صيدا – (لبنان) - تندفع قمر جرجي بسرعة فائقة لخدمة الزبائن في محطة الوقود الراسية على تلة صغيرة فوق بلدة الميناء القديم لمدينة صيدا في جنوب لبنان. وقمر البالغة من العمر ثمانية عشرة عاما، هي واحدة من مجموعة من النساء الشابات اللاتي يعملن في محطة "كوين"، التي يبلغ عدد العمال فيها ما يقارب الأربعين عاملا منهم 80 بالمئة من النساء. وترتدي جميعهن الزي المشابه للباس العسكري مع ومضات من اللون الوردي، والأوشحة والقبعات الصوفية خاصة في مثل هذا اليوم من فصل الشتاء البارد. وقالت "زوي قسطنطين" التي كتبت التقرير أنه بالرغم من أن العديدين يعتبرون ان عمل المرأة اللبنانية في محطة للوقود مناف للعادات والتقاليد وأنه من مهام الرجال، فقد اقتحمت نساء لبنان هذا المجال وبرعن فيه. ومن بين هؤلاء والد الآنسة جرجي، الذي يرى أن عمل المرأة في محطة للوقود غير مناسب لها. وفي هذا الشأن تقول جورجي "لقد صدم والدي في البداية، لانه لم يقبل فكرة أن تعمل فتاة في محطة للبنزين في الهواء الطلق وتحتك يوميا بالرجال، لكنني تشبثت بذلك وأقنعته بالفكرة، فوافق خاصة بعد ان رأى مدى تمسكي بالعمل في هذا الميدان". وذكرت صحيفة "ذي ناشونال" التي تصدر في ابوظبي باللغة الانكليزية أن فكرة بعث المحطة هي في الأصل لرجل الأعمال اللبناني مرعي أبو مرعي وزوجنه هيدا اللذان كانا شاهدا محطة تديرها مجموعة من السيدات، في سويسرا، فأراد أن يترجماها على الفور في صيدا. وتقول زوجة أبي مرعي، وهي تجلس على أريكة وردية في السوبر ماركت الموجود داخل المحطة "الهدف من بعث المحطة ليس تجاريا فحسب، بل غايته تمكين النسوة وأطفالهن من قضاء حاجيتهن بكل أرياحية، بالإضافة إلى شحن سياراتهن بالوقود، وأيضا المساهمة في توفير فرص عمل للمرأة اللبنانية وبرواتب معقولة". وتضيف "عندما افتتحنا المحطة في الحي السكني الهلالية في شهر فبراير /شباط العام الماضي، كان ينظر إلى إليها بشيء من الريبة وبدا الأمر وكأنه شاذ بالنسبة للعديدين". وتسدرك "ولكن اليوم، مع عاملاتها الشابات، والديكور الوردي واسمها الجذاب، تجاوزت الفكرة المفهوم الضيق كونها مجرد وسيلة للاستغلال المرأة والتكسب من ورائها". وتؤكد ابو مرعي انه بعد مضي ما يقارب السنة على افتتاح المحطة أصبح الامر عاديا بالنسبة للكثيرين ممن يرتادون السوبر ماركت وتضيف "كما ترون، فإن خدماتنا راقية تتضمن التزويد بالوقود وسوبر ماركت وخدمة غسيل السيارات، وتحقق المحطة نجاحا مطردا مع تزايد أعداد الزبائن الذين يفضلون التعامل معها". ويقول محمود حسونة (50 عاما)، مهندس "إنه لشيء جميل أن تكون في الاستقبال بواسطة الوجه المبتسم" لكنه يستدرك قائلا "نصف المجتمع قد يقبل ذلك، لكن النصف الآخر قد لا يقبل". وينأى محمد سمور (22عاما)، بنفسه عن "عقلية المحافظين" التي ما زالت على حد قوله سائدة في صيدا اكبر مدينة في جنوب لبنان. ويضيف "أنا مع المساواة بين الرجل والمرأة.. وهي من اهم مبادئي في الحياة" ويعلل قوله "الرجل الحقيقي لا يجب أن يخاف من ارتداء الوردي!". ولا تعبر هذه الآراء بالضرورة عن آراء الأغلبية في هذه المدينة ذات الغالبية المحافظة، من المسلمين والسنة على حد تعبير دانيا قبلاوي (25عاما) التي تقول"بعض الناس وخاصة كبار السن ينظرون إلى عملنا في المحطة على أنه عيب ومخزي". وتضيف "انهم يقولون نحن هنا في صيدا الأمريكية وليس في لبنان". ورغم ان صيدا لا تبتعد كثيرا عن بيروت (50 كلم) فأجواؤها مختلفة وعالمها خاص، فهي جافة من الكحول التي لاتتاح فيها علنا. وفي هذه البلدة القديمة، تم إحباط عملية اغتيال لرئيس جماعة سياسية محلية. وتقول زوي أنه في العام الماضي، انفجرت قنبلتان في طريق منفصل في الضواحي استهدف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مما أسفر عن إصابة أكثر من عشرة أشخاص. وتؤكد زوي أنه على الرغم من هذه المخاطر التي لا يمكن التنبؤ بها، فالمرأة العاملة في المحطة مصرة على كسر الأعراف الاجتماعية ومواصلة عملها رغم ان جميعهن يعرفن مسبقا ان عملهن لا يلقى الرضا من قبل مجتمعهن. وعملية ضخ البنزين لا علاقة لها بتخصصاتهم الحقيقية، فهناك من درست التمثيل، وآخرى خريجة محاسبة، لكنهن يعتبرن ان عملهن في المحطة لائق ويخولهن كسب أجر جيد. وتقول آية خيري ( عاما20)، "الناس في حاجة الى تغيير عقولهم، ونحن لا نفعل أي شيء خاطئ، بل نعمل". وتقول مديرة المحطة سمر دقدوق التي تمنى أن تساهم المبادرة في تحسين وضع المرأة في المجتمع اللبناني، "المحطة بدأت عملها في صيدا منذ عام تقريبا، وقد لجأنا إلى زيادة عدد العاملات فيها بعد أن لمسنا استحسانا لدى الزبائن، وأود أن ألفت انتباهكم إلى أن "كوين" هي محطة الوقود الأولى في العالم العربي التي يعمل فيها طاقم من الفتيات". وعن الخدمات التي تقدمها المحطة، تقول دقدوق: "نحن نقدم نفس الخدمات التي تقدمها بقية المحطات الأخرى، بالإضافة إلى مستوى راق من التعامل مع الزبائن. كما أننا حاليا ندرب عدد منهن للعمل أيضا في مغسل السيارات، بينما ندرب أخريات على كيفية القيام بغيار الزيت". وتضيف دقدوق "نتمنى أن تكون هذه المبادرة خطوة تمهيدية نحو بعث فروع أخرى في مختلف مناطق لبنان، وخصوصا وان محطتنا نالت رضا جميع الزبائن وحصدت نجاحات متعددة.. وهي دليل قطعي على أن المرأة قادرة على اثبات جدارتها في مختلف المجالات وأنه لا يوجد اليوم فوارق بين الرجل والمرأة".