرة والسودان الموحد، خاصة على تحاويل العملات الصعبة للخارج، والتركيز على خيار وحيد (النفط) فى توفير النقد الاجنبى واهمال خيارات اخرى كالصادرات غير البترول ، بل حتى الذهب والاهتمام به لم يتم ،إلا بعد خروج النفط . وحول العلاقة بين الجنيه والدولار صعودا وهبوطاً قال د.البدرى العلاقة هى بين الجنيه وقيمته الشرائية التبادلية الداخلية فهى ( منخفضة) الان ، اما الدولار فهو عالمياً منخفض بينما اسعاره محلياً مرتفعة وبالتالى لا توجد علاقة عكسية او طردية بين الجنيه والدولار صعودا وهبوطاً، فبينما ينخفض الدولار عالمياً يرتفع سعره داخلياً ، وهذا يؤكد وجود خلل فى المعادلة الداخلية بتوسع الطلب على السلع والخدمات الخارجية حتى فى زمن البترول او قبل الانفصال. واضاف : الان العجز فى الميزانية شكل ضغطاً على الدولار والجنيه بارتفاع الدين الداخلى، وحتى سوق الخرطوم للاوراق المالية اصبح سوق (للاستدانة الحكومية من الجمهور) مما يؤدى لزيادة العجز فى الايرادات، وبالتالى اذا لم تتم معالجة العجز الكبير، والخلل الهيكلي فى بنية الميزانية او المالية العامة سيكون العجز كبير، فالحل فى اعادة النظر فى هيكل الميزانية الذى يعتمد الان على فرض الضرائب غير المباشرة والقيمة المضافة والجمارك، بينما الحل يكمن فى اعتماد الميزانية فى الاصل على الضرائب المباشرة والمتمثلة فى ( ضرائب ارباح الاعمال والدخل الشخصي) لا فرض الضرائب غير المباشرة . ويرى د. البدرى ان حل أزمة ارتفاع الدولار يكمن فى استقطاب قروض خارجية بمبلغ (5) مليارات دولارمن الدول الصديقة كالسعودية ودول الخليج والصين لدعم ميزان المدفوعات كحل عاجل، الى جانب اعادة النظر فى السياسات النقدية والتمويلية، وتشجيع الانتاج عبر وضع خطط سليمة وواقعية لاستغلال الامكانيات المتاحة بالمشاريع الزراعية المروية بمعالجات ليست كبيرة لسد الفجوة فى توفير السلع والخدمات وخلق وظائف لمعالجة مشكلة البطالة بالاضافة الى اعادة ضبط المؤسسات المالية والبنوك والصرافات للحد من انزلاق او ارتفاع اسعار الدولار بان يتم تحجيم عمل الصرافات التى قال انها تسببت فى ارتفاع اسعار الدولار ولا يوجد مبرر لعمل هذه الصرافات الخاصة طالما انه توجد صرافات تابعة للبنوك، كما لابد من الهدوء السياسي من قبل الاحزاب السياسية كافة لضمان التوصل الى استقرار اقتصادى وسياسي شامل يمكن عبره تجاوز الوضع الراهن. وفى السياق عزا د.سيد على زكى وزير المالية الاسبق ارتفاع اسعار الدولار للممارسات الخاطئة من قبل من وصفهم ب(المغامرين والمضاربين) فى اسعار الدولار بالسوق الموازى، الى جانب شح النقد الاجنبى حيث لايفئ العرض من النقد بالطلب عليه خاصة بعد ان فقدت البلاد الايرادات النفطية جراء انفصال الجنوب فضلا عن التوسع الذى حدث فى الاقتصاد وادى الى زيادة الطلب على النقد الاجنبى ، ليبدأ الاقتصاد مرحلة جديدة من الانكماش الاقتصادى ينبغى معالجته عبر زيادة الانتاج لتغطية الاستهلاك . واضاف د.زكى : التجارة فى الدولار محدودة، خاصة وان السوق صغير واى زيادة فى الطلب على الدولار تحدث ارتفاع فى الاسعار وبمجرد الدخول لشراء مليون دولار من السوق ترتفع الاسعار، ووصف د.زكى ارتفاع الدولار بالظاهرة الموسمية بمجرد عودة المغتربين او التصدير يرتفع الطلب، وبتصدير البترول كذلك ترتفع الطلب واردف : ( الان البترول مافى،ولكن ظاهرة ارتفاع الدولار ارتبطت بالبترول وتصديره ولذلك انعدامه اثر على اسعار الدولار فى السوق الموازى). وعضد د. زكى من القول بان حل مشكلة ارتفاع اسعار الدولار فى استقطاب قروض خارجية من دول لصديقة لبناء احتياطيات من النقد الاجنبى خاصة من السعودية ودول الخليج وايران، اذا ثبت لهذه الدول مصلحتها مع النظام الحاكم بالبلاد . الراي العام