«تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الوهاب الأفندي : وقت الإصلاح قد مضى
نشر في الراكوبة يوم 29 - 01 - 2012

على خلفية مذكرة الإسلاميين التصحيحية الأخيرة، وصف المحلل السياسي السوداني د. عبد الوهاب الأفندي حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأنه يعاني من انغلاق في قنوات التواصل والحوار الداخلي ، وقال الأفندي في حوار خاص مع «الصحافة» « إن مجرد أن تشعر مجموعة في الحركة الإسلامية بأنها في حاجة إلى إرسال مذكرة للقيادة فهذا يشير إلى أن قنوات التواصل والحوار والشورى وتبادل الرأي منعدمة حتى في المستوى القيادي بالمؤتمر الوطني كما يعني وجود عزلة بين الدولة وعدد كبير من الكوادر النشطة في الحزب والدولة» .
وينبه الأفندي إلى أن المذكرة لا تتحدث عن الفساد البسيط الذي يضبط في تقرير المراجع العام وتستطيع النيابة والجهاز القضائي التعامل معه والقضاء عليه، ولكن عن نوع آخر من الفساد، وهو الفساد المتصل ببنية السلطة.
يشكك الأفندي في قدرة الوطني على استيعاب القوى السياسية الأخرى المختلف معها في الرؤى والتوجهات إذا كانت عضويته نفسها تشعر بالغربة داخل التنظيم ولا تجد أذنا صاغية للحوار والشورى.
يصف الأفندي أصحاب المذكرة بأنهم «يشعرون بأن هناك شيئا من الانحراف عن القيم الإسلامية التي يؤمنون بها كالفساد والترف من بعض القيادات وأن الاتجاه الذي تسير عليه الدولة سيكون وبالاً على الإسلام والمسلمين رغم أنهم يؤمنون بالحركة الإسلامية ومسارها التأريخي بما فيه من انقلاب على السلطة في يونيو 1989م واعتبروه اجتهادا مباركا» ولا يستبعد الأفندي أن تكون وراء المذكرة جهات نافذة في الحزب والدولة، وحتى بعض منتسبي القوات النظامية.
واعتبر الأفندي أن المذكرة قد لا تفضي لتغيير لأن حزب الدولة هو الحزب المتحكم في كل شئ. ويرى أن شرط التغيير هو تغيير القيادة الحالية ودفع قيادات صالحة، إلا أن الأفندي يبدي مخاوفه من ألا يفضي تغيير القيادة أيضا لإصلاح، يقول الأفندي «والمخيف اننا قد رأينا من قبل تغييراً في القيادة «إقصاء الترابي» ولم نر تغييرا في النهج، ويرجع السبب في ظني إلى خلل جوهري في التركيبة البنيوية للدولة».
يناشد الأفندي الإسلاميين التصدي لقيادة التغيير والإصلاح في البلاد، ويرى «أن هناك مسؤولية على أهل الحركة الإسلامية في قيادة التغيير أولا لينقذوا الحركة ثم لينقذوا أنفسهم».
= لماذا جاءت المذكرة في هذا التوقيت وما هي دلالاتها؟
إن مجرد أن تشعر مجموعة في الحركة الإسلامية بأنها في حاجة إلى إرسال مذكرة للقيادة فهذا يؤكد وجود مشكلات بنيوية كبيرة في الحركة، وأهم هذه المشكلات التي يعكسها هذا الشعور وهي مشكلة التواصل الداخلي وأن هذه المجموعة لم تجد قنوات لتبليغ رأيها وأنها تشعر بغربة داخل التنظيم . ويبدو أن هذا الأمر قديم فمذكرة العشرة الشهيرة وقع عليها عشرة من الصف القيادي داخل المؤتمر الوطني وفي صف الحركة الإسلامية، وهذه مسألة مثيرة للتأمل إذ يشير إلى أن قنوات التواصل والحوار والشورى وتبادل الرأي منعدمة حتى في المستوى القيادي، وهذا يعني وجود عزلة بين الدولة وعدد كبير من الكوادر النشطة في الحزب والدولة.
