يمكن القول إن براد بيت يعتبر النجم الأكثر شهرة في هوليود، لكن المرء يمكنه في الوقت نفسه أن يجادل بأن مصدر شهرته ليس موهبته الفذة في مجال التمثيل وإنما وسامته وعلاقاته الرومانسية التي تتصدرعناوين الصحف مع أكثر نجمات هوليود إثارة. لقد طاولت شهرته عنان السماء كنجم هوليوودي في العام 2001 بعد أن تزوج بطلة مسلسل 'فريندز' التلفزيوني الجميلة والشهيرة جنيفر أنستون. وفي العام 2003 كان لانهيار زواجه هذا وعلاقته العاطفية بأنجلينا جولي الأثر الكبير في أن يتربع على قمة الشهرة في هوليود وأن يصبح مادة لعناوين الصحف الصفراء أكثر من أي نجم آخر. وبالرغم من شهرته الواسعة ومظهره الذي يوحي بأن شخصيه قيادية، أمضى بت معظم حياته المهنية محاولاً تجنب شباك تذاكر ذي إيرادات ضخمة لصالح أعمال أكثر خطورة وأقل بروزاً، وبعد أن أحدث اختراقاً بأدائه المؤثر في فلم 'ثلما آند لويس' في العام 1991، قام بشكل فعال بتخريب صورته المحببة عبر أدائه أدواراً ركيكة وغالباً مجنونة في أفلام مثل '12 قردا'1995 'نادي القتال'1999 'سانتش2001'. شاهدت في الليلة التي سبقت اللقاء في تورنتو كيف انفجر الحشد بصراخ عال يهزون الأرض تحت أقدامهم عندما ترجل بيت - الذي ترافقه زوجته أنجلينا جولي - من سيارته الليموزين ومشى على السجاد الأحمر ليحضر العرض الأول لفيلمه الجديد 'موني بول'. كان واضحاً أن بيت يستمتع بصيحات ترحيب الجموع، يصافحهم، يوقع لهم التذكارات، ويتبادل الكلام مع معجبيه. أخبرني بيت أن هذه اللحظات تعيد لذاكرته أيامه الأولى كممثل ينتظر - كحال معجبيه الآن - مرور نجومه المفضلين. 'أتذكر عندما كنت في بداياتي كيف كانت رؤية الناس الذين أقدرهم بشكل مفاجئ تمنحني الإحساس بأن شيئاً مميزاً أو جيداً سوف يحدث' قال لي وهو يبتسم بحنين. لقد اكتشف النجم الشهير أن استذكار مشاعر البهجة هذه في قلوب معجبيه يمنحه مساحة واسعة من التحرر، لكنه يعترف في الوقت عينه بأن الشهرة التي تفتح له الكثير من الأبواب حيثما ذهب في العالم يمكن أن تقيده. يرفع صوته بأنه 'لم ير بهو فندق منذ 15 عاماً'. 'اعتدت على الدخول والخروج من الأبواب الخلفية للفنادق. مكثت في إحدى المرات في تورنتو 48 ساعة وقمت فقط بعبور الشارع إلى مكان العرض الإفتتاحي' 'إنها مقايضة، لكن لدينا مكاسبنا في المقابل. إنها مسألة الجيد والسيء' أضاف بيت. في الواقع وبشكل مغاير لعديد من نظرائه، فإن النجم البالغ من العمر 47 عاماً نادراً ما يشاهد في حفلات هوليوود. ربما لأنه يحتاج جيشاً من الحراس الشخصيين لمرافقته كلما غادر بيته، لكنه يقول أنه يفضل أن يكرس وقته لعائلته الصغيرة. بيت وكما هو معروف أب لستة أطفال أمهم أنجلينا جولي: مادوكس ذو التسعة أعوام والذي تم تبنيه من ميتم كمبودي عندما كان عمره سبعة أشهر فقط. الإبنة زهرا والتي تم تبنيها من ميتم في إثيوبيا. ابنتهم البيولوجية شيلوه ذات الخمسة أعوام والتي ولدت في ناميبيا. الفيتنامي باكس والتوأم كنوكس وفيفيان البالغين ثلاثة أعوام. يقول بحماسة 'إن إهتمامي هو بالاعتناء بأفراد عائلتي وسلامتهم والقيام بالأعمال الضرورية لهم'. 'تحدثنا أنا وآنجي عن ذلك والتزمنا بتربية العائلة سوية وإن كل ما عدا ذلك هو أمر ثانوي' لكن عائلته في المقابل لم تكن عائقا بل محفزاً لأداء وانتاج أفلام ذات سوية عالية. 'في الواقع فإنني أستمتع بحياتي أكثر من أي وقت مضى. لقد حررتني نوعاً ما. إنها تجبرك على البحث عن مشاريع تستحق فعلاً أن تستثمر وقتك فيها إن كانت ستبعدك عن العائلة'. أصبح بيت مؤخراً نجم ملحمة تيرينس مالك 'شجرة الحياة' والتي حازت على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في أيار الفائت، والدراما الواقعية 'مونيبول' والتي قام بإنتاجها أيضاً. حازت 'مونيبول' على نسبة مشاهدة عالية جداً ومن المتوقع أن تحوز على جوائز الصدارة لهذا الموسم. يؤدي بيت في 'مونيبول' شخصية بيلي بين مدير فريق البيسبول أوكلاند آي الواقع في أزمة. تواجه بين في هذه الدراما معضلة أن النادي يقترب من الإندثار بسبب خسارته لأفضل لاعبيه لصالح الفرق الكبيرة، فيحاول بين بمساعدة