استقطب كبير حاخامات فرنسا جيل بيرنهايم ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية التي واصلت توجيه سهامها إلى القطري المصري الأصل يوسف القرضاوي وإلى اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، "الإخواني". ودعا بيرنهايم المسلمين "المعتدلين" إلى التظاهر بكثافة للتنديد بالتطرف الإسلامي الذي توجهت له الأنظار بالخصوص بعد الهجمات التي نفذها محمد مراح. انقسامات بين المنظمات الإسلامية في فرنسا وقال الحاخام الأكبر في مقابلات مشتركة مع موسوي على قناة "تي في-5" و اذاعة "ار اف اي" الأحد "إني آمل في تنظيم مظاهرة كبيرة بمشاركة عدة آلاف من المسلمين المعتدلين، أي المسلمين الفرنسيين الذين سينضم إليهم فرنسيون من الطائفة اليهودية لكي يقولوا إن 'هذا الأمر لم يعد مقبولا'. وأعرب موسوي عن تخوفاته "من الاستغلال السياسي لمثل هذا النوع من الأحداث"، موضحا أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "لا يستطيع تنظيم حدث من هذا النوع"، نظرا للانقسامات القائمة بين المنظمات الإسلامية في فرنسا. في الأثناء رحّلت السلطات الفرنسية اثنين من الإسلاميين عن أراضيها، كاشفة عن اعتزامها ترحيل ثلاثة آخرين قريبا، إضافة إلى حملة اعتقالات واسعة، استهدفت جماعات وشبكات إسلامية في أعقاب هجوم مدينتي تولوز ومونتوبان (الذي أودى بحياة سبعة أشخاص من بينهم أطفال يهود). ورحّبت وسائل الإعلام المحلّية بتجفيف منابع التطرف. وكان موسوي قد أعرب عن تأييده للصرامة التي تعاملت بها السلطات الفرنسية مع الإسلام المتطرف، قائلا "يجب التحرك بسرعة لصد هذه الأيديولوجية التي تحرض على الكراهية". ومن جهته، شدد عميد المسجد الكبير بباريس، دليل بوبكر، على "ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية"، بحسب صحيفة "لو فيغارو" المقرّبة من الحزب الحاكم. يذكر أن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي هي هيئة تمثيلية أنشئت سنة 2003 لتكون همزة وصل بين الدولة والجاليات الإسلامية بشأن المسائل المتعلقة بممارسة الدين، كبناء المساجد وتأهيل الأئمة وتعيين رجال الدين في المدارس والمستشفيات والسجون والذبح الشرعي والأقسام المخصصة لأضرحة المسلمين في المقابر. أما اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وهو أهم اتحاد إسلامي في فرنسا، تأسس خلال 1983، فيعتبر مقربا من الإخوان المسلمين. وتقول الكاتبة الفرنسية كارولين فورست، مؤلفة كتاب "اليوتوبيا الأخيرة" في مقال بصحيفة "لو موند" أن "الإتحاد يوجد بشكل كبير تحت الوصاية الأيديولوجية للإخوان المسلمين، الحركة التي تموّلها قطر". دور غامض وداعية غريب واتحاد إخواني في نفس المقال، لخّصت الكاتبة "الدور" القطري بالقول أن الدوحة تساهم من جهة في "الربيع العربي"، ومن جهة أخرى تموّل الحركات الإسلامية القادرة على الاستفادة من التحول نحو إرساء الديمقراطية. وأضافت "الإمارة الصغيرة التي تربطها علاقات جيدة مع حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (حزب الرئيس المنتهية ولايته نيكولا سركوزي) والسياسيين الفرنسيين والمستثمرين، لها معرفة بمجال اللوبيات، ولكنها توفر بالخصوص ميزة إيجاد شريك عربي ضروري عندما ترغب فرنساوالولاياتالمتحدة وعن حق في الإطاحة بطغاة مثل القذافي أو بشار الأسد". وأضافت الكاتبة "ومن ثم يأتي الغموض وتعقيد فك رموز الدور الذي تقوم به قطر". وعن الشيخ القرضاوي، الذي وصفته ب"داعية قطر الغريب"، تساءلت فورست "هل هو، كما يصفه بيان اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا 'رجل سلام وتسامح' أم أنه داعية يحرض على الكراهية؟". وتجيب الكاتبة "يكفي الاستماع لبرنامجه على قناة الجزيرة أو قراءة كتبه للحصول على فكره. فمن خلال اتخاذ الفتاوى كأحكام، فإن يوسف القرضاوي يبرر ضرب المرء لزوجته إذا ما لم تظهر طاعتها له ويوافق على إمكانية حرق المثليين جنسيا 'من أجل تنقية المجتمع الإسلامي من هذه الكائنات الضارة' ويجيز القيام بالهجمات