بغض النظر عن محتوى المذكرة فإن السياق يدعو الدولة وقمتها للتأمل والمراجعة فإن ما حدث الآن وظل يحدث منذ سنوات يشير إلى أن الدولة عجزت عجزا واضحا عن استيعاب مؤيديها - كأصحاب المذكرة الذين يباركون انقلاب الإنقاذ ويقفون مع أطروحات الدولة- ناهيك عن استيعاب القوى السياسية الأخرى المختلفة معها في الرؤى والتوجهات. وهذا مدعاة لمراجعة الموقف بدلا عن الاستمرار في خطاب رسمي يردد المرة بعض المرة بأن الحكومة منتخبة من الشعب وتحظى بسنده.
= أليس كون الحكومة منتخبة من الشعب إحدى حقائق الواقع السوداني الآن بعد انتخابات أبريل 2010م؟
الواضح ان الموقعين على المذكرة التصحيحية غير مقتنعين بهذا الخطاب ،وقد أوصلت المذكرة رسالة بأن قاعدة الحركة غير مقتنعة بأن الشعب قد انتخب حقيقة الحزب وقيادة الدولة بل المذكرة تشير بوضوح شديد إلى أن الموقعين عليها غير مؤيدين للدولة تماماً. وهذا الوضع يفرض على الدولة لو كانت جادة أن تقف وتحاسب نفسها.
المذكرة جاءت من أناس يؤمنون بالحركة الإسلامية ومسارها التأريخي بما فيه من انقلاب على السلطة في يونيو 1989م واعتبروه اجتهادا مباركا، ومع ذلك يشعرون بأن هناك شيئا من الانحراف عن القيم الإسلامية التي يؤمنون بها كالفساد والترف من بعض القيادات. . ويعتقدون أن الاتجاه الذي تسير عليه الدولة سيكون وبالاً على الإسلام والمسلمين.
هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها مذكرات فمنذ أيام الإنقاذ الأولى كان هناك تملل داخل الحركة الإسلامية كمبادرة الأخ محجوب عروة، وقد جمع عروة توقيعات بعض أعضاء الحركة من أجل المطالبة بإعادة مجلس شورى الجبهة الإسلامية الذي حُلَّ في سنوات الإنقاذ الباكرة، وقد أعتقل عروة لهذا السبب. وكذلك محاولات المغفور له الشيخ عبد الله بدري ، ومحاولة الأخ عبد الرحيم مكاوي - صاحب الدار السودانية للكتب- في العام 1991م، ومنها كتابي «الثورة والإصلاح السياسي/1995م» فهو أيضا من مذكرات الإصلاح . . . ولكن هذا التملل لم يجد استجابات صحيحة.
= كيف تقرأ مضمون المذكرة وأدبياتها؟
جزء من مضمون المذكرة حزبي، لا يتعلق بالمجال العام، وهو يتحدث عن المسار الحركي وتأكيد أن ليس كل ما تمَّ وجرى خطأ ولكن في نفس الوقت طالبت بإصلاح ديمقراطي شامل، وذلك بفصل الحزب عن الدولة ومحاربة الفساد وهي مواقف صحيحة ولكن المذكرة لم تتحدث عن إهدار الفرص للإصلاح ولم تتناول سوى إدارة الفترة الانتقالية وعدم استثمارها في الإصلاح ولم تدن انفصال الجنوب ولم تنتقد عدم تحمل أي أحد المسؤولية عن ذلك لأننا لم نر أحدهم يزعم أنه مسؤول عما حدث ويستقيل بسبب انفصال الجنوب أو الكوارث التي لحقت بالبلد جراء ذلك.
