المشهد قبل أيام، البوسترات تنتشر في شوارع الخرطوم، وعليها صور الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، في اعلان لحفلها الذي كان من المفترض ان يكون في مساء غد بنادي الضباط وهو ينظمه متعهد الحفلات شلدم بالتعاون مع اتحاد المهن الموسيقية.. ولكن صحف الخرطوم الصادرة أمس نقلت مطالبة العضو في البرلمان دفع الله حسب الرسول خلال جلسة الهيئة التشريعية أمس باتخاذ اجراءات حاسمة بشأن حضور المطربة المصرية شيرين واقامتها لحفل غنائي. وقال ان هذه الفنانة ستهزم روح القوات المسلحة وأبناءها المجاهدين ونحن نعمل على استنفارهم ، واضاف وهو يلوح بصورتها لابد من منع هذه «المرأة» من الحضور للسودان نريد ان نعرف من هو الوزير المسؤول عن هذه الراقصة ويأتي للبرلمان «ولو ما قادر على العمل يطير» وقال هل ضاقت مصر بهذه الراقصة حتى تأتي للسودان. وأضاف «هم الراقصات في السودان شوية». صباح أمس اتصلت بالاستاذ حمد الريح رئيس اتحاد المهن الموسيقية فنقل لي انهم تم اخطارهم بايقاف هذا الحفل ورفض حمد التعليق على قرار الايقاف، ولكنه أكد أن كل اجراءات التصديق للحفل اكتملت حتى جاء قرار الايقاف، حيث اخطرهم الوزير محمد عوض البارودي رئيس المجلس الأعلى للثقافة والاعلام بولاية الخرطوم بايقاف هذا الحفل نسبة للظروف الامنية التي تمر بها البلاد والمعارك التي تخوضها القوات المسلحة في هجليج. وكان رئيس تحرير الصحافة الأستاذ النور أحمد النور في زاويته الصادرة أمس قد انتقد دعوة النائب البرلماني دفع الله حسب الرسول وقال «الوضع في غاية الخطورة الخيار الأسوأ الذي كان يخشاه الجميع. انفصال الجنوب واندلاع الحرب انها حرب مفروضة على السودان، السودانيون مطالبون بالوقوف صفاً واحداً خلف قواتهم المسلحة التي تسهر على حراسة الثغور وتدفع المهج والارواح للحفاظ على التراب.. وبينما الوطن يواجه هذه التحديات طالب عضو البرلمان دفع الله حسب الرسول بمنع دخول المطربة شيرين.. تخيلوا البلد في شنو والنائب المحترم في شنو كنت أتوقع ان يستدعي البرلمان وزير الدفاع لمعرفة الحقائق عن الأوضاع العسكرية لا إثارة قضايا انصرافية. ولكن السيف سبق العزل وتم الغاء حفل شيرين وهو ليس الإلغاء الأول لحفل فنانة عربية فآخر إلغاء تم لفريق البوم العرب بعد ان انتشرت الاعلانات في الخرطوم وفجأة صدر قرار بالغاء الحفل لشباب البوم العرب الذين كان من بينهم السوداني خالد حسن وسبق ذلك الغاء حفل للفنانة ديانا حداد بالخرطوم قبل عدة سنوات وشيرين نفسها سبق لها ان زارت الخرطوم وأحيت حفلا غنائيا بنادي الضباط، وقد أثار هذا الحفل جدلا واسعا وكاد ان يتوقف ولكن يقال ان تدخل شخصية نافذة سمح باعادة هذا الحفل. وظاهرة الغاء الحفلات الغنائية بحسب مراقبين تعود لأصوات متطرفة تنظر للغناء بأنه محرم ولهذا تقف خلف إلغاء حفلات الفنانين العرب بالخرطوم. يقول الناقد السر السيد، بداية اذا لم نحسم موضوع الغناء في السودان الذي بات يعاني من اشكالات الحلال والحرام وتراجع على المستوى الفني وتركيز مخل على الغناء وتهميش لبقية انماط الفنون ثم بالاضافة الى الراهن على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي.. يصبح مجيء شيرين او غيرها من الفنانات غير مناسب لكن ان تلغي هذا الحفل جهة محددة دون التفكير في كيف تم التصديق ، وتبقى هنا المشكلة ويضيف السر السيد أنا لست من أنصار الترويج للفنانين العرب لأنهم لا يحترمون الفن السوداني وكفاية «عرب ايدول» واضطهاد الفن السوداني، ويكفي ان الفنان الراحل محمد وردي ظل مقيماً بالقاهرة لمدة عشر سنوات دون ان تتاح له فرصة حتى ولو مجرد اطلالة اعلامية. حفل شيرين كان الهدف منه المساهمة، في دعم مشروعات