الشيخ عبدالمحسن العبيكان يطالب بمنع الاختلاط في المحاكم واستحداث أقسام ومداخل ومصاعد خاصة بالنساء 'درءاً للفتنة'. باريس - من حبيب طرابلسي امرأة بين أربعة رجال اعتبر الشيخ عبدالمحسن العبيكان، المستشار في الديوان الملكي السعودي، أن المرأة في المملكة، الدولة الرائدة في تطبيق الشريعة الإسلامية شكلاً ومنهجاً، تعاني من الاختلاط في المحاكم وحذّر من "مؤامرة تغريبية تهدف إلى إحلال الأحكام الوضعية محل الأحكام الشرعية" في القضاء السعودي. للنساء فقط ذكر العبيكان خلال برنامجه الأسبوعي "فتواكم" عبر إذاعة "يو أف إم" المملوكة للأمير عبدالله بن مساعد، بأن "المرأة تعاني الاختلاط في المحاكم" مطالبا ب" باستحداث أقسام ومداخل ومصاعد خاصة بالنساء درءًا للفتنة". وقال العبيكان وهو قاض سابق متمرّس "عندما كنت في المحكمة الكبرى، طالبت بتخصيص أحد المصاعد الثلاثة للنساء وتحدثت لوزير العدل ورئيس المحكمة آنذاك ولم يهتم أحد بملاحظاتي". ولم يعارض العبيكان عمل المرأة بسلك المحاماة، "شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية وأن يقتصر عملها مع النساء فقط"، مضيفا "نحن نريد فصل النساء عن الرجال". يذكر أن المرأة في السعودية لا يحق لها أن تشغل منصب قاضٍ لكن من حق القاضي الكشف عن وجه المتقاضية للتأكد من هويتها. وتخرّج الجامعات كل عام دفعات كبيرة من الطالبات في تخصص المحاماة، لكن معظمهن لا يتحصّلن على رخصة لفتح مكتب ومزاولة المهنة. وتضطر آلاف الخريجات إلى البحث عن وظائف بعيدة كل البعد عن تخصصاتهن. وعلى أرض الواقع، تعاني المرأة في السعودية من البطئ في البت في قضاياها في المحاكم، خاصة القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، كالطلاق والخلع والحضانة والميراث. "وكيل شرعي" لسلب الحقوق الشرعية ولا بد للمتقاضية أن يكون لها معرّف ومحرم. وقد يكون المحرم هو الخصم. ولطالما تشكّت سيدات أعمال سعوديات من نظام "الوكيل الشرعي"، وهو الشرط الأول لحصول المرأة على سجل تجاري يسمح لها بممارسة أي نشاط اقتصادي. فعلى الرغم من وجود قرار وزاري منذ سنة 2004 يمنحهن حق العمل دون الحاجة الى "وكيل شرعي"، تقول سيدات أعمال أن القرار لا يزال في أروقة بعض الجهات الحكومية. وتتحدث الصحف أحيانا عن قضايا اختلاس وابتزاز تشهدها المحاكم ضد بعض الوكلاء الشرعيين. كما أن نظام "الوكيل الشرعي" أضر بالطالبات اللاتي يرغبن في مواصلة دراستهنّ خارج المملكة (أي "المبتعثات")، إذ يتوجب عليهنّ وجود من يتعهد بالوصاية عليهنّ حتى في قاعة الدرس وربما إلى دورات المياه. عادات جاهلية وتعاني المرأة خاصة من سطوة الإخوة الذين يستبيحون أحيانا حقوقهنّ المكفولة بنص قرآني. فغالبا ما يقوم أخ بالاستيلاء على حصة أخته من الميراث، وأحيانا بالتواطؤ مع بعض القضاة ويسلب حقوقها تحت مظلة "الشريعة". وأحيانا، لا تسلم حتى الأميرات من هذا الاحتيال. وبالطبع، لا تتجرأ الأخت برفع دعوى قضائية ضد أخيها لاسترجاع حقها، لأن نظرة المجتمع لهذه الفتاة، إن هي أقدمت على ذلك، تلحق بها