مطالب المذكرة لا خلاف على معظمها، ولكن المذكرة لم تطرح حتى سؤالا لماذا حدث ما حدث ومن المسؤول وكيف أصبح الفساد هو مصدر القلق الأساسي في أوساط الحركة الإسلامية، وهي مفارقة غير مسبوقة في تأريخ الحركات الإسلامية. فمن المفهوم أن تُتهم حركة إسلامية بالتطرف والتشدد ولكن أن تتهم بالفساد فهذا لم نشهده حتى في حكومة حركة طالبان أو حكومة إيران الإسلامية . . وهناك اضطراب في الجهة المخاطبة، فهل تتوقع المذكرة إصلاحا ممن تسبب في الفساد؟
وحتى بافتراض أنه لم يكن هناك أي فساد، وأن ما هبط على قيادات الحركة وكبار المسؤولين من ثروات أنزل عليهم من السماء كالمن والسلوى على بني إسرائيل، مكافأة على صلاحهم واستقامتهم، كيف يجيزون لأنفسهم أن يعيشوا وأسرهم في ما نرى من ترف مثير للاشمئزاز في بلد يبيت غالب أهله على الطوي ويظلونه؟ هل هناك دليل على العزلة عن الواقع، فضلاً عن الغربة عن قيم الدين، أكثر مما نرى ويراه العامة قبل الخاصة؟
= أشار بعض المحللين إلى أن غياب الأشخاص الموقعين على المذكرة أضعفها بينما رأى آخرون أن ذلك نقل الحوار حولها من الأشخاص إلى القضايا، فكيف ترى ذلك؟
إذا لم تكن عليها توقيعات فلن يكون لها قيمة ولكن المشهور أن الموقعين عليها ألف من أعضاء الحركة وإفادات الأخوة القيادات الذين وصلتهم نسخة منها تفيد بأنهم يعرفون أشخاص من وقع عليها ومن يقفون وراءها، ويعرفون كذلك أهمية هذه المجموعة، بدليل ما يشبه الإجماع بين القيادات التي أدلت بتصريحات على التعامل مع المذكرة بجدية. ولو كانت من نكرات، أو حتى من جهة ليست ذات نفوذ، لكان تعاملهم معها يكون بالعنجهية والاستخفاف المعهودين من تلك القيادات. ولا أستبعد أن تكون وراء المذكرة جهات نافذة في الحزب والدولة، وحتى بعض منتسبي القوات النظامية.
=لماذا لم تستمع قيادة الحركة والدولة لصوت الإصلاح؟
هناك مشكلة «صمم» عند القيادة، وقد نُسب هذا الصمم حيناً إلى الترابي ولكن الترابي ذهب وبقي المنهج. وهو منهج فوقي وإقصائي، وتلعب فيه القيادة لعبة مزدوجة ، تعتذر إذا جاء الإسلاميون بمطالبهم بأن المؤتمر الوطني لا يمثل الحركة الإسلامية وحدها بل طيفا واسعا من الجماعات والكتل بمن فيهم المسيحيون، وإذا جاء الأخرون هؤلاء بمطالبهم، تحتج بأنهم إسلاميون يحكمهم منهج وينظم أمرهم دين، ولكن الحقيقة أنها لا هي هنا ولا هناك بل تؤمن فقط بمنطق الدولة وللدولة منطق خاص.
= ما هي مفردات هذا المنطق؟
في تحليلي ان منطق الدولة يتمثل في إلزامات محددة تفرضها الدولة على الجماعة القائمة بأمرها أو الكتلة التي تمسك بمفاصلها، ويلزم هذا المنطق -مثلاً- الدولة بمواقف محددة في العلاقات الخارجية بدون الاهتمام ما إذا كانت هذه المواقف تتسق مع المبادئ أو تخالفها وهناك مؤسسات داخل الدولة لها منطق خاص مثل الجيش وغيره ومنطق هذه المؤسسات يفرض أيضا التزامات على الدولة بالإضافة إلا أن مثل هذه المؤسسات تحتاج إلى أموال ضخمة وهذا أيضا يُلقي بتبعة على الدولة في توفير مثل هذه الميزانيات الضخمة وهكذا تجد الجماعة القائدة نفسها خاضعة لمنطق الدولة وليست منطق الفكرة.
