نشرت الصحف السودانية الأسبوع المنصرم القصة الكاملة في القبض على أخطر محتال عقاري في السودان، حيث أكدت الشرطة أن المتهم استغل شكله في تسهيل عمليات الاحتيال، ووصفته الشرطة بأنه (وسيم وأصفر اللون .. وطويل القامة)، وأضافت أن الضحايا وقعوا أسرى هذه المواصفات (الجسدية) للمحتال..! في المجتمع العربي عموماً بل والعالم أجمع، تلعب صفة طول القامة مرتكزاً جمالياً وقيادياً لصاحبها، ففي السودان مثلاً تتهافت الأغنيات النسائية في تمجيد صاحب القامة الطويلة، وفي الغرب يكون التوظيف بناءً على المواصفات الجسدية وأولها طول القامة، والترشيح الرئاسي في أمريكا تلعب فيه الملامح الجسدية الدور الأساسي للفوز، حيث أشارت التقارير أن مرشح الرئاسة السابق بيل كلينتون فاز بالرئاسة بسبب كثافة التصويت النسائي له، والسبب أنه كان (طويل القامة).. ولطول القامة طرائف، وكذا محن ومفارقات.. وهاكم الأمثلة، جمال عمر يقل طوله عن المترين بسنتيمترات قليلة، وبسبب هذا الطول الفارع حدثت له العديد من المشاكل، ففي المدرسة كان مشرف الفصل يختاره دون غيره ليكون (الألفة)، وفي الشارع يتحرش به الصبية ويرشقونه بالكلمات: (طولو طول النخلة وعقلو عقل السخلة)، وكانت صبايا الحلة يرددن حينما يعاكسنه (نظرة يا أريل).. في رواية (ضو البيت) للأديب العالمي الطيب صالح، كان بطل الرواية اسمه محجوب وكان يتعرض دوماً إلى استفزازات وهجوم من (صعاليك) القرية، ومحجوب كان ذا مكانة ورفعة وقوة جسدية اضافة إلى طول في القامة كانت السبب في مهاترات الآخرين صوبه، وكان محجوب يشكو حاله لرجال القرية وهو تحت وقع الاستفزازات المستمرة بقوله: (يا جماعة الزول دا كان ضربتو بقولوا محجوب دا حقّار دقّ واحد أصغر منو.. وكان خليتو بيقولوا محجوب دا جبان)..!! عابدين عبد الرحمن عملاق آخر تجاوز المترين بسنتيمترات، وكانت هذه (العملقة) مثار فخر له، وبما انه عملاق كان يرى أن على الآخرين احترامه بالشكل الذي يليق ب(مقامه)، ومن الأشياء التي تشغل ذهنه باستمرار أن يتحلى بأخلاق (العمالقة) وهي أن يكون قوياً وينتصر في كل المشاجرات، يعني لازم يطلع (الأول).. معتز الجاك كانت عنده مشكلة عويصة مع طول قامته، وهذا الطول كان يفسد عليه جميع (مشاويره) حيث كان يتفادى الركشة وعربة الأمجاد، ويتعب جداً من (كراسي النص) في الحافلات، وأخيراً اهتدى معتز لحل مشكلته، فقام بشراء (موتر).. معاوية طويل جداً كانت لديه (عقدة) من البنات (قصيرات القامة) خصوصاً انه ينوي الزواج، وللمفارقة ان جميع الفتيات اللائي أحببنه كُن ذوات قامات قصيرة، والسبب معروف وهي أن الفتاة القصيرة تحاول سد باب النقص بالزواج من (واحد طويل).. د. عثمان يحيى اختصاصي علم النفس يعتقد أن طول القامة منحة منحها المجتمع لأصحابها بأنه ذو مهابة خاصة ومكانة اجتماعية واحترام فائق، ومجتمعنا الشرقي كما يقول د. عثمان لديه استعداد نفسي لهذا الأمر فأحياناً يمنح طوال القامة مواقف ليست لهم فقط لأنه طويل القامة، فقد يكون صاحبها جبان أو غير لبق أو مثقفاً أو حتى محتالاً وهذا لا يمنع كما يرى عثمان أن هناك هشاشة في توزيع الأدوار الاجتماعية لدينا، ويشير إلى أن المثل الشعبي (فحل البصل في الحواشة هيبة) غير صحيح على الدوام، فقد يكون هذا الفحل مريضاً أو هش الساق أو غيره. والخلاصة كما يقول د. عثمان في قيمة الأدوار الايجابية التي يلعبها أفراد المجتمع وليس بمواصفاتهم الجسدية..!! الراي العام