ذكرنا في الحلقة الأولي من هذه المقالة , أن السيد ديفيد ساكس , كاتب راتب في جريدة الميل والقارديان , التي تصدر باللغة الانجليزية في جوهانسبيرج . وهو قريب من الرئيس السابق تابو امبيكي ، الذي يتحفه ببعض الونسات الدقاقة , التي ينشرها ساكس , من ان لاخر , في مدونته : http://www.mg.co.za ولكن في قالب من هزل ثقيل , لا يعتور صحة المعلومة , التي تحتويها حكاوي واقاصيص ساكس ! ونواصل في هذه الحلقة الثالثة , أستعراض نتفاً من حكاوي ساكس , بخصوص انطباعات الرئيس امبيكي عن الرئيس سلفاكير , واشياء اخر . الوحدة والأنفصال ... الجنة والنار ؟ رشف امبيكي رشفة خاطفة من كأس النبيذ امامه وخاطب صديقه قائلاً : اعرف يا سلفا .... ان اتفاقية السلام احتوت علي خيارين لا ثالث لهما في الاستفتاء : اما استمرار جنوب السودان في الوحدة الحالية في دولة واحدة مع شمال السودان , او انفصال جنوب السودان وتكوين دولة منفصلة مستقلة وذات سيادة . كان بامكاني فهم هذا الوضع قبل خمسين سنة , عندما انعتقت الدول الافريقية من نير الاستعمار الغاشم , ولم تر العولمة النور بعد ! ولكن نعيش اليوم في عالم مختلف من عالم الخمسينيات ! نعيش في عالم مفتوح ومعولم . يدعو الاتحاد الافريقي الي تكامل , بل اتحاد اغلظ بين اعضائه ، خصوصاً علي مستوي الاقليم الجغرافي الواحد مثل : اتحاد دول الايقاد , والمجموعات الاقتصادية في غرب افريقيا وشرق ووسط افريقيا. بل يدعو البعض لقيام الولاياتالمتحدة الأفريقية , علي غرار الموديل الامريكي . انتم واخوانكم في الشمال تعيشون في اطار دولة واحدة باستمرار , وطيلة ال 189 سنة الماضية , منذ العام 1821م , وقطعاً قبل ذلك التاريخ المكتوب بقرون عددا . أنفصال بحدودً متربسة ؟ اذا اختار شعب الجنوب الانفصال فلا اتصوره انفصالاً خشناً , بحدود متربسة ! ولا اتصور العلاقة بين دولة جنوب السودان الجديدة , ودولة شمال السودان تكون مثل العلاقة بين دولة جنوب السودان الجديدة ودولة يوغندا مثلاً . يحتاج السوداني الجنوبي الي فيزا للدخول الي يوغندا , والعكس صحيح . هذا الوضع ربما لا يكون مستحباً , او حتي ممكنا بين دولة جنوب السودان الجديدة , ودولة شمال السودان , لعدة اسباب , اذكر منها مثالاً واحداً من بين عشرات الامثلة : قبائل التماس العربية الشمالية علي طول الحدود الشمالية لدولة جنوب السودان الجديدة , التي تمتد لأكثر من الفين كيلومتر , اعتمدت علي النزوح جنوباً خلال فصل الصيف طلباً للماء والكلأ ! هل تطلب يا سلفا من هذه القبائل ان تستخرج فيزات لها , ولابقارها ؟ عند رحلتهم الصيفية الي داخل حدود دولة جنوب السودان الجديدة ؟ وهل تطلب يا سلفا اتاوات وضرائب علي ابقارهم ؟ هؤلاء العرب الرحل , والمسلحون حتي أسنانهم , اعتادوا علي هذه الحياة الموسمية , وعلي الحدود المفتوحة بدون أي ضوابط ! ولا يمكن ان يفهموا , دعك من ان يقبلوا بوضع قيود علي تحركاتهم جنوباً . هذه قنبلة موقوتة ! ربما فجرت الحرب بين دولة جنوب السودان الجديدة , ودولة شمال السودان ! ومثلها معها عشرات الامثلة الاخري التي تنذر وترمي بشرر . هناك مشاكل كبيرة ستنشأ نتيجة الانفصال المتربس ! أبرزها تحول الخلافات الجارية حالياً بينكم والمؤتمر الوطني إلى أزمات دولية ! كما سوف يتم أعتبار الانفصال المتربس كسابقة جاذبة للبلدان الأفريقية ذات المشاكل المماثلة, وهي بالكوم في افريقيا ! سابقة الانفصال المتربس , بلغة الزولو, تعني نظرية قطع الدومينو ؟ أذا وقعت قطعة , لحقتها بقية القطع في السقوط ؟ أذا حدث أنفصال متربس بينكم وشمال السودان , فقطعأ سوف يستولد ذلك رغبة قوية , وبالسلاح , لدي نوبة الجبال , وانقسنا النيل الازرق , وأفارقة دارفور , وربما هدندوة الشرق ؟ ولم لا ... ربما طالبت قبيلة الزاندي بالانفصال , قبيلة الزاندي التي تعتبر أكبر قبيلة في افريقيا , اذا اضفت لها زاندي الكنغو وأفريقيا الوسطي ؟ ربما تفتت الجنوب , عندما يزول الخطر المشترك ( الشمال ) , الذي كان بمثابة نشارة الخشب , بين قزاز القبائل الجنوبية ؟ حدودً ناعمة ؟ في تصوري المتواضع , قد يكون من الاحسن والاصوب , والوضع هكذا , ان تكون الحدود بين الدولتين حدوداً ناعمة , بدلأ من الحدود المتربسة ! تماماً مثل الحدود الناعمة بين دول الاتحاد الاوروبي ! الايطالي يمكن ان يسافر بدون فيزا في كل دول الاتحاد الاوروبي ! ويعمل ويشتري داراً له ويتمتع بكل الحقوق المدنية ( بخلاف الحقوق السياسية كالتصويت والترشح مثلاً ) في اي دولة من دول الاتحاد الاوروبي , وكأنه مواطن لهذه الدولة او تلك , من دول الاتحاد الاوروبي ! هذا الموديل الاوروبي , ربما كان الافضل اذا اختار شعب جنوب السودان الانفصال . أنفصال مع اتحاد كونفدرالي ! وهناك موديل ثالث للأنفصال ( بخلاف الأنفصال ذا الحدود المتربسة , أوالحدود الناعمة ) , اقترحه السيد الامام , وهو الاتحاد الكونفدرالي ! وهو في مستوي ارفع واغلظ درجة من موديل الاتحاد الاوروبي ذا الحدود الناعمة . وهو ليس له وجود حالياً في عالم اليوم ! ولكن يمكن لدولتا السودان المبادرة والمبأدأة به , لتحذوا حذوهما بقية الدول الافريقية ؟ في هذا الموديل الكونفدرالي تبقي كل دولة ذات سيادة كاملة ومنفصلة ومستقلة ! ولكن بعض مؤسسات الحوكمة يمكن ان تكون ثنائية , كوزارة الخارجية , او الدفاع , او البنك المركزي , والعملة مثلاً . وحدة , ولكن علي اسس جديدة ! الخيار الأول كان الأنفصال بخياراته الثلاثة , التي لم يتم تفصيلها في أتفاقية السلام الشامل ! ؟ أما الخيار الثاني فهو ان يختار الجنوبيون الاستمرار في الوحدة , ولكن علي اسس جديدة ! كاحتفاظ دولة جنوب السودان الجديدة بكل موارد البترول المتواجد علي ارضها , بدلاً من مقاسمته بينها وبين دولة شمال السودان ؟ خيار الوحدة هو الأفضل في تقديري , وانا المسيحي كالجنوبي ( وليس المسلم كالشمالي ) , والأفريقي كالجنوبي ( وليس العربي كالشمالي ) ! ثقافتي جنوبية , وقطعأ ليست شمالية ! اؤمن بأن خيار الوحدة هو الأفضل لاسباب موضوعية ! الحساب ولد ! حاليأ الجنوب مستقل تمامأ ( دي فاكتو ) , وتحكمه الحركة الشعبية حصريأ ! وبالأضافة لحكم الجنوب , تشارك الحركة الشعبية في حكم الشمال . الجنوبي في الشمال له نفس الحقوق كما للشمالي , الجنوبي في الشمال مواطن من الدرجة الاولي , ويشارك في أتخاذ القرارات السياسية ! ويمكن للشمالي ان يوافق علي ان يكون كل بترول الجنوب للجنوب , اذا وافق الجنوبي علي خيار الوحدة ؟ ويمكن للشمالي ان يوافق علي ان تكون الخرطوم عاصمة قومية يحكمها قانون مدني , بدلأ من الشريعة , اذا وافق الجنوبي علي خيار الوحدة ؟ في حالة الانفصال سوف يخسر الجنوب , كما قال بذلك السيد الأمام : - نصيبه في البنيات التحتية القومية في الشمال . - السوق الشمالي للمنتجات الاستوائية . - الميناء البحرية . - حقوق المواطنة للجنوبيين الموجودين والمستقرين في الشمال. - بوابته الشمالية نحو العرب ,وأستثماراتهم . - دور الوجود الشمالي في احتواء الغلو القبلي الجنوبي . لماذا تفقدون كل هذه المزايا , يا سلفا , بالانفصال ؟ خيار الأنفصال لن يغير من وضعكم الحالي في الجنوب , بل سوف يفقدكم المزايا التي تتمتعون بها حاليأ في الشمال ؟ حسابات الربح والخسارة , والمصالح المجردة من العواطف تقود الي تفضيل خيار الوحدة ! قطعا سوف يخسر الجنوبيون بالانفصال , أكثر مما يكسبون ! والحساب ولد , يا سلفا ؟ أنظر الينا , يا سلفا ! البيض كاتوا يعاملوننا أسوأ من معاملتهم لحيواناتهم , أسوأ من معاملة السيد لعبده ! ولكن حسابات الربح والخسارة , والمصالح المجردة من العواطف , قادتنا الي تفضيل خيار الوحدة مع البيض في دولة واحدة ! بدلأ من المطالبة بدولة منفصلة للسود ! التجربة العملية علي الارض خلال العقد ونيف الفائت , برهنت , بما لا يدع مجالا للشك , بأننا كنا علي حق , واتخذنا القرار الصحيح ! لماذا لا تستفيدوا من تجربتنا , يا سالفا , فالعاقل من أتعظ بتجارب الاخرين ! ما رايك ايها العزيز سلفا في هذه الاطروحات النظرية , والتي يمكن ان نبعث في احداها الحياة , لتمشي علي الارض , وبين الناس , بعد استفتاء يوم الاحد 9 يناير 2011م ؟ قطع الأنف للأنتقام من الوجه ؟ اطرق الرئيس سلفاكير مليا ! وحدج صديقه بنظرة مركزة , وخاطبه قائلاً : العزيز ثابو .. أنا و من معي كنا وحدويون ! نؤمن بالسودان الجديد ! قاتلنا الانفصاليين في صفوفنا , بدءاً بمجموعة الناصر , وغيرها من الحركات الأنفصالية ؟ ولكن خلال الفترة الأنتقالية من يوم الاحد 9 يناير 2005 وحتي اليوم , جعلتنا سياسات المؤتمر الوطني الطاردة انفصاليين , بأمتياز ؟ إن زخم الاتجاه نحو الانفصال في الجنوب صار تسونامي هادر , يسحق من يقف في طريقه , أو يتصدى له بمعارضة . الخيار الان في الجنوب بين الاستقلال والاستعباد ؟ سوف يعيرني قومي بالخيانة العظمي , أذا وقفت الي جانب الأستعباد . وسوف تتم تصفيتي معنويأ , قبل تصفيتي جسديأ ؟ نعم ... بهذه البساطة , يا تابو ! ده ما كلام قعونج , يا تابو ! لقد اتخذنا القرار ! وحزمنا أمرنا نحو الانفصال , ونستعد لإقامة دولة جنوب السودان , بعد الاستفتاء ! قضي الامر الذي كنتم فيه تستفتيان ! العزيز تابو ... الجنوبي غير مستعد لاعمال عقله , لمعرفة مصلحته , وأتخاذ القرار الصحيح , تأسيسأ علي الأسباب الموضوعية الصحيحة , التي تكرمت بذكرها ! الجنوبي قد كجن الشمالي , ب الله واحد ! لو الشمالي بقي قبلة , فلن يصلي الجنوبي عليها ! لو الشمالي كب العسل للجنوبي في خشمه , فسوف يطرش الجنوبي عسل الشمالي ! الجنوبي مستعد لان يقطم أنفه , لكي ينتقم من وجهه ! الجنوبي يريد ان يفرز عيشتو , حتي لو مات من الجوع ! الحواجز النفسية الغليظة بين الجنوبي والشمالي لا تسمح بأعمال العقل , والمنطق , وحسابات الربح والخسارة ! بمجرد ان تتم مواجهة الجنوبي بخيار الوحدة او الأنفصال , يلغي الجنوبي عقله , ويترك العنان لعواطفه العمياء , وهو جد سعيد , رغم ما يجلبه له ذلك التصرف الأحمق من خسائر ؟ العزيز ثابو .. بدأ الجنوبيون في تسيير مسيرات لدعم خيار الانفصال ابتدأ من التاسع من يونيو الماضي , وسوف يستمرون في تسيير هذه المسيرات الشعبية في التاسع من كل شهر حتي التاسع من يناير 2011م , موعد الاستفتاء ! . الشعور العام في الجنوب هو تنفيذ وتطبيق اتفاقية السلام الشامل حرفياً ! وبدون اي شمارات او سكريات ! اما الانفصال القطعي التام والشامل والكامل , وبحدود متربسة ( بدون خياراتك الاخري ؟ ) , واما الوحدة علي اسس جديدة ؟؟ اذا اختار الجنوبيون خيار الانفصال ، فسوف يكون بادئ ذي بدء انفصالاً حقيقاً وقطعياً , وبحدود متربسة , وبدون اي شمارات ! كل واحد في مربعه ! كل واحد في قطيته ! كل واحد بقدحه وملاحه ! العيشة مفروزة ! لكم دينكم ولي دين ! في بادي الامر ولكي يحس الجنوبي بطعم الحرية والانعتاق , سوف يكون الانفصال قطعياً وكاملاً ومتربسأ ! والعلاقة بين الدولتين كالعلاقة بين دولة جنوب السودان ويوغندا ! وبمرور الزمن يمكن للاجيال القادمة النظر في امكانية العمل بالموديل الاوروبي , ذا الحدود الناعمة , او الموديل الكونفدرالي , او حتي الوحدة الاندماجية كما تطلب حاليأ لسوتو الانضمام لاتحاد جنوب افريقيا . ولكن كل هذه الموديلات التي ذكرتها , علي جوانبها الايجابية المشرقة , يعوزها شعور الجنوبي بالحميمية تجاه اخيه الشمالي , والعكس صحيح. ثقافة الجانقي والمندكورو ! الجنوبي يشير للشمالي بالجلابي او في اسوأ الفروض بالمندكورو ! والشمالي يشير للجنوبي ب الجانقي او في اسوأ الفروض بالعب ! ثقافة الفصل والتمييز العنصري متأصلة في نفوس الجنوبيين والشماليين علي السواء ! سوف نحتاج لعقود من الاستقلال الشامل الكامل حتي يسترد الجنوبي ثقته في نفسه ! ويختفي شعور الدونية التي يشعر بها في قراره نفسه , مقابل الشمالي العربي ! سوف نحتاج لعقود حتي يسترد الجنوبي عافيته النفسية , ويشعر انه صنو للشمالي ! وعندها , وعندها فقط , ربما نظر الجنوبي في امكانية الموديل الاوروبي ذا الحدود الناعمة , او الموديل الكونفدرالي ذا المؤسسات الحاكمية المشتركة ! ولكن في العام 2011م , والعقود التي تليه , فان الجنوبي يفضل موديل الاستقلال القطعي الكامل الشامل وفرز المعيشة , والحدود المتربسة ! الجنوبي يتحدث عن الاستقلال , وليس عن الانفصال وشتان بين المفهومين . العزيز ثابو ..... الموديلات التي ذكرتها للانفصال الناعم , والحدود المفتوحة , بل المؤسسات الحاكمية المشتركة , يمكن دراستها بعد عقود من الاستقلال التام , والجوار الاخوي , والتعاون المشترك التدريجي ! خطوة خطوة , وبريس بريس , حتي نستطيع التفكير في اطار موديل من موديلاتك النظرية , ربما في ظرف عقدين بعد الاستقلال , وربما اقل . عقدت الدهشة لسان امبيكي , وهو يستمع الي صديقه , ينسف امامه كل اماله في انفصال ناعم لجنوب السودان عن شماله , مع حدود ناعمة , بل مؤسسات حوكمة مشتركة ؟ وردد امبيكي لنفسه : اليوم خمر وغداً امر ؟ الله يكضب الشينة ؟ يتبع الحلقة الرابعة الحلقة الثالثة ( 3 – 5 ) ثروت قاسم [email protected]