= كيف تقرأ جدلية منطق الدولة ومنطق الفكرة في سياق التجربة الإسلامية الراهنة؟
في سنوات الإنقاذ الأولى كان قيادة الحركة «الترابي وعلي عثمان» يريدون إدارة الدولة من خارجها «من الباطن» وفي المقابل أصبحت الجماعة المتحكمة في الدولة «في العلن» مشغولة بإدارة الدولة وحمايتها وأصبحت هذه الجماعة تشعر بأنها بلا ولاء للحركة بل حتى القيم الإسلامية. وهذا ليس بدعا فقد حدث في الدولة الأموية وقد بدلت ما كانت عليه الخلافة الراشدة من قيم ثم غيبت الشعب واختياره للحاكم وبيعته ومراقبته ثم جاء الأمويون بمنطق السلاح حتى قال عبد الملك بن مروان في حجته بعد مقتل ابن الزبير «ألا وإني لا أداوي هذه الأمة إلا بالسيف حتي تستقيم لي قناتكم وإنكم تحفظوننا أعمال المهاجرين الأولين ولا تعملون مثل أعمالهم وإنكم تأمروننا بتقوى الله وتنسون ذلك من أنفسكم والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه».
وفي العصر الحديث أيضا جاء الإمام الخميني رحمه الله بفكرة ولاية الفقيه في الفكر السياسي الشيعي ليكون نائبا عن الإمام الغائب في ولاية أمر الدولة وفق منهج الأئمة الأثني عشر ولكن في أواخر عهده قال الخميني إن الدولة الإسلامية وبقاءها شرط أساسي لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإن كان بقاء الدولة يقتضي مخالفة الشريعة فيجوز للفقيه مخالفتها، وإن اقتضى ذلك هدم المساجد ومنع الحج. طبعا إخواننا في السودان لم يقولوا مثل هذا القول ولكن عمليا لايبالون بالحركة ولا بالقيم الإسلامية، وولاؤهم الأساس هو لمبدأ البقاء في السلطة، وقد يبرر ذلك نظريا بأهمية بقاء الدولة الإسلامية واستمرارها ولكن عمليا المقصود بقاء فلان وفلان على رأس الدولة بل هذا قد يكون أهم عندهم من بقاء الدولة نفسها.
يبدو لي أن الدولة - بمرور الوقت- أصبح لها بطانتها وأضحى الولاء لها بمنطق الانتفاع حتى ظهرت أحزاب «موالية» للدولة وتمثل حزب الدولة دائما ومن سمات هذه الأحزاب أنها تكون قوية في وجود الدولة وتذوب كفص الملح إذا ذهبت الدولة.
= هل المذكرة التصحيحية «مذكرة 1000 أخ» ستؤدي في اتجاه التغيير؟
لا أعتقد أنها ستؤدي إلى التغيير.
= لماذا؟
للسبب الذي ذكرته، وهو أن حزب الدولة هو الحزب المتحكم في كل شئ. وإذا لم يحدث تغيير في القيادة فإن النهج سيستمر . . والمخيف أننا قد رأينا من قبل تغييراً في القيادة «إقصاء الترابي» ولم نر تغييرا في النهج، ويرجع السبب في ظني إلى خلل جوهري في التركيبة البنيوية للدولة. ويمكن القول ان جوهر الدولة وهو الجهاز الأمني، لأنه الذي يتحكم في المعلومات التي تصل للقيادة والاتجاهات ومن ثم فهو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من يصنع السياسات والاتجاهات والمواقف. والمذكرة تشتكي من تركيبة النظام هذه.
