يبدو أن المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من آخر ثلاث دول لم يسبق لها أبدا أن أرسلت نساء إلى الألعاب الأولمبية، تعتزم إرسال وفد نسائي إلى اولمبياد لندن. فقد كشف تقرير مقدم من "الرئاسة العامة لرعاية الشباب" إلى أعضاء لجنة الأسرة والشباب والشؤون الاجتماعية في مجلس الشورى عن صدور موافقة ولي العهد ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز على مشاركة المرأة في ألعاب لندن "للرياضات التي تتناسب مع طبيعة المرأة وحشمتها، بما لا يتعارض مع تعاليم الشريعة السمحة". كما أكدت "اللجنة الأولمبية الدولية" أنها عقدت اجتماعا "مثمرا جدا" مع "اللجنة الأولمبية الوطنية السعودية" وتم التطرق خلاله لمشاركة رياضيات سعوديات في الدورة اللّندنية وقد تم وضع قائمة للنساء اللائي "قد يشاركن". وأعلنت قطر، المرشحة لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2020، وسلطنة بروناي عن نيتهما إرسال رياضيات إلى لندن. سعودية تحمل الشعلة الأولمبية وتقول إيمان النفجان في تقرير نشر الثلاثاء بصحيفة "الغارديان" البريطانية "إن ريما عبدالله تطمح لتكون أول رياضية سعودية تحمل الشعلة الأولمبية على طريق طوله ثمانية آلاف ميل إلى لندن". وريما عبدالله هي رئيسة فريق وأحد الأعضاء المؤسسين ل"اتحاد جدة"، أول فريق نسائي سعودي لكرة القدم. وتتابع النفجان بالقول أن "ريما عبدالله شجاعة في بلد يدين ممارسة النساء للرياضة البدنية"، لكنها تضيف "ليست فقط السياسات التي تقف بين الفتيات والتربية البدنية. فهناك ثقافة كاملة وراء هذا التفكير يصعب التخلص منها". وقد ندّدت عدة منظمات غير حكومية متخصصة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ك"هيومان رايتس ووتش"، بالسياسة التمييزية ضد المرأة في مجال الرياضة والتربية البدنية في السعودية. ونقلت صحيفة "لو موند" الفرنسية عن كريستوف فيلكه، الخبير في شؤون السعودية داخل "هيومن رايتس ووتش" إن "السعوديين يقبلون وجود نساء في وفدهم، ولكن ذلك له طابع رمزي". وتساءل فيلكه "كيف سيتأهلن ما دامت لا توجد منافسة مسموح بها ولا أي بنية تحتية متاحة لهن؟". سعودية "فوق العادة" ومن المتوقع أن تكون الفارسة دلما رشدي ملحس مطبقاني من بين أعضاء الوفد الأولمبي السعودي وأن تدخل إلى التاريخ باعتبارها واحدة من أولى السعوديات اللائي يشاركن في الألعاب الأولمبياد. لكن... دلما (20 ربيعا) لا تمثّل السعوديات المحرومات من ممارسة الرياضة واللائي يساهمن في احتلال المملكة على المرتبة الرابعة عالمياً من حيث السّمنة. وكتبت سلطانه السلمي الثلاثاء بصحيفة "عكاظ" تحت عنوان "الرياضة النسائية مجدداً" عن إحدى زميلات الدراسة في المرحلة المتوسطة "تعالت ضحكات مجموعة من الفتيات عندما انكسر كرسيها الخشبي وهي تجلس عليه في زاوية الفصل. تحطم الكرسي الصغير بسبب وزنها الزائد، وتحطم معه الكثير داخلها (...) وبالتأكيد هي ليست الوحيدة التي تعاني من هذا الداء". وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن المملكة تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث السمنة. لذا أصبحت ممارسة الرياضة في مدارس البنات وخارجها مطلبا ملحّا. "في كثير من الأحيان الصورة تعبّر أكثر من الكلمات" وقد عاشت دلمى السنوات الأولى من حياتها في مدينة جدة حيث كانت والدتها، أروى، تدير مركزا للتدريب على ركوب الخيل. وتم تعيين أروى في 2008 عضوا في مجلس إدارة الاتحاد السعودي للفروسية، لتصبح أول سيدة تدخل عضوية الاتحادات الرياضية السعودية. وتقول أروى أن ابنتها "منذ ولادتها كانت محاطة دائما بالخيول وكانت دائما في الاسطبلات" وتتذكر أن دلمى "ركبت للمرة الأولى على مُهر وعمرها عام واحد!". وفي 2005، استقرت دلمى وأمها في إيطاليا وبدأت الفارسة الشابة بالمشاركة في منافسات القفز على الحواجز. وتأهلت، وهي في سن الخامسة عشر، لتمثيل منطقتها في مسابقة مرموقة بإيطاليا وحصلت على الميدالية النحاسية على مستوى الفرق. وأخذ حلم مشاركة أولمبية يرتسم في ذهنها. وشاركت دلمى في دورة الألعاب الأولمبية الأولى للشباب التي أقيمت منذ عامين في سنغافورة بدعوة خاصة من اللجنة الأولمبية الدولية وفازت بالميدالية النحاسية في القفز على الحواجز. لكنها لم تمثل المملكة رسميا. وقد حرص آنذاك الأمين العام للجنة الأولمبية السعودية، راشد الحريول، على التأكيد بأن مشاركتها تأتي بصفتها "الشخصية" وليس ضمن الوفد الرسمي السعودي. كما أن اتحاد الفروسية السعودي أكد أن مشاركة دلما كانت بدعوة من اللجنة الأولمبية الدولية. وذهب بعض السعوديين إلى حد التشكيك في انتسابها إلى المملكة. فقال أحدهم إنها "فتاة لبنانية تم تجنيسها حتى تشارك في الاولمبياد!" واكتفى آخر بالقول "في كثير من الأحيان الصورة تعبر أكثر من الكلمات"، في إشارة إلى تبرّجها. "المتمشيخون" ساهرون وبمجرّد أن أعلن عن احتمال مشاركة سعوديات إلى في الاوليمبياد، هبّ نفر من "حماة الفضيلة" لرفع راية الفصل بين الجنسين. وكتب د.محمد بن عبد الرحمن العريفي، الأستاذ بجامعة الملك سعود وعضو رابطة علماء المسلمين، "على عجل" رسالة للأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز، نائب الرئيس العام لرعاية الشباب، قائلا له "أجزم أنك لا ترضى لابنتك ولا لزوجتك أن تكون من ضمن المشاركات في الألعاب الأولمبية". وأضاف "الرياضة أباحها الإسلام بل شجع عليها لكنه ضبطها بأن لا تشغل عن صلاة ولا يكون فيها قمار أو اختلاط بين الجنسين. فممارسة المرأة للرياضة يؤدّي إلى كشف عورتها أو مشاهدة الرجال لها وهي تارة تركض وتارة تسقط على الأرض وتارة تضحك أو تبكي أو تخاصم لاعبة أخرى أو تركب الخيل أو تمارس ألعاب الجمباز أو المصارعة...والكاميرات تصور والقنوات تنقل. فهذا لا يشك عاقل أنه حرام". أما الشيخ عبدالعزيز الطريفي، عضو رابطة علماء المسلمين، فقد أفتى بحرمة مشاركة المرأة السعودية فى أولمبياد لندن، معتبرا ان الحديث عن الضرورات والضغوط بهذه المسألة وإحالتها إلى الضوابط الشرعية كمن يحيل أكل لحم الخنزير بالضوابط الشرعية أو الزنا بالضوابط الشرعية أو شرب الخمر بالضوابط الشرعية!" وتساءل الشيخ عادل الكلباني، إمام وخطيب جامع الملك خالد بالرياض سابقًا، على صفحته ب"تويتر" عن هذه الضوابط الشرعية قائلا "كيف نعجز أن نوجد ضوابط شرعية لعمل المرأة 'كاشيرة'، ثم نجد الضوابط الشرعية لحملها شعلة الأولمبياد والمشاركة فيه؟". تخفيف الشر ما أمكن أما أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود، الفقيه الدكتور الشيخ صالح بن غانم السدلان، فقد شدد في تصريحات لصحيفة "الشرق" على ضرورة تخصيص أماكن ومداخل "بعيدة عن الرجال وعن أعين الكاميرات" ... في لندن. وقال "إذا فُرض حضور النساء للملاعب بسبب اشتراطات دولية، فينبغي في هذه الحالة تخفيف الشر ما أمكن، بإيجاد أماكن مخصصة في كل الملاعب بحيث يراعى فيها أن تكون لها بوابات منفصلة وبعيدة عن بوابات الرجال". وحسمت السعودية التي كرمتها وزارة الخارجية الأميركية بجائزة أشجع نساء العالم، سمر البدوي، اللّغط بالقول لصحيفة "دي فيلت" الألمانية "إن التّغيير في السعودية لا يمكن أن يأتي إلا عن طريق النساء".
