باتت الخلافات سمة تلازم الأحزاب السودانية فلا يكاد جسم سياسى يخلو من الإنشقاقات والمناطحات والملاسنات بين قياداته، وتطور الأمر اخيرا الى ظاهرة المذكرات التصحيحية التى انتظمت الأحزاب حاكمة ومحكومة فقد اهتزت شجرة المؤتمر الوطنى برياح المذكرات التصحيحية المطالبة بالإصلاح مخلفة العديد من التباينات بين قيادات الحزب الحاكم ما بين مؤيد لنهجها وجدواها ومعارض يطالب بمحاسبة هذه الأصوات التصحيحية. والواضح ان الحزب الحاكم لم يعد متماسكا فقد اضحى يعاني كما يرى مراقبون من التيارات المتصارعة فى داخله، وربما هذا الواقع ما دعا رئيس قطاع الفكر والثقافة بالمؤتمر الوطنى امين حسن عمر لان يطالب بضرورة إنشاء آليات داخل حزبه لتصفية من أسماهم بالعناصر الإنتهازية المتسلقة وتحجيم نفوذها فى مراكز القرار، وابدى امين عدم رضائه عن المطالب الإصلاحية والدعوة الى مراجعة الحركة الإسلامية فى حوار مع المركز السودانى للخدمات الصحفية، وأشار امين حسن عمر الى ان هناك نظريتين لتغيير الوضع الحالى فيما يخص الحزب والحركة الاسلامية الأولى نظرية الدمج وهى غير مقبولة عند اغلب الناس والأخرى نظرية الصف الخالص ومفادها ان بعض قيادات الحركة الإسلامية يعتقدون ان المؤتمر الوطنى أصبح حزب سلطة وجمع المتسللين والراغبين فى المناصب ولذلك بات الناس تأتيه من أجل مغانم الحكم. وحديث أمين هذا يطرح الكثير من التساؤلات، فهل المؤتمر الوطنى يعانى من خلافات داخل اروقته ويسعى الى الإصلاح الحزبى، وهل الآلية التى طالب بها أمين لتصفية من أسماهم بالعناصر الإنتهازية تعكس حقيقة هذا الواقع فى الحزب الحاكم. ومايؤكد هذه التناقضات حديث رئيس قطاع الاعلام بالمؤتمر الوطني إبراهيم غندور في تعليقه على مطالبة د. أمين بضرورة إنشاء آلية لتصفية من أسماهم بالعناصر المتسلقة داخل الوطني حيث قال (لا اجد وجوداً لمتسلقين بالمؤتمر الوطني)، وأضاف في تصريحات صحفية أمس (أنّ قيادات الحزب وعضويته محل تقدير واحترام، وان وجدت تجاوزات فإنّ هناك لجنة للمحاسبة). وفي سبيل الاجابة على ذلك اشار عدد من المراقبين الى ان حزب المؤتمر الوطنى اصبح فى الآونة الأخيرة معقلاً لغياب المؤسسية بسبب التناقض بين مؤسساته فى إتخاذ القرارات والتصريحات المتناقضة في ذات القضايا من قبل قيادات الحزب، ثم مواقفهم المتباينة فى القضية الواحدة كملف العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وآخرها الإتفاق الذى ابرمته الحكومة مع دولة جنوب السودان والذى تضمن ملف الحريات الأربع. وملف الحريات الأربع مع دولة جنوب السودان أظهر قمة التباين والتناقض داخل مؤسسات الحزب الحاكم، فبعد مباركة مجلس الوزراء وموافقته المبدئية على مشروع القرار، بجانب موافقة الرئاسة وقبلهم وفد التفاوض الذى يمثل الحكومة والمؤتمر الوطنى، تعالت الأصوات من قبل بعض الاعضاء فى الحزب مطالبه برفض الإتفاق!، هذا الى جانب نفى نائب رئيس الجمهورية وامين القطاع السياسى بالمؤتمر الوطنى الحاج آدم ما تم تناوله عبر وسائل الإعلام المختلفة حول التوصل لاتفاق نهائي بشأن اتفاق الحريات الأربع بين السودان ودولة الجنوب، وتأكيده من موقعه كأمين سياسي للمؤتمر الوطني أن الدولتين لم تتفقا بعد على الملف وانه لم يتم تناول الموضوع بالنقاش المستفيض وقال عقب اجتماع القطاع السياسي امس الاول، ليس هناك اتفاق على الحريات الاربع، ولكن هنالك اتفاق اطاري موقع بالاحرف الاولى لتكوين لجنتين من وزيري الداخلية بين البلدين لصياغة اتفاقية ومقترح حول الحريات الاربع، وتخضع لاعتماد الرئيسين البشير وسلفاكير في القمة المرتقبة، واشار الحاج آدم الى بروز تيارات رافضة لاتفاق الحريات الاربع فى المؤتمر الوطنى، وقال «التيار العنيف الرافض ما فاهم حاجة لانه لم يمتلك المعلومات الصحيحة، ويجب على أي شخص يريد ان يتحدث ان يمتلك المعلومات الحقيقية»، وشدد على ان هذه الاتفاقيات لا يمكن ان تمضي والوضع