= كيف قرأت هذه الشكوى؟
مثلا الحديث عن الفساد في المذكرة ، في ظني ليس عن الفساد البسيط الذي يضبط في تقرير المراجع العام وتستطيع النيابة والجهاز القضائي التعامل معه والقضاء عليه، ولكن الحديث هو عن نوع آخر من الفساد، وهو الفساد المتصل ببنية السلطة كالشركات الأمنية أو التابعة لأشخاص نافذين في الدولة وتحظى بالمناقصات، وهي شركات تعمل في سياق قانوني، أو موظف دولة يتلقي مرتبا ضخما غير مناسب للمهمة ويتجاوز معدلات الأجور بدرجة خرافية . . هذا لايمكن وصفه قانونا فسادا ولكنه قطعا خلل كبير في الدولة، إذ لا تفرق بين الخاص القادة والعام الدولة . . . هذا النوع من الأعمال لايمكن حدوثه في النظام الديمقراطي الحقيقي. وهناك المساهمات التي يقدمها رجال الأعمال النافذين للحزب للحاكم، وهي ليست في معظم الأحيان لوجه الله. وأخطر من هذا، «الهدايا» التي يقدمها رجال الأعمال والشركات الخاصة-العامة لكبار المسؤولين، وهي شبهة كبيرة. والسؤال كيف يُحارب الفساد المحمي بالقانون؟
= هل ستفضي هذه المذكرة في نهاية المطاف إلى إصلاح؟
المذكرة موجهة للجهة المشكو منهم فكيف تريد منهم المذكرة أن يحاسبوا أنفسهم ويعاقبوها؟ هذه مسألة أولى، ثانياً في رأيي أن وقت الإصلاح قد مضى.
= متى كان الوقت متاحا للإصلاح إن لم يكن الآن؟
وقت الإصلاح عندي كان العام 1995م، ثم تجددت الفرصة مع اتفاقية السلام وبدء الفترة الانتقالية وكان من الممكن تنفيذ إصلاحات جوهرية في سياقها ولكنها أهدرت الفرصة في التناحر بين الشريكين ثم تجددت الفرصة في انتخابات 2010م، ولو استطاعت الأحزاب الحصول على نسبة مقدرة في البرلمان كنا انتقلنا لمرحلة تعددية سياسية حقيقية بدلا عن الاتفاقيات الثنائية بين المؤتمر الوطني وهذا الحزب أو ذاك.
= هل ما احتوته المذكرة التصحيحية من مطالب قابلة للقبول والتنفيذ؟
مطالب القوم غير ممكنة التنفيذ في ظل القيادة الحالية.
= إذن ما هو البديل؟
هناك خياران، الأول وهو على عاتق أهل المذكرة ومن يؤيدونهم في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وهو أن يتحرك أصحابها ويقودوا حملة داخل الحزب من أجل الدفع بقيادات صالحة للمقدمة وفي هذه الحالة سيكون أحد أمرين إما أن تجبر القيادة الحالية على الإصلاح أو تعزل وتقدم القيادة الصالحة، ولا تنسى أن المؤيدين للاتجاه الإصلاحي ليسوا هم فقط ال 1000 أخ الموقعون عليها بل كل أصحاب المذكرات السابقة التي أشرت إليها ومن يؤيدونهم ولا أفتكر كتابة مذكرة وحده يكفي لإحداث التغيير.
الثاني، أن يحدث توافق حقيقي بين كل القوى السياسية وعلى رأسهم المؤتمر الوطني على ترتيبات فترة انتقالية تعقبها انتخابات ديمقراطية تتمتع بالشفافية ونزيهة وتساوي الفرص.
ولكن إشكالية الخيار الأخير أن القيادة في المؤتمر الوطني لا تثق في انتخابات مفتوحة ولا تعتقد أنهم سيكسبون اللعبة الديمقراطية وعليه فهم يفضلون الاستمرار في اللعب على الحبال، في حلقة مفرغة. .
ويبدو لي أن الخيارات أمام المؤتمر الوطني محدودة في ظل أزماته الداخلية والخارجية، أما القبول بانتخابات بإحتمال نسبة خسارة مقدرة أو انهيار النظام، وهذا ما يخشاه أهل المذكرة، وأعتقد أن هناك مسؤولية على أهل الحركة الإسلامية في قيادة التغيير أولا لينقذوا الحركة ثم لينقذوا أنفسهم.
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.