خرج السر قدور من السودان عام 1973 ليعيش في أرض مصر الشقيقة لمدة 27 عاما متواصلة لم يعد خلالها للسودان، وكانت عودته الأولى عام 2000 مع السيد الصادق المهدي، بل وفي طائرته التي عاد بها بعد خروجه في "تهتدون". وربما نسي الناس السر قدور، الممثل والكاتب المسرحي والصحفي والشاعر الغنائي، لفترة طويلة، لكنه كان قد استعاد بعض صورته عند الناس عندما التحق بصحيفة "الخرطوم" عندما بدأت الصدور من القاهرة. وجدد السر قدور صلته بالناس والأحداث من خلال كتابته المستمرة بالصحيفة، ومن خلال علاقاته المستمرة مع الكتاب والقراء والقيادات السياسية التي كانت