وبأهلها وذويها العيب واللّعنة. وكان مفتي العام المملكة، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، قد أوصى بعدم حرمان المرأة من الميراث وتعطيل حكم من أحكام الله، واصفا ذلك ب"النزعة الجاهيلة". وطالب أعضاء في مجلس الشورى بتدخل القضاء لاسترجاع حقوق النساء اللاتي حرمن من الميراث ودعوا إلى سن تشريعات رادعة. مخططات خبيثة أطلق الشيخ العبيكان خلال برنامجه صيحة نذير مدوّية إزاء ما أسماه ب"المخططات الخبيثة التي تهدف إلى إحلال الأحكام الوضعية بدلاً من الأحكام الشرعية" في القضاء السعودي الذي يعاني من عديد الإشكاليات. قال العبيكان "هناك موضوع خطير جداً. هناك خطط من بعض المتنفذين لإفساد المجتمع المسلم. هناك أشخاص محسوبون على الجهاز القضائي يريدون إخراج المرأة عن مكانتها الطبيعية ونشر التبرّج والسفور والانحلال والإباحية وإباحة المحرمات. هم يريدون تغريب المجتمع وإسقاط القضاء الشرعي واستبداله بالقوانين الوضعية". وكرّر الشيخ القول "أنا اتكلم بكلام مسؤول عنه. المفسدون المتربصون بهذا المجتمع يريدون بهذا المخطط إحلال الأحكام الوضعية بدلاً من الأحكام الشرعية. هم يسعون بذلك لإظهار القضاء بالمظهر المزري من جميع النواحي، حتى يمل الناس من هذا القضاء الشرعي ويظنون أنه غير صالح لهذا الزمن وأن الشريعة غير صالحة". وذكّر العبيكان بقول ولاة الأمر بأن "هذه الدولة قامت على الدين والعقيدة، ولا يجوز فصل الدين عن الدولة". وتعهد العبيكان بالحديث في الحلقة المقبلة عن هذا المخطط وبانه "قد يضطر" للكشف عن أسماء من يقف خلفه، مناشدا المسؤولين "الوقوف ضد هذه المخططات". حرقة فقدان الحظوة لكن محللا سعوديا تحدث ل" ميدل ايست أونلاين" من الرياض رأى بأن "الشيخ العبيكان يتحدث بحرقة لأنه فقدان الحظوة التي كان يتمتع بها أدخله في مواجهة مع القوى الأخرى المحيطة بالعاهل السعودي والمستفيدة من عطاءاته". وأضاف المحلل والإعلامي قائلا "إن الحديث عن التغريب وحقوق المرأة ومحاولة إسقاط الحكم وتعطيل أو الالتفاف على الأوامر الملكية للنيل من القضاء، ماهي إلا قضايا يعبر منها المختصمون إلى شرائح الشعب ليمرروا وصايتهم عليه، وكل فريق يسابق الأخر ليبين حرصه على سلامة الأمة ومكتسبات البلاد، وهم في ذلك شركاء وشهود على معاناته. والدليل على ذلك بطئ الإصلاحات في تلك المناحي وتراكم مطالبات الجمهور بدون إستجابة". واختتم قائلا "للشيخ العبيكان بعض التوجهات المعتدلة لكن الحرب الكلامية المستعرة بين المستشارين ستجعل منه متشددا يسعى لكشف الأوراق إن ترك بدون مساءلة". العقوبات الجسدية ويتعرّض النظام القضائي السعودي منذ عدة سنوات إلى انتقادات من منظمات دولية الدفاع عن حقوق الإنسان المطالبة بإلغاء العقوبات الجسدية كقطع الرأس أو قطع اليد أو الجلد طبقا لاتفاقية منظمة الأممالمتحدة المناهضة للتعذيب. لكن المملكة اَعتبِرت دائما هذه الانتقادات تدخلا في نظامها القضائي الذي يعتمد على الشريعة الإسلامية. وفي أبريل/ نيسان الماضي شدد وزير العدل محمد بن عبد الكريم العيسى على