الانتحارية". وتضيف "وهو مقتنع بأن 'الحوار الوحيد مع اليهود يمر فقط من خلال السيف والبندقية'، ويعبر عن ارتياحه لكون هتلر عرف كيف 'يضعهم في مكانهم'، قبل أن يضيف 'لقد كان ذلك عقابا إلهيا. فإذا أراد الله ذلك، فسيكون في المرة القادمة على يد المؤمنين – المسلمين'". وكانت السلطات الفرنسية قد منعت اربعة من كبار الدعاة وهم مفتي القدس السابق الشيخ عكرمة صبري والداعية السعودي عائض بن عبد الله القرني والداعية المصري صفوت حجازي والشيخ المقرئ السعودي عبد الله بصفر من المجيء إلى فرنسا قصد حضور المؤتمره السنوي لإتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، المزمع تنظيمه الأسبوع المقبل بلوبورجيه، حيث من المتوقع أن يصل عدد الحضور إلى 130 ألف شخص. وقرر الشيخ القرضاوي والمصري محمود المصري "العدول عن الحضور" للمشاركة في المؤتمر. وكانت مرشحة اليمين المتطرف لانتخابات الرئاسة الفرنسية مارين لوبن قد طالبت بحل اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا، الذي رد بإعلان اجراء امام القضاء. كما تم اعتقال نحو عشرين شخصا، من بينهم ثلاث نساء، في حملات دهم مختلفة استهدفت "شبكات إسلامية مشتبهة"، في عدة مدن بفرنسا. ونفذت الحملات الأمنية بعد أسبوع من مقتل محمد مراح. وكان من بين الموقوفين محمد أشملان، وهو زعيم جماعة إسلامية سلفية كانت تحمل اسم "فرسان العزة، تم حلها من قبل وزير الداخلية كلود غيان قبل شهر تقريبا، بعد اتهامها ب "التحريض عل الكفاح المسلح." معركة أساسية وفي مقابلة مع لوفيغارو، أشار دومينيك توماس، المختص في قضايا الإسلام المتطرف، أن ما بين خمسة إلى عشرة آلاف سلفي يعيشون اليوم في فرنسا، مضيفا أن سبب منع أربعة دعاة إسلاميين من دخول الأراضي الفرنسية يعود أساسا إلى "رؤاهم المحافظة التي لا تتطابق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية." وتقول لوفيغارو في تعليقها عل حملة الاعتقالات "يجب أن لا نتسامح مع تلك الجماعات التي لا تزال تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلدنا وإقامة نظام الخلافة على أرضها. يجب أيضا على السلطات أن تجفف منابع التطرف داخل المنظمات الإسلامية المعترف بها". وختمت بالقول إننا أمام "معركة أساسية أضحت ضرورية من أجل الحفاظ على اللحمة الوطنية". لكن الكاتب سولا ندي روايي اعتبر، في نفس الصحيفة، أن "ساركوزي، الذي جعل من مكافحة انعدام الأمن أحد أولوياته منذ العام 2002، ركب على الفور الحدث ("مجزرة تولوز")، محاولا جعل خصمه الاشتراكي فرانسوا هولاند يركن إلى الوراء"، خصوصا وأن القضايا المرتبطة بالأمن "لم تشهد أبدا تفوقا في المقاربة لليسار على اليمين". "إرهاب الناس لأغراض انتخابية" وبمزيد من الوضوح، قالت صحيفة "ليبراسيون" في افتتاحية بعنوان "إرهاب الناس لأغراض انتخابية" "لنتخيل للحظة أن فرانسوا هولاند كان رئيسا للدولة عند وقوع هجمات تولوز ومونتوبان، فإن قادة اليمين ما كانوا ليترددوا في كيل الاتهامات لليسار". وتساءلت الصحيفة "كيف يعقل أن يترك إسلامي قادم من أفغانستان من دون مراقبة؟، لماذا لم يتم فتح أي تحقيق حول شخص اعتبرته الولاياتالمتحدة مصدر خطورة دائم، إلى حد منعه من السفر إلى التراب الأمريكي؟، وكيف تسنى لشاب الحصول على كل تلك الأسلحة والأموال التي ضبطت بحوزته، من دون أن يثير ذلك انتباه أي من السلطات المعنية؟". وأضافت الصحيفة "الواقع هو أن نيكولا ساركوزي هو من يحكم فرنسا اليوم بمعية مصالح استخباراته. وقد عمد ساركوزي إلى إرسال المقربين منه إلى عين المكان من أجل الترويج لرواية رسمية للأحداث. وتلك الرواية بالضبط هي التي تناقلتها وسائل الإعلام من دون أي تدقيق في صحتها أو إخضاعها لأي تحليل نقدي". واستحضر كاتب الافتتاحية النصيحة التي كان قد قدمها أحد مستشاري البيت الأبيض للرئيس هاري ترومان في عز الحملة الانتخابية عام 1947، هامسا في أذنيه "إذا كنت ترغب في أن يتبعك الناس فعليك أن تجعلهم يعيشون لحظة ذعر". ميدل ايست أونلاين