الخبير الاقتصادي بيتر براند - جون هيل - المتخرج من جامعة يال استخدام تحليل إحصائي لتوظيف لاعبين مغمورين ضمن صفوف فريقه. تغير نتائج هذه الطريقة لاحقاً أسلوب اللعب وتنتقل ليتم اعتمادها في ألعاب تنافسية أخرى تعتمد حتى في مجال الأعمال. كتب سيناريو 'مونيبول' ستيفن زايلان وهو كاتب مسلسلات تلفزيونية حائز على جائزة أوسكار، وقد تغير مخرجها عدة مرات قبل ان يتم إصدارها من قبل سوني بيكتشرز. في الواقع فقد أوقف الاستديو المشروع مباشرة عقب اليوم الأول من التصوير مع المخرج ستيفن سوديربرغ، لكن بفضل دعم بيت الحثيث للمشروع وافق الاستديو على إعطائه فرصة أخرى وإعادة كتابة السيناريو مع كاتب آخر حائز على جائزة الأوسكار هو آرون سوركين ومخرج جديد هو بينيت ميللر. 'لقد أعدنا الاستعداد وانطلقنا من جديد' يقول بيت مبتسماً. 'كونها قصة غير تقليدية حيث المادة معقدة مضافاً إليها المصفوفات والعمليات الاقتصادية في مقدمتها، وهي ليست مادة مثيرة ومشوقة، ولقد كان أمرا بالغ التعقيد أن تشق طريقها وأن ترى النور' شغف بيت بإنتاج الفيلم نابع من تصميمه على لعب دور بيلي بين. رجل في متوسط العمر يميل إلى المنافسة بشكل كبير فضلاً عن كونه رجل عائلة قادته رغبته للفوز وإعادة إثبات النفس للتحول و أن يصبح مديراً بعد أن فشل في أن يرقى لمستوى التوقعات وأن يصبح نجم بيسبول. 'فكرة الفيلم هي كيف نقوم بتقييم الأشياء' يقول بيت بحماسة. ' كيف نقيم بعضنا بعضاً وكيف نقيم أنفسنا وكيف نحدد من هو الفائز بناء على هذه القيم. سؤال الفلم يدور حول فكرة أساسية هي كيف نعرف النجاح. في نهاية المطاف إننا نأمل جميعاً أن تتوافق أفعالنا مع بعض القيم، أن يكون لها معنى وهذا ما أظن أنه مدار البحث' وجدت قصة بين صدى عميقاً لدى الممثل المولود في أوكلاهوما والذي ترعرع في ميسوري. هذا الممثل الذي تخلى عن دراسته الجامعية في أوائل الثمانينيات وتوجه إلى لوس أنجلس حاملاً 300 دولار أمريكي فقط في جيبه ساعيأ وراء حلمه: أن يعمل في التمثيل. قام بيت ببعض الأعمال الجانبية في أفلام متواضعة قبل أن يعرض عليه دور صغير في برنامج تلفزيوني تدفقت بعده العروض التي قادته إلى أدوار هامة على الشاشة الكبيرة. يصر بيت على أن النجاح جاء بعد سلسلة من الفشل. 'أنظر إلى الإخفاق باعتباره الخطوة التي تقود إلى الفوز التالي. لا أتوقف عنده كثيراً لأنني أرى الأمور متتابعة وكأنها فصول السنة، فعند الإخفاق أكون في شتاء بارد ومظلم وقاس وبعده يعود الربيع من جديد. لا أكرر الخطأ مرة أخرى بل أصححه ويقودني إلى شيء آخر' بطل فيلم 'تروي' يعتقد بأنه تعلم كيف يسير في متاهة عالم صناعة الأفلام من خلال التجربة والخطأ. 'عندما نبدأ من جديد، نعتمد على نصائح موجهة من أناس عاملين في هذا المجال. تكون هذه النصائح جيدة في بعض الأحيان ولا تكون كذلك في أحيان أخرى لأنك وحدك فقط تستطيع أن تقرر ما هو خيارك الأنسب. لقد قمت باتخاذ عدد من القرارات التي قيل لي لاحقاً أنها قرارات صائبة لجهة الحفاظ على المهنة. لقد كانت النوايا صادقة ولكن لأنني لم أكن مشاركاً فيه لم أستطع أن أقدم عوناً أو أن أكون مفيداً. في الواقع أصبحت عبئا ثقيلاً وعائقاً في وجه المشروع' أنهى بيت مؤخرا تصوير فلم الزومبي 'وورلد وور زيد' في بريطانيا ومن الجدير ذكره أن فلم الزومبي الوحيد الذي شاهده بيت هو فيلم 'داني بويلز' قبل 28 يوماً. حين لا يكون مشغولاً بصناعة الأفلام، يمضي بيت أوقاته برفقة جولي في رعاية حملات تبرعات لغايات خيرية حول العالم. يقومان باستمرار بزيارة ضحايا الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة حول العالم والتبرع لهم بملايين الدولارات، كضحايا بركان نيو أورليانز وزلزال هاييتي وفيضانات باكستان. من خلال الحديث إلى بيت يتضح أنه يكره المضمون الفارغ للشهرة الزائفة وأنه لا يريد أن يتم تذكره بسبب نظرته المتقدة بل بسبب كونه ممثلاً عظيما، ورجلاً محباً يهتم بأسرته وإنساناً كريماً محباً لعمل الخير. يتضح أيضاً أن جولي - التي أضافت لحياته بعداً آخر بادخاله إلى العالم المضطرب وراء هوليوود- هي أساس وجوده.