خالد الشامي: شهد محيط وزارة الداخلية القريب من ميدان التحرير بالقاهرة امس مواجهات عنيفة بين قوات الامن ونحو عشرين الف متظاهر غاضبين مما اصبح يعرف ب'مجزرة بورسعيد' التي راح ضحيتها اربعة وسبعون قتيلا ومئات الجرحى من مشجعي النادي الاهلي بعد انتهاء مباراته مع النادي المصري في مدينة بورسعيد. وقالت تقاريرمتطابقة ان نحو خمسمائة متظاهر اصيبوا نتيجة الاختناق بالغازات المسيلة للدموع واشتباكات بالحجارة، وسط مخاوف من تطور المواجهات. وكانت اربع مسيرات ضخمة توجهت الى مقر الوزارة للمطالبة بالقصاص للضحايا، وشارك لاعب الاهلي المعروف محمد ابو تريكة في احداها. قالت وزارة الداخلية الخميس' إنه في يوم الخميس تجمعت أعداد غفيرة من المتظاهرين بالشوارع المحيطة بالوزارة، وقاموا بقطع الأسلاك الشائكة وعبروا الحواجز الأسمنتية المجاورة لمبنى الوزارة، في إصرار واضح على الوصول إلى مقر الوزارة'. وأضافت 'الداخلية في بيان لها تعليقاً على الاشتباكات الجارية أمام مبنى الوزارة، والشوارع المحيطة بها 'نناشد أبناء مصر الشرفاء الاحتكام لصوت العقل، وإعلاء مصلحة الوطن في تلك الظروف التي تتطلب تحقيقا شاملا لأهداف الثورة المجيدة، وعدم الانسياق وراء الدعوات المغرضة التي تسعى لتحقيق الفوضى'. وتعرض عمرو موسى المرشح الرئاسي المحتمل الى هجوم وهتافات معادية من مشجعي الاهلي اثناء مغادرته مسجدا في القاهرة حيث ذهب لتقديم العزاء في الضحايا، وهتف المتظاهرون (امشي امشي..مش عاوزينك.. وانت فلول)، وذكرت انباء ان موسى ربما اصيب بجرح في قدمه بسلاح ابيض من احد المتظاهرين، بينما كان حراسه يدفعونه نحو السيارة وسط الحشود الغاضبة، ونفى موسى في وقت لاحق اصابته بالسكين. وردد المتظاهرون قرب وزارة الداخلية هتافات 'الداخلية بلطجية' 'يسقط يسقط حُكم العسكر' و'النهاردة آخر يوم ' و'إرحل إرحل يا مشير'، في إشارة إلى المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يُدير شؤون البلاد حالياً، و'يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح' و'يا نجيب حقهم .. يا نموت زيهم'. ويطالب المتظاهرون بإقالة الحكومة ومحاكمة القادة الأمنيين وفي مقدمتهم وزير الداخلية لتقاعسهم عن توفير الأمن في البلاد. وقال عدد كبير من المتظاهرين إن هناك انفلاتا أمنيا متعمَّدا لمعاقبة الشعب على قيامه بالثورة ضد النظام السابق والإطاحة برئيسه حسني مبارك، معتبرين أن حالات الإنفلات الأمني ستتزايد مع اقتراب صدور الحُكم على مبارك في قضية 'قتل الثوار'. وقرر البرلمان المصري في جلسة طارئة صباح امس دراسة توجيه الاتهام بالتقصير لوزير الداخلية محمد ابراهيم، وهو ما قد يؤدي الى اقالته او احالته الى النيابة العامة. وجاء القرار بمبادرة من حزب الحرية والعدالة صاحب الكتلة الاكبر في البرلمان، فيما بدا محاولة لتفادي اتهامات بالتهاون مع الحكومة والمجلس العسكري في ظل حالة من الاحتقان السياسي والشعبي غير المسبوق منذ قيام الثورة في يناير الماضي. وبدا واضحا عمق القلق لدى المجلس العسكري من عواقب المجزرة، اذ قرر المشير حسين طنطاوي تخصيص طائرتين عسكريتين لاجلاء بعثة الاهلي والمصابين من بورسعيد مساء الاربعاء، وكان في مقدمة مستقبليهم في مطار عسكري في شرق القاهرة قرابة منتصف الليل. كما قرر المشير اعلان حالة الحداد العام لثلاثة ايام، في محاولة لامتصاص الغضب العارم بين جماهير الاهلي، وهو اعرق الاندية المصرية والعربية، وقال في تصريحات مقتضبة انه امر بتشكيل لجنة تقصي حقائق، وطلب من النائب العام فتح تحقيق فوري في الاحداث. وقرر رئيس الوزراء الدكتوركمال الجنزوري اقالة محافظ بور سعيد واحالة مدير الامن الى التحقيق، الا انه تمسك بوزير الداخلية رغم ما تعرض له من انتقادات، ما دفع الكثيرين الى المطالبة بتغيير الحكومة. وامر النائب العام بالتحفظ على القيادات الامنية في بورسعيد والتحقيق معها. الا ان كل هذه الاجراءات فشلت فيما يبدو في تحقيق الهدف منها، واعلنت مجموعة 'التراس اهلاوي' على الفيسبوك عزمها الثأر للضحايا، وحملت المجلس العسكري ووزارة الداخلية المسؤولية عن المجزرة. وقالت مصادر ل'القدس العربي' ان مجزرة بور سعيد لاعلاقة مباشرة لها بكرة القدم، او التوتر التقليدي في مباريات الناديين، حيث ان اسوأ احداث الشغب في تاريخ مبارياتهما لم تتجاوز القاء بعض الحجارة الى داخل الملعب. واكدت ان بعض قيادات وزارة الداخلية لديها 'ثأر' مع الالتراس منذ مشاركتهم في الثورة، ثم المواجهات المتفرقة ضد الشرطة خلال العام الماضي، وارادت ان تصفي حساباتها معهم، بالدفع بعدد كبير من البلطجية المسلحين الى المباراة، ما يفسر العدد الكبير من القتلى، والتزام قوات الامن الحياد وعدم المبالاة اثناء الهجوم على جماهير الاهلي، ثم التراخي في نقل المصابين الى المستشفيات، والذي لم يبدأ الا بعد استغاثات من مسؤولي بعثة الاهلي عبر بعض القنوات الفضائية. وتساءلت المصادر عن اسباب غياب مدير امن بورسعيد ومحافظها والقيادات الامنية عن المباراة رغم اهميتها وحساسيتها خاصة في بورسعيد المعروفة بتشجيعها الحماسي لناديها. وتوقعت المصادر استمرار هذه الحرب بين الالتراس ووزارة الداخلية الى حين حدوث اعادة هيكلة في الوزارة. وربط مراقبون مجزرة بور سعيد بنذر حالة من انتشار الفوضى والانفلات الامني تمثلت في سلسلة غير مسبوقة من هجمات السطو على بنوك ومكاتب صرافة وبريد شهدتها مصر خلال الايام القليلة الماضية. واعتبروا ان الدولة المصرية العتيدة تعاني مظاهر واضحة للتفكك في العديد من المجالات، في ظل حالة من الفوضى الامنية والغموض والاحتقان السياسيين.