والأرض مغطاة بالتعب والشمس في كبد السماء تمضي نحو المغيب، كانت المساحة المخصصة لموقف المواصلات تعج بالناس ولن أكون مبالغة إذا وصفتها بأنها كانت تئن من كثرة الناس عليها وهم يقومون بممارسة مهامهم اليومية، مابين الهرولة خلف المركبات العامة تارة وتارة أخرى يعودون للوقوف، وفي بعض الأحيان الجلوس من كثرة الرهق الذي بات السمة المميزة لإنسان هذه البلد المغلوب على أمره. أصبحت المركبات العامة وما يتعلق بها مثل المسلسلات التركية التي لاحدود معها، ففي كل يوم يتكرر المشهد ذاته، يستيقظ كل من لم ينعم الله عليه بعربة والهموم تضج بين الضلوع عند التفكير في حال مواقف المواصلات التي حضر فيها الناس، بينما تغيبت المركبات، وإن وجدت فسيردد سائقوها عبارة "ماراجعين" من أجل "الزوغان" من الحملات المرورية والايصال "ابو تلاتين" الذي قد يذهب بالتوريدة "شمار في مرقة"، وأن ابتسم الحظ صباح ذلك اليوم بمركبة تقلك الي مكان العمل فقطعا لن يبتسم مرة اخرى منها في طريق العودة. تظل تفاصيل حلقات هذا المسلسل اليومي محفوظة في ذاكرة المواطن الذي يقضي جل وقته في البحث عن مركبة تقله إلى مقصده، في المركبات العامة حدث ولاحرج مكالمات هاتفية "خاصة جدا في أماكن عامة جدا" ومشاجرات بسبب تعريفة المواصلات التي يبتدعها السائقون بحسب أهوائهم بدون رقيب عليهم فيثير ذلك اختلاف في آراء الركاب مابين ممتعض من مايسميه "حرمنة" من السائق واستغلالية لظروف الناس الذين أدمت أقدامهم جراء الوقوف الطويل ومابين متعاطف معه باعتباره أيضا مواطنا مغلوبا على حاله يبحث عن لقمة العيش في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، فتصم الآذان أصواتهم المتجادلة والمختلطة بالكاسيت العالي الذي حتى الآن لم تتضح الشرعية في تحديد المقدم من أغنيات عبره للسائق أم الركاب . على الرغم من أن الركاب رجالا ومؤخرا نساء باتوا يرتادون المركبة عبر منافذ الشبابيك والباب قبل حتى توقفها، ولكن برغم ذلك ظهرت وظيفة لا أعرفها تتبع لمن للمحلية أم إلى أي جهة أخرى!! ألا وهي "الطراح" الذي ما أن تمتلئ المركبة إلا ويطالب سائق المركبة بحقه الذي هو قيمة التعريفة المحددة للراكب، بعض السائقين يدخلون معه في جدل والآخر مستسلما يقوم بمناولته القيمة، ودائما ما أقف أنا متسائلة عن أحقيته في هذه النقود. حقيقة أن مسألة المواصلات في الخرطوم تحتاج لجراحة عاجلة لاستئصال الداء، والذي قطعا مع طول المدة قد يستفحل، وتظهر أعراضه الجانبية التي تؤثر في الاقتصاد القومي بصورة مباشرة. الاخبار