تشكل العطالة في السودان واحدة من أهم مشكلات التنمية الاقتصادية، وبالرغم من أن السنوات العشر الأخيرة شهدت تفاؤلاً من بعض قطاعات المجتمع السوداني بتحسن الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للشباب، وذلك بعد البدء بتصدير البترول وتوقيع اتفاق السلام الذي أوقف حرباً استمرت لأكثر من عقدين في جنوب البلاد الا أن الواقع يؤكد أن معدلات العطالة فى تزايد مستمر. وانتظمت امس الاول امتحانات لجنة الاختيار العامة للوظائف في عدد من الوزارات بولاية الخرطوم والتي احتشد لها قرابة المليون خريج ويزيد والكل يمني نفسه باغتنام وظيفة في الدواوين الوزارية بحثا عن الحقيقة (الاحداث) جلست إلى عدد من خريجي الجامعات الجالسين للإمتحان من تخصصات مختلفة وسألتهم عن آرائهم وتطلعاتهم المستقبلية على الصعيد الشخصي وعلى صعيد التنمية في البلاد ككل. هاني محمد عبدالملك خريج علوم وتقانة المعلومات» قال ان الواقع الاقتصادي في غاية السوء لأن الحرب تستنزف قسماً كبيراً من ميزانية السودان، فكيف يمكن التفاؤل بخلق فرص عمل جديدة وحتى الفرص القليلة المتاحة لا يعمل فيها أصحاب المؤهلات لأن الواسطة تلعب دوراً كبيراً في تعيين المتقدمين للوظائف في الكثير من الجهات ،أما على مستوى الامتحان فالعدد الجالس كبير ولا اعتقد ان الحاجة شغل الوظيفة تتعدى ال(12) خريج لذا نحن بنعمل العلينا» على حد تعبيره. أما أيمان علي «قالت أتمنى أن يتغير الحال في المستقبل القريب، ومن الضروري أن تنشىء الدولة مشروعات لاستيعاب الخريجين الجدد، وأرى أن تتنوع تلك المشروعات بين الزراعة والصناعة حتى لا يكون الاعتماد على قطاع البترول فقط». ويرى خضر الرشيد ان السبب الرئيسي للعطالة في السودان هو المحسوبية في التعيين وعدم وجود شفافية في اختيار المرشحين لتوظيف والوضع الاقتصادي الراهن والسوادن أصبح من الدول البترولية إضافة إلى أن السودان غني الموارد الأخرى وهنالك عدد كبير من الجامعات والمعاهد العليا ولكن لا توجد فرص عمل. فيما ذهبت خريجة الاقتصاد سهى محمد بالقول إلى ان العطالة في السودان من أكبر المشاكل الإقتصاديه الناتجة من عدم التوافق بين سياسات التعليم العالي وحاجه سوق العمل من العمالة. محمد الفاتح محجوب وجدناه بجانب تقديم أوراقة للجنة الاختيار يراسل احد البنوك بخصوص تقديم طلب وظيفة وذكرانه خريج إحصاء حاسوب ويعمل حاليا في الأعمال الحرة وقال بسخرية نسميها اعمال حرة وهي اعمال هامشيه ولا ترقي لطموحنا،اما الامتحان النتيجة معروفة مسبقاً لان العدد المتقدم للامتحان كبير ولا نستطيع الجزم بان المطلوبين أكثر من(10-20) فردا. اتمنى أن أجد وظيفة تناسب مؤهلي العلمي ، وأتمنى أن أكون في موقع يؤهلني لتقديم الكثير لبلدي، لكن الواقع الذي أراه الآن لا يبعث على التفاؤل. خريجة الانتاج الحيواني منى قريب الله ذكرت انها ليست المرة الاولى التي تتقدم فيها للامتحان في لجنة الاختيار وتضيف منى ان عدد الخريجين يتضاعف في كل عام ونسبة العطالة كذلك فعدد الجالسين للامتحان من كليات البيطرة والانتاج الحيواني فقط (1400) خريج يتنافسون على 12وظيفة فقط اما انا ففي كل مرة امني نفسي ان اجد حظي فانا خريجة منذ العام 2002م ولم التحق باي عمل وشهاتي الجامعية تزين حائط المنزل . خريج العلوم السياسية مهند حسن يوسف والذي قال اتمنى ان اصبح خبير أقتصادي مضيفاً انه بعد ان فشل في إيجاد وظيفة قام بالتقديم للدراسات العليا وفي تحليله لاسباب العطالة «قال