الامني بين البلدين متأثر وهنالك حرب في الحدود بين الدولتين، واضاف ، «نحن كمؤتمر وطني نقول ان الحرب تدعمها حكومة الجنوب وكذلك الحركات المتمردة التي تحارب وتنطلق من حدودها» وقال «ما دمنا اتفقنا على ابداء حسن نوايا بين الطرفين نطالب الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بكف الاعتداءات والممارسات السالبة التي تخل بالامن والاعتداءات على الحدود»، ووصف الاتفاق حول الحريات الاربع انه مجرد انشاء ولن يكون واقعا الا بعد الوصول الى اتفاق حول الترتيبات الامنية، موضحا ان هذه القضايا «يمكن» أن يتم تداولها عقب الفراغ من الاتفاق والتنفيذ حول أجندة الملف الأمني بين الدولتين. لكن القيادى بالمؤتمر الوطنى الدكتور عمر آدم رحمة يرى ان تباين وجهات النظر امر طبيعى ويعد دليل عافية يعكس الرأى والرأى الآخر وحرية التعبير فى الحزب، وأشار الى ان الآلية التى طالب بها امين الفكر والثقافة بالحزب أمين حسن عمر لتحجيم دور الإنتهازيين أمر طبيعى ايضا يخص الحزب فى إدارة شئونه وكيفية معالجة ومحاسبة الخارجين عن مبادئه وقال رحمة ل «الصحافة» بالامس انه لا توجد جماعة مهما كان عددها تتطابق فى أهدافها تطابقاً كاملاً، ومن الوارد ان يكون هناك شخص له اهداف ذاتية، ورجل آخر صادق ،وآخر له اهداف ذاتية لاتتعارض مع صدقه.. فالمسألة متفاوته،ولكنه عاد ايضا ليشدد على ان الذى يحكم الأعضاء أدبيات الحزب المنادى بمجتمع الفضيلة ، والذى تعلو فيه المصلحة العامة على الذاتية، وهو مجتمع مفروض ان يتوجه بعمله الى الله سبحانه وتعالى، وأضاف رحمة « تتفاوت مقدرات الناس فى الإلتزام بالقوانين وأدبيات المؤتمر الوطنى». وقال القيادي بالمؤتمر الوطني « ليس هناك مجتمع كامل وحتى فى عهد الصحابة هناك من كان يسعى لأهدافه الذاتية فما بالنا فى مجتمع اليوم الذى تعرض لكثير من المؤثرات»، وحول التناقضات والمواقف المتباينة بشأن القرارات فى الحزب اكد رحمة على وجودها مشيرا في هذا الاطار الى قضية الحريات الأربع مع دولة جنوب السودان، الا انه رأى ان هذه القضية تعكس الحرية المتاحة للرأى داخل المؤتمر الوطنى، منوها الى ان هذه المسائل لاتخرج هكذا ويجب ان تخضع للتداول والنقاش، تعبيرا عن دعمه الشخصي لتطبيق الحريات الأربعة بين الشمال والجنوب، مضيفا « حقيقة لاجد مبرر للذين يرفضون هذا الإتفاق». وفى حديثه ل»الصحافة» لا يستنكف المحلل السياسى الدكتور صفوت صبحى فانوس وجود خلافات وتباينات داخل المؤتمر الوطنى، ويقول انها موجودة لان المؤتمر الوطني ليس كتلة صماء، غير أن فانوس يشير ان حسم القضايا في الحزب الحاكم يتم من قبل المكتب القيادى ورئيس المؤتمر الوطنى وبعدها يعدوا الامر منتهيا، ولكن هذه الآلية كما يقول المحلل السياسي لا تمنع من ان يمنح الحزب القيادات والأعضاء فرصة التعبير عن آرائهم الشخصية فى القضايا المطروحة. واوضح فانوس ان قرار الرئيس هو القاطع فى حالة المؤتمر الوطني فهو يمتلك الكلمة الأخيرة، وان اى قرار لا يصدر الا بموافقته، مشيرا في هذا الصدد الى الاتفاق السابق الذى وقعه نائب رئيس الحزب نافع على نافع مع مالك عقار فى أديس ابابا، منوها ان عدم رضى الرئيس عن الاتفاق ادى به للزوال، فضلا عن تراجع نافع عن الاتفاق فى نهاية الأمر. وفسر فانوس تصريحات نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم يوسف النافية لحدوث اتفاق نهائى حول الحريات الأربع مع دولة الجنوب بانها تعنى ان الحريات المعنية ليست مطلقة فى زواياها الأربع كحال التى تم توقيعها مع دولة مصر، معتبرا ان تصريحات نائب الرئيس تفيد بان الإتفاق مقبول من حيث المبدأ ولكنها توضح بانه لم يتم مناقشة التفاصيل بعد، وشكك فانوس في وجود معارضة رسمية داخل المؤتمر الوطنى للحريات الاربع مع دولة الجنوب، ولكنه اشار في ذات الوقت الى ان قرار الرئيس هو الحاسم فى مثل هذه القضايا، (والرئيس لم يعلن حتى اللحظة رفضه لهذا الإتفاق). الصحافة