، يجتمع ابرز مشاهير المدينة الراحلين ومعظمهم من رجال الدين، تجسدهم تماثيل من الشمع في إطار عمل فني غير مألوف بالنسبة الى شخصيات دينية في العراق. وتفترش التماثيل العائدة الى 20 شخصية درست او عاشت او ولدت في النجف، سجادة رمادية تغطي ارض الغرفة التي تمتد بطول حوالي 10 أمتار وعرض 5 أمتار، وتنتشر فيها 11 مروحة تنفخ هواءها بلا كلل فوق رؤوس التماثيل حماية لها من آثار الحر. ويقول فرقان علي ميرزا مدير مركز النجف للتأليف والتوثيق والنشر في المدرسة لوكالة فرانس برس ان التماثيل تصنع «تقديرا وإبرازا لدور وجهاء النجف ومشاهيرها، والذين تركوا بصمة في الثقافة النجفية والعراقية والعالمية». ويضيف ميرزا وهو المسؤول عن المشروع «اخترنا 59 شخصية من مختلف القطاعات، الدينية والأدبية والثقافية وغيرها، وقد نالت الحوزة العلمية الحصة الاكبر نظرا لدورها الريادي والسياسي في النجف والعراق والعالم». وتعتبر النجف إحدى أهم العتبات المقدسة لدى الشيعة في العالم، حيث تضم مرقد الإمام علي بن أبي طالب أول الأئمة المعصومين لدى الشيعة، ومقرات المراجع الدينية وأبرزهم آية الله علي السيستاني والحوزة العلمية. ومنذ انطلاق المشروع في سبتمبر 2011، تسلم المركز 21 تمثالا جرى تصنيعها في ايران، على ان يتسلم البقية خلال الأسابيع المقبلة قبل ان يجري نقلها جميعها الى القصر الثقافي في النجف، حيث سيتم عرضها في متحف خاص يحتوي ايضا على وثائق وكتب خاصة بشخصياتها. ومن أبرز هذه الشخصيات المرجع السيد محمد صادق الصدر والمرجع المفكر محمد باقر الصدر والمرجع أبوالقاسم الخوئي الايراني الذي ترأس الحوزة في النجف إلى جانب الخطيب والشاعر الشيخ احمد الوائلي والمرجع اللبناني السيد محمد حسين فضل الله. وهناك ايضا تماثيل لشاعر العراق الكبير احمد الصافي المولود في النجف ود.عبدالرزاق محيي الدين الذي نزح مع عائلته من جنوب لبنان الى النجف، حيث أسهم في تطوير التعليم الجامعي. وتتميز التماثيل بدقة التفاصيل في الوجه واليدين وشعر الذقن، وقد كسيت بعضها بالملابس الأصلية التي كان يرتديها أصحابها في حياتهم، ومن بينهم محيي الدين والخوئي، فيما حصل المركز على عمامة سوداء للسيد فضل الله. ويؤكد ميرزا ان «الشكل النهائي يأتي مقاربا للحقيقة بنسبة 95% ونحن حاليا ننافس أعمالا في متاحف عالمية بينها متحف مشهور في لندن بشهادة خبراء من لبنان وبريطانيا والولايات المتحدة وإيران»، في إشارة الى متحف مدام توسو. ويقول ان الفكرة «تبلورت بعدما ذهبنا الى لبنان ودول اخرى وشاهدنا فيها متاحف للمشاهير. فقررنا ان نصنع تماثيل مماثلة لمشاهير النجف، وعندها اتصلنا بفنان إيراني اتفقنا معه على التفاصيل». ويضيف «اخترنا في البداية 300 شخصية، ثم انخفضت إلى 150. لكن الميزانية لم تكن تكفي لهذا العدد، فاضطررنا الى اختيار 55 شخصية. وفيما بعد تم الضغط علينا من قبل شخصيات ومراجع، فأصبح المجموع النهائي 59 شخصية». وبحسب ميرزا، فان الميزانية التي حصل عليها المركز من مشروع «النجف عاصمة الثقافة الإسلامية»، الذي كان من المفترض ان ينعقد هذا العام إلا انه تأجل بسبب شبهات بالفساد وسوء الإدارة، تبلغ 550 مليون دينار عراقي (حوالي 440 ألف دولار)، ما يعني ان تكلفة كل تمثال تبلغ حوالي 7500 دولار. وفي العراق، لا نجد سوى متحف واحد للشمع يقع في العاصمة بغداد، وينظر إليه على انه يشكل نافذة على تاريخ البلاد حيث يضم تماثيل تعكس يوميات العراقيين منذ حوالي 100 سنة. ومن النادر ان تتمثل الشخصيات الدينية بتماثيل للشمع. وفيما يعتبر المذهب السني عموما ان الإسلام يحرم صنع تماثيل كاملة للأفراد كونها تمثل تشبيها لخلق الله ويؤيد صنع تمثال نصفي او للرأس فقط، يتيح المذهب الشيعي عموما ايضا مزيدا من الحرية في تصوير الوجوه او صنع التماثيل. ويؤكد الشيخ علي ميرزا المسؤول عن المدرسة التي تأسست عام 1979، ان مشروع إقامة التماثيل واجه «انتقادات في بدايته» من دون ان يفصح عن طبيعة هذه الانتقادات والجهات التي تقف وراءها. ويقول لوكالة فرانس برس انه «من الناحية الشرعية، تأكدنا من انه لا حرمة في المشروع قبل ان نقوم بأي خطوة»، معتبرا ان «لكل شيء جديد مقاومة، والانتقادات التي وجهت الى هذا المشروع صدرت من دون وعي». ويرى الشيخ صادق الحسناوي نائب رئيس الهيئة الثقافية لمكتب الشهيد الصدر بقيادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ان «المتحف حفظ بعض الشخصيات التي تركت بصمات هامة في النجف، وعكس اهتمام المجتمع العراقي بهذه الشخصيات». وتابع «نحن ندعم مثل هذه الخطوات ونثني عليها»، مشددا على ان التماثيل «تعد تكريما لشخصيات كانت تدعو إلى عبادة الله وتوحيده، ولذلك لا يمكن اعتبارها من الأصنام التي كانت تعبد في السابق».