انخفاض الحصيله من بيع البترول السودانى واختلاف التصريحات حول حجم الانتاج، وتدمير الطبقة الوسطى وإفلاس المشاريع الصغيرة والمهن الحرة أو انخفاض مردودها نتيجة المنافسة هي أهم أسباب العطالة،وعلى مستوى الامتحان لا اتوقع ان احصل على الوظيفة وحصولى على الوظيفة ضربة حظ وهذا مقارنة مع عدد الجالسين للأمتحان. وتقول رحاب منصور خريجة الزراعة مقارنة بطبيعة البلاد واتساع الاراضي الزراعية كنت اتوقع بعد تخرجي ان اجد نفسي في مشاريع زراعية كبرى تدعم الاقتصاد الوطني ولكن للاسف خريجي الزراعة يشكلون تسبة عطالة كبيرة ولاتستوعبهم المشاريع والدوله لاتوفر لهم فرص عمل ولا تستوعبهم في المشاريع الزراعية الموجودة والتي تحتاج للكوادر الحديثة الشابة الزراعية وأضافت رحاب هذه ليست المرة الاولى التي اتقدم فيها للأمتحان ولا اتوقع ان اجد حظي لكن لا ايأس من خوض الامتحان في مرة أخرى،واناشد النافذين بإيجاد الحلول السريعة واستيعاب الخريجين خاصة الزراعيين لسد الفجوة الاقتصادية والنهوض بالمشاريع التي تشكو التدهور وتقليل نسبة العطالة. وفي ندوة ( العطالة- الأسباب- المشاكل والحلول) التي نظمتها مؤسسة التنمية الإجتماعية بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم استعرض د.عبدالرحيم بلال من خلال ورقته التي تحمل عنوان الندوة سياسات العمل والتشغيل في الدولة السودانية حيث أشار إلى ان الدولة والحكومات المتعاقبة والأحزاب منذ الاستقلال لم تهتم بقضية التشغيل وسوق العمل فلم يعقد مؤتمر واحد حول قضية العطالة إضافة إلى قلة او اختلال البيانات عن مشكلة البطالة. موضحاً ان الاختلالات الهيكلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي السبب الجذري الاساسي في تنامي العطالة إضافة إلى طبيعة نمو الاقتصاد السودانى كاقتصاد نامٍ يعاني من اختلالات هيكليه داخلية وخارجية وزيادة حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعيه كنتاج طبيعي للتحول للنظام الاقتصادي الحر مع إهمال التنمية الريفية مما أدى لاستنزاف موارد الريف وتدني اسعار السلع الواردة من الريف فضلاً عن الزيادة السكانية حيث زادت اعداد السكان في السودان خلال ال 50 سنة الاخيرة إلى 3 اضعاف. وتشكل الفئات العمرية 25-35 سنة الجزء الاكبر من عدد السكان مما يعني زيادة في قوة العمل. بينما يشكل الانفتاح الاقتصادي وزيادة ترويج السلع الاجنبية في السوق السوداني ضغطا آخر بالنظر إلى ارتفاع سعر المنتجات السودانية. وخلصت الورقة إلى ان حلول العطالة تكمن في تنمية المنتجين بالقطاع الزراعي وخاصة التقليدي المطري ودعم البحوث الزراعية بشقيها النباتي والحيواني خاصة التي تهدف لرفع إنتاجية القطاع التقليدي وهو ملجأ أكثر من 60% من العمالة تنمية التعليم الفني والتدريب المهني وعلى الاخص التدريب الفني الزراعي الذي بدأ يتدهور مع تدهور نظام التعليم عامة وتقديم القروض لصغار المزارعين وتدريبهم وتنظيمهم والتأمين على صحتهم ومنتجاتهم وكذلك لصغار المنتجين في القطاع الصناعي والحرف والخدمات المقدمة لهؤلاء المنتجين لتوسع نشاطهم الاقتصادي وزيادة فرص الاستخدام ومواءمة مخرجات التعليم لمطلوبات السودان خاصة في ظل العولمة الاصلاح في الريف والحضر مما يوفر فرص عمل ضخمة تشجيع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاخرى لتساهم في تدريب الشباب والنساء وتوظيفهم كمطوعين للتمهيد لدخولهم سوق العمل بأجر أو التوظيف الذاتي. الخرطوم: تيسير عبدالحليم