كلما تسارع نبض الحياة سارعت المرأة العربية بوضع بصمتها الخاصة فيها، لتمشي إلى جانب الرجل متناسيةً فكرة المطالبة بالمساواة فيما بينهما. لأنها قد حققتها أصلاً. ومع ظروف الانشغال بتحقيق الذات، ومواصلة الدراسات العليا وإثبات القدرة على تحمل ضغط العمل. تؤجل الفتاة فكرة وجود الشريك الرجل إلى حين يتحقق كل شيء. وتتلاشى إمكانية الزواج بين صعوبات واختبارات الحياة. ويعرض فيلم "بنتين من مصر" للكاتب محمد أمين والمخرج سيف الساحر، هذه المشكلة المتفاقمة في مصر. والتي تنتشر بذات الكثافة في بقية البلدان العربية، ليسلّط الضوء على قضايا اجتماعية ودينية بغاية التعقيد والحساسية، أثناء تناوله لقصة كفاح بنتين من مصر تجمعهما الصداقة وصلة القرابة. الأولى "حنان" تقوم بدورها الممثلة زينة، والثانية "داليا" وتؤديها الفنانة صبا مبارك. نشأتا في عائلة محافظة، تحترم تقاليد مجتمعها وتقيم شعائرها الدينية باحترام وتقديس. بالإضافة إلى التحصيل العلمي الذي نالته كل واحدة، والتقدم الوظيفي المهني الذي أتقنتاه، كل هذه الصفات تجعل من حنان وداليا "عروستين مثاليتين" يرغب أي شاب بالارتباط بمها، ولكن هذا الشيء لم يحدث للأسف. على الرغم من أن مسألة "العنوسة" طرحت وتطرح يومياً في الدراما. إلا أن "بنتين من مصر" ركّز على الجانب الإنساني والعاطفي، من خلال أحداث اتسمت بالألم إلى جانب الطرافة. فوضحّ درجة الحرمان الجسدي والعاطفي بتفاصيل صغيرة باتت تعبر عن هوية شريحة واسعة من المجتمع المصري. فشراء حنان لقمصان النوم وأحلام اليقظة التي صارت من يومياتها. ورسم داليا لرجل وامرأة يقبلان بعضهما على الورق وحديثها على التشات مع الشاب جمال. يصف حجم الشرخ الكبير الفاصل بين الرغبة الطبيعية للإنسان، والعجز الحاصل في واقعه. وغياب وجود الرجل معنوياً ومادياً في حياة نساء الفيلم، صيّرهن ضحايا صراع نفسي حسي بين الشرعي واللاشرعي. مما دفع نسبة كبيرة للالتفاف حول بعض القوانين والتشريعات لإرضاء الله والنفس معاً. وهو ما نلمسه في فكرة الزواج العرفي التي طبقتها الطبيبة صديقة داليا في المشفى. وكحلّ درامي للبوح الذي حدث في الفيلم، وجدت حلقة العلاج النفسي الذي كانت تحضرها حنان. وعبر هذه الجلسات العلاجية سمعنا مخاوف وشكاوى بنات فاتهن "قطر الزواج" لنجد أن العنوسة لا تهدّد الحياة العاطفية والجسدية للمرأة فقط، بل تهدد مصير المرأة كله. إنها حرمان أبدي من الأمومة هذه الغريزة التي تقاتل نساء الأرض لا شعورياً للمحافظة عليها. وهي عزلة أبدية في مجتمع صاخب. كما أنها تهديد لشخصية المرأة التي تعبت في إنجازها سنوات طويلة. فالزواج رخصة تسمح بممارسة نشاطات اجتماعية، لا تقدر "غير المتزوجة" من الحصول عليها في ظل غياب الرجل السند. هل هي أنانية وجشع من المرأة، أن ترغب بالعلم والعمل والزوج والأولاد في آنٍ واحد؟ أم أنه حق ذاتي وطبيعي لأي إنسان حيّ سواء كان ذكرا أم أنثى؟ وإذا كان هذا طبيعياً، فلماذا قلما نجد امرأة استطاعت الجمع بين النجاح المهني والعائلي؟ هي أسئلة شائكة، أجوبتها أكثر صعوبة منها، اقترب "بنتين من مصر" من بعض تشعباتها، مثلاً نتلمّس من حديث حنان أمام زملائها في العمل، أن المرأة اليوم صارت خائفة من طرح قضية المساواة والحقوق أمام الرجل. لأنه وبصراحة يمكن أن يخاف منها ويعدل عن فكرة الارتباط بها. فالأفضل أن تظهر بوادر الطاعة والانصياع لأوامره حتى يتم موضوع الزواج بخير وسلامة. ونكتشف في الفيلم، أن جزءاً كبيراً من مشكلة "العنوسة" تتحملها المنظومة السياسية والاقتصادية التي تسيطر على المجتمع. وهذا يظهر أثناء عرض شخصيات ذكورية تسعى وراء الرزق بكل قوتها ولا تملك إليه سبيلاً. وأخرى معرضة للابتزاز أو للاعتقال دائماً... ولا ننسى دور المجتمع بعاداته المهترئة، الذي يمثّله خطيب حنان بجدارة. فالخوف من أن تكون لشريكة العمر علاقات سابقة، يقضّ مضجع رجال كثيرين ويمنعهم من الزواج. وأما أن يطرح الفيلم مأساة غرق العبارة المصرية، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 شاب ورجل مصري. فكأنما يشبّه العبارة بمصر الغارقة في بحرٍ من الفقر، ومحيطٍ واسع من العجز يشدان أبناءها نحو الهلاك والضياع. كذلك يشير الورم الذي اكتشفته حنان معششاً برحمها. إلى سرطان العنوسة المستشري في المجتمع. والمتطلب حلولاً اسئصالية لانتشاله من الجذور. وهذه مهمة الفرد والمؤسسات الحكومية معاً.