في منضدة أخذت شكلاً يميل الى الرمال، وقف أمامها (حامد عبد الله) يقترب عمره من الستين عاماً.. قضى نصفها في بيع العملات الأثرية المسكوكة من حديد ونحاس وفضة بالاضافة للورق.. فالعم حامد وبحكم سكنه بالقرب من منطقة البجراوية الأثرية أخذت عيناه من صغره ترقب حركة السياح ومنقبي الآثار. كان صوت (حامد) يرتفع وفوج سياحي يقترب من مدخل مدينة البجراوية الأثرية.. لم ينته من ندائه المكرر لجلب الأنظار لبضاعته النقدية.. لم ينته نداؤه إلا وأنا عنده.. جلت بالبصر كرات ومرات في العملات المفروشة على منضدته القديمة.. ف (23) عاماً تلازمه مهنة بيع (القروش)! يقول (حامد) ل «الرأي العام»: العملات من العهد التركي مروراً بالمهدية والحكم الثنائي ثم الحكومات الوطنية عبر تمرحلاتها وإنقلاباتها العسكرية والسياسية، أندر العملات عندي للعهد المهدوي وهي مكتوبة على ورق تعود للعام 5521ه، كما عندي القرش الصاغ والمليم والريال المجيدي والقرش المخروم وعملات ملوك مصر فاروق وفؤاد. بدأ حامدحياته الأثرية عاملاً مع الآثاري سارق كنوز البجراوية الخواجة (شيني) وهو عالم آثار عمل منقباً وباحثاً في المنطقة، شهد حامد على أنه سطا على آثارنا التاريخية وأخذ قللها وتماثلها وكنوزها وهرَّبها للخارج.. فقد كان يشتري من عمال التنقيب ما يعثرون عليه ويجهلون قيمته من فخاريات وأوانٍ وعقود نحاسبة بمبالغ زهيدة.. كانت أجرة (حامد) (51) قرشاً ذياك الزمان. من الحفريات أحب حامد التراث فأخذ يجول في الحي يجمع العملات النادرة من كبار السن، يعطونها له مجاناً يأتي ليبيعها ب (جنيهين) فقط للراغبين وعارفي فضلها.. يقول إن (الخواجات) الأكثر شراء.. ويبيعهم السروج أيضاً وأدوات الزينة القديمة من نحاس وفضة، و(حامد) بجانب استفادته من الإنجليزي (شيني) في العمل في الآثار، تعلم من مقاربته له اللغة الإنجليزية فصار يعلمها المرشدين السياحيين المحليين مجاناً كما عملاته النادرة التي يبيعها بثمن بخس. البجراوية: حسام الدين ميرغني