سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نقد تحت الأرض للمرة الأخيرة ..السيدات والشابات مثلن أكثر من (40%) من جمهور المشيعين..يوم هتف الشيوعيون : (خالد خالد .. انت القائد) ..رجل خر مغشياً عليه من هول ما رأى ..
مقابر فاروق: مجاهد بشير .. تصوير : شالكا بالأمس أسجي جسده ، وغاب في باطن الأرض للمرة الأخيرة، أرض لم يكن غريباً عنها إذ أمضى في باطنها بعضاً من عمره مستتراً عن أذى خصومه ومتفرغاً لما نذر نفسه له... وأمضى على ظاهرها البعض الآخر.. قبل أن يختطفه الموت في لندن عاصمة الضباب. وحينما تجاوزت دقات الساعة التاسعة صباحاً ببضعة دقائق، كان جثمان محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الراحل قد وصل إلى مقر الحزب الشيوعي بالخرطوم (2) ملفوفاً بعلم السودان، يكتنفه نواح النساء وآهات الرجال وتشرئب إليه أعناق الأطفال، قادماً من منزل عائلته بالجريف غرب، في طريقه إلى آخر محطاته في هذي الحياة الدنيا بمقابر فاروق حيث يرقد عدد من أصدقائه ورفاقه أبرزهم فاروق كدودة. ذاك الصباح كان مختلفاً، ليس فقط لأن الشرطة انتشرت بكثافة حول المقبرة، والناس براياتها وشعاراتها ودموعها تجمعت بكثافة أمام البوابة الغربية للمقبرة، لكن سماء وسط الخرطوم بالأمس كانت تفيض بالكثير من العواطف والمشاعر بعضها ساخن للغاية وبعضها دافئ متزن، تكاد تشعر بها تقفز خارج قلوب الرجال والنساء والأطفال، وتراها رأي العين في رقرقة الدموع في تلك العيون. الصادق والترابي .. نظرة رفاق على بعد حوالي مترين عن الآخر، وقف كل من الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والشيخ حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي أمام البوابة الشمالية للمقبرة ، يمدان بصريهما ناحية الشمال من حيث تعلو هتافات موكب الشيوعيين..كأن الرجلين يعودان في تلك اللحظة إلى الستينيات..حينما صعد ثلاثتهم إلى واجهة المشهد السياسي..الذي غادره الآن أحدهم... فيما بقي الآخران يقفان وينظران... دعوات النساء لم تتخلف المرأة عن تشييع نقد..بل لعلها قادته كتفاً بكتف إلى جانب الرجال..فالمعروف أن الحركة الشيوعية أفسحت أبوابها واسعة أمام النساء..وربما كان هذا سر حضور الحركة النسائية برائداتها وشاباتها لتوديع الراحل..ورفع الأكف إلى السماء.. نقد يملأ المكان رغم وفاته، كان محمد إبراهيم نقد حاضراً وسط الجماهير ، حضوراً طاغياً تراه بعينيك وتستشعره يحيط بك من كل مكان..في صور الرجل الكبيرة والصغيرة التي يرفعها الصغار والكبار..في صوت الأقدام وهي تضرب الأرض بتؤدة وثبات..في الصيحات والهتافات: لاك خاين لاك سراق..ماك الولد العاق...خالد خالد وأنت القائد.. الشعر في مواجهة الموت أروع ما في الشيوعيين السودانيين شعرهم ووجدانهم المرهف كما يقول البعض..فحركة اليسار أهدت الثقافة السودانية الكثير من الأشعار والمغنين والأدباء الذين أسهموا عبر الفن في تشكيل وجدان البلاد وشعبها..وهنا يقاوم الشيوعيون قسوة الموت بروعة الشعر على ما يبدو..على طريقة بيت الشعر القائل : هم يذهبون ويبقى بعض ما صنعوا..كأن آثارهم خطت بأقلام.. (حضرنا ولم نجدكم) قال الراحل ذات يوم : لم أكتب شيئاً..هو مجرد كاريكاتير صحفي..تعليقاً على تلك العبارة التي نسبت إليه يوم أبو جنزير..عندما ضربت المعارضة في الميدان موعداً لمواجهة النظام ولم يأت منها أحد.. وأتى وحده محمد إبراهيم نقد سائراً يتوكأ على عصا كانت في يمينه..فنسبت إليه الكتابة على (كرتونة) وجدها في الميدان مخاطباً زعماء المعارضة : (حضرنا ولم نجدكم).. واليوم يرفع هذا الرجل (كرتونة) أخرى لعل نقد يقرأها... عندما يغشى على الرجال لم يحتمل هذا الرجل تلك اللحظة العصيبة التي وورى فيها محمد إبراهيم نقد الثرى..فخر مغشياً عليه من هول ما رأى ...وما شعر به في قرارة نفسه من عواطف وانفعالات.. في وداع نقد.. الجميع كانوا هناك الخرطوم: أم زين آدم في المدى الزمني والمساحة الفاصلة من إعلان رحيل محمد ابراهيم نقد السكرتيرالعام للحزب الشيوعي السوداني بمدينة لندن الى لحظة وصول جثمانه الى مطار الخرطوم ثمة تاريخ جمعته المسافة الفاصلة ما بين المركز العام للحزب الشيوعي بالخرطوم (2) ومقابر فاروق بامتداد شارع (15) العمارات صباح أمس، حيث تجمع الشيب والشباب والسيدات والشابات اللائي مثلن أكثر من (40%) من جمهور المشيعين.وكان الفضاء الفاصل يصرخ بسيرة أحزان اليسار وجراحهم التي لم يتجاوزها بعد من رحيل التجاني الطيب والموسيقار محمد وردي والشاعر حميد والآن كبيرهم الذي جمع الشيوخ والشباب والأطفال لا لشئ الا لكونه رفيقاً وزميلاً واباً عطوفا، وجمع ايضاً الرسميين والشعبيين من قادة المجتمع ورفرفت على قبره رايات المهدية وعلم الاستقلال ورايات الصوفية وعلم السودان جميعها تعاضدت لتقول: ماشين في السكة نمد في سيرتك للجايين، بعد ما كانت آخر وصايا الراحل سلم وطيد.. لوطن مجيد...