فاطمة بشير ونجيب نورالدين : قدر ما نسكت نسمع عصيفير الحاوي رطن... قدر ما نفتشك نلقاك تحانن بالغناوي وطن.. مع انو حباك ميتة الغربة ..واستكتر عليك كفن في مثل هذه اللحظات ..وقت الكلام يصبح صعب ..لا نملك سوى أن نذرف دموعنا حرى كلما عانق صوتك الدافئ آذاننا ..وارتحل بإحساسنا إلى عوالم عصية على الإدراك..تبقى الإنسان المختلف ..والفنان ذو الكاريزما العالية التي لا تتكرر أبدا..هي ورود أردنا نثرها على قبرك حيث ترقد هناك بسلام . الجبال ترحل بعيدا محمد حسن أبو آلاء بسأل عليك مدن... مدن... واعصر سلافة الليل حزن بسأل عليك في المنفى.. في مرفأ السفن امكن طيوفك أخريات الليل تمر تملأ البراحات للحزين طول العمر مطر الحزن عاود هطل.. جدد عذاب الأرصفة في المصابيح البعيد... أتعب عيونك وانطفأ عندما عول ليل الأربعاء الأسود وأطل صبحه القادم مفصدا بالحزن. معبأة رئتيه بوحل الرحيل.. مغسولة خدوده بدمع الفجعة... مرتقا قميص صباه بالأسف العميق... لحظتها كان كل حزن العالم قد تجمع في رحم الاشراق.. الذي حبل بنهارات الحيرة التي لا تنتهي ... وبدأ المطر الحزن الذي امتلأت زخاته دموعا في السقوط، فأطفأ كل الشموع الموقدة في مدن الفرح وفي القرى التي نامت قريرة فاستيقظت على دمعتي امتلكتا الأحداق وركضتا ثم تحجرتا في موقع الابتسامة.. فاحتقنت خواطر الكل بلون الدماء التي كان يغسلها: هاهي الأرض تغطت بالتعب البحار اتخذت شكل الفراغ أنجبتني مريم الأخرى قطارا وحقيبة أرضعتني مريم الأخرى الغوافي ثم اهدتني المنافي هكذا خبروني ثم قالوا لي ترجل. _ لقد أنجبته مريم الأخرى من طينة الإبداع وأرضعته من ثديها حليب التفرد ثم فطمته بحفنة من تراب الوطن وغذلت له من نولها وتر شموخ ووشاح وهج وحقيبة سفر ثم ودعته مسافرا على قطار التواصل المندفع بين المحاط عبر مساحات الزمن القادم والمسافة بين النخيل والواقع.. ألقا وذكاء ومداواة لجراح نكأها هذا الزمن المسموم. فلقد احتوى هذا الألق الآدمي تحت عباءة صيغة الجديدة كل أوجاع العصر وشروخه حتى صار مرآة لهموم الآخرين بعد أن طالع ما في دواخلهم وقرأ أكف أحزانهم وصار يتقن لهم لعبة الفرح ويجيد رسم الابتسامات على وجه حياتهم الكالح. وجعل أغمار الشعور بالمتعة منهجا تأصل في كل أعماله وأصبح يشكل من صياغته الفنية فريقا رائعا لتواصل الفرح ودفع مسيرة الأمل، فهو توأم للفكرة ورفيق للحلم ونبض يلتف حوله القلوب، فلقد ضرب بخيامه في مراعي الألم وأشاد حولها نوافير توزع السكينة وتعطنها بالغناوي: نمشي في كل المدائن .. نبني عشنا بالغناوي ننشد الأفراح درر الربيع يسكن جوارنا .. والسنابل تملا دارنا والرياحين والمطر أخذ على عاتقه أمر ترتيب بيت الأغنية السودانية وغسل فناء دارها وكسر حاله جمودها.. فأخذ بمعول صوته ومنجل صدقه وريشة حسه وشذب كل ما أمكنه خلال عقدين من الزمن؟ فسما بمضامينها وجعل منها منبر اصالة وبوق صحو ..وصدى امنية .. ومشعل اولمبي تتخاطفه أيدي الأجيال .. مسح عن وجهها غشاوات الضياع ومساحيق الكآبة المصطنعة، وأضاف لمعالمها المغمورة معلما ذاخرا بالحياة والحضور وعلو الأسوار .. فغنى لكل قطاعات الشعب للعامل والمزار .. والأطفال.. للريف والمدن..للأرض والبحر.. للفكرة والحلم .. للتواصل وهم الغربة والشتات: _بلقى حبايب في كل حتة وكل بيوت الفقراء بيوتي _للأرياف الكم وفتني.. وللأطفال الناشفة ضلوعها ونازفة بغني أهدى دموعها.. واطمن روعها .. بي بسمة بكرة الاها تمني ولامصنوعة _تراب بلدي وسماح فوق بت مزارعية أنت تستمع له تشتم من أعماله رائحة الخصوصية وعطر التفرد وأن هنالك خيط الفة غير مرئي يربطك به أو أنكم تلحقان بذات الجناح في فلك واحد. هو يمتلك مفاتيح لعبة التمكن في ايقاعات الفرح ومواوييل الحزن ونمة الشتات والتلاقي ولغة المحاورة التي هي أقرب إلى البوح النفسي الخالص والمناجااة الجهرية للذات والحلم والتراب والحبيبة وجعل الأماني في حالة بيات شتوي أو أنها أقرب للتحقيق والامتلاك منها للإفلات. وهذا هو النمط الأبقى في الوجدان والأخلد في أرشيف الإبداع والأذكى عطرا في أنف التاريخ الذي يتنفس برئات شبكية ينفذ من خلالها كل ما هو غث ويركن في سلة الذاكرة الأوفر صدفة بالتفرد. والذي تطل منه النجوم ويجلس عليه القمر . عاش الغربة.. وتصافى مع المرض.. ائتلف مع الوحدة حتى أصبحت الدنيا له: ليل.. غربة.. ومطر.. وطرب حزين وجع تقاسيم الوتر شرب الزمن حزن السنين والباقي هداهو السفر ياروح غنائي .. الغربة ملت من شقاي وغربتي والوحشة ملت من أساي ووحدتي _حتى أتى القدر متابطا له رحيل الفجأة الذي كان: حاجة ذي ماتكون محلق في العواصف فجأة تهبط في السكون فكان الوجوم الذي امتد بين الوجوه والخواطر.. والحزن الذي افترش الحنايا وأطل من فرجات العيون.. فقد أغلقت قلاع الإبداع بوابات عطائها وفتحت مصاريع لبوابات أخرى .. للصبر والذكرى والاجترار ونوازع مرة شتى واجيك بقدرتي الباقية حطام انسان .. موسم بشقى الدنيا ومقسم قلبو في الأحزان.. واجي فنان اشد أوتاري واحكي ليك .. حكاية إنسان وهب لسكتك نفسو .. ورسم صورتك على حسو فعندما حملت الرياح ذك النغم الآسر بعيدا بالعوالم الموعودة .. انكفأ العود.. وتمرد الوتر .. وبح صوت الغناء وصار التمايل ارتجافا والقبول رفضا والتصنت صمما . أنشده الكل وهيمنت الغصة على الحلوق، وأغرقت أمواج المصيبة كل الأفئدة وحمل الوجيعة معه كل الفرح؛ حتى صار نزيف الدواخل بحارا اتخذت من شكل الدموع روافد، ومن عمق الدهشة مقاسا لهول الحدث ومؤشر أسف لاينحني في عمر الحياة.