أن قضاة السعودية من حملة كلية الشريعة وأن "هذا أمر لا يقبل النقاش ولا الجدل". وفي فبراير/شباط 2011 أطلق عدد من الأكاديميين السعوديين والحقوقيين والمشايخ بياناً أسموه "دولة الحقوق والمؤسسات"، يطالبون فيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز ب"إصلاحات جذرية جادة وسريعة". وجاء على رأس مطالباتهم إصلاح القضاء. كما طالب العديد من الحقوقيين الّلبراليين السلطات بوضع حد لتجاوز أحكام الجلد في المحاكم السعودية للحدود المعقولة وحتى المقبولة شرعاً بعد أن وصلت في بعض الأحكام لعشرات الآلاف من الجلدات لتفاوت الأحكام بين قاض وآخر في قضايا متشابهة. وطالب آخرون ب"الاستغناء عن عقوبة الجلد اللإنسانية والمهينة بعقبات بديلة، أي خدمات اجتماعية لمن ارتكب المخالفة". نوادر وتنشر الصحف المحلية، خاصة المحسوبة على التيار الليبرالي، أحكاما فريدة من نوعها وما يشبه النوادر. فهذا قاضٍ في بيشة يصدر حكما بالسجن ست سنوات والجلد 4000 جلدة على شابين سرقا خروفين وحُكم آخر على ثلاثة شبان سرقوا علبا من السجائر بالسجن خمس سنوات والجلد 500 جلدة. وهذا قاض بالطائف يحكم على شاب متهم بإطلاق النار على خاله بثمانية أشهر سجنا نافذة و400 جلدة ثم يقلّص العقوبة إلى سبعة أشهر سجن مع وقف التنفيذ ... شريطة أن يحفر المدعى عليه عشرة قبور لا يقل عمق كل قبر عن 1.20 متر، خلال فترة أقصاها 10 أيام. وقاضٍ بجدة يحوّل حكما على متعاطي مخدرات بالسجن لمدة ستة أشهر إلى إلزامه الالتحاق بإحدى حلقات تحفيظ القرآن الكريم ليعود إلى الطريق الصواب. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، قاض بالمحكمة الجزئية في تبوك يُجبر جملا على المثول في المحكمة للبت في قضية أحد المواطنين اتهم بسرقته من قبل آخر. وادعى كل منهما أن الوسم الذي يحمله الجمل هو وسمه. وسيق الجمل لداخل فناء المحكمة وربط في أحد أعمدة الكهرباء ونزل القاضي لمعاينة الجمل للاستيضاح ولتحديد وسمه. وأخيرا وليس آخرا، قاض في مكةالمكرمة يحكم بسجن حلاق مقيم في السعودية بثمانية أيام على ذمة التحقيق بعدما تقدم أحد المواطنين بدعوى اتهمه فيها بقص "شاربه" أثناء الحلاقة. جواز سفر دبلوماسي ويعاني سلك القضاء أيضا من تردي أوضاع القضاة، مما حدا ببعضهم إلى خلع عباءاتهم وارتداء بزة المحاماة. وفي يوليو 2010، أعلن عن "مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء" ولمعالجة تسرب القضاة إلى سلك المحاماة. وتعكف لجنة في مجلس القضاء الأعلى على إنهاء مشروع لائحة امتيازات وظيفية ومالية للقضاة. تشمل اللائحة على "حصول القاضي على جواز سفر دبلوماسي ومنح أرض وقرض حسن بمليون ريال وبدل سكن وتذكرة سنوية بقيمة تعادل ضعف الراتب وسيارة لا يقل ثمنها عن ربع مليون ريال وبدلات على أعلى المستويات"، بالإضافة لجوانب أخرى مثل الرعاية الصحية المتكاملة وإجازات مدفوعة والترقية والحصانة وغيرها من الامتيازات. وتنص اللائحة على أنه "لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية وليس لأحد التدخل في القضاء".