اتحاد المهن الموسيقية، يقول المنتج شلدم ان علاقته الوثيقة بالاتحاد هي التي دفعته لاقامة هذا الحفل للمساهمة في مشروعات الاتحاد ويرفض شلدم التعليق على قرار الايقاف ولكنه يقول ان خسائره بلغت قرابة الثلاثمائة ألف جنيه وقد تسلمت منه شيرين مبلغ 25 ألف دولار كجزء أول من أجرها في الحفل وتبقى لها مبلغ 28 ألف دولار. وقال الدكتور محمد سيف القيادي باتحاد المهن الموسيقية وعميد كلية الموسيقى والدراما انه يرى أن الحفل يمكن أن يقام مرة أخرى، ويشاركه في الرأي الدكتور عبد القادر سالم الامين العام لمجلس المهن الموسيقية والدرامية الذي قال «للصحافة» انهم تلقوا اتصالا من الوزير الدكتور محمد عوض البارودي رئيس المجلس الأعلى للثقافة والاعلام والسياحة بولاية الخرطوم بتأجيل هذا الحفل لوقت آخر لأن الظرف الأمني غير مناسب لإقامة هذا الحفل في هذا التوقيت، ويضيف سالم انه بامكانية تأجيل الحفل الى وقت آخر. ولكن المتعهد شلدم الذي تعاقد مع شيرين أكد لي بصعوبة الأمر خاصة بعد الحديث الذي نشرته الصحف على لسان النائب البرلماني وفيه اساءات لشيرين. البعض ينظر لإلغاء حفل الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب بالخرطوم من زاوية الانغلاق الفني، وعدم التواصل مع الساحة العربية. يقول الدكتور الفاتح حسين وجود فنانين عرب ونجوم هو انفتاح على العالم من حولنا، اما الغاء حفل شيرين فلا أجد له سببا مقنعا واذا كان البعض ينظر للفن بأنه حرام فعليهم ايقاف كل الغناء في السودان، ايقاف الغناء في الاذاعة والتلفزيون ومنع الفنانين والفنانات من الغناء ومنع تقديم المديح بالموسيقى وايقاف الصفحات الفنية في الصحف. ويوضح الفاتح حسين ان الامر اصبح خطيرا ولابد من اعادة الأمور الى نصابها وتدخل المسؤولين لعلاج هذا الخلل، لأن الفن اصبح سلاحا خطيرا وله قوة كبيرة في التأثير وتعتمد عليه الدول في توصيل رسائلها اما الانغلاق الفني فيؤدي لمشكلات كبيرة ، ويؤكد الفاتح حسين انه سبق له ان قدم مجهودات للتواصل عبر تقديم حفلات موسيقية في دار الأوبرا المصرية والمشاركة في عدد من المهرجانات مثل الاوبرا وجرش وهم يجدون كل احترام وتعاون في الدول العربية وبالتالي يجب ان يعامل الفنانون العرب باحترام في السودان. ويضرب مثلا بمصر ويقول في مصر يوجد الازهر الشريف وتوجد الحفلات الموسيقية والغنائية ولا أحد يتدخل لمنعها. إلغاء حفل الفنانة شيرين بالخرطوم وان كان مبررا بالأسباب الأمنية مع المعارك التي تخوضها القوات المسلحة في الدفاع عن الوطن وبالتالي فان الظرف السياسي والموضوعي والأمني لا يمكن أن يسمح بأن يقام حفل غنائي في هذا التوقيت الحساس، الا ان اصواتا عديدة تقول ان الامر له علاقة ببعض الأصوات المتطرفة التي تدخل الفن في دائرة الحلال والحرام. وقد نجحت هذه الاصوات من قبل في ايقاف عدد من الحفلات الغنائية لفنانين عرب مثلما نجحت في تعديل زمن بث برنامج «أغاني وأغاني» على قناة النيل الازرق الذي كان تبثه القناة في رمضان ولكن الحملة الشعواء التي قامت بها هذه الاصوات على القناة ومقدم البرنامج آخرت البرنامج من بعد الافطار الى وقت متأخر في المساء وربما يغيب البرنامج في رمضان القادم. وفي وجهة نظر بعض المراقبين ان اقامة هذا الحفل كان سيكون له اثر ايجابي باعتبار انه سيؤدي الى اشاعة الطمأنينة وبث رسائل للعالم الخارجي بأن البلد آمنة وان هذه المعارك تأثيرها محدود وهي تفلتات تستطيع القوات المسلحة ايقافها بسهولة. ولكن ايقاف الحفل يشيع أجواء متوترة ويدخل البلد في دائرة الانغلاق الفني.. وفي كل الاحوال فان شيرين لن تحضر للخرطوم ولن تغني في استاد الخرطوم ولكنها ستغني في القاهرة «جرح تاني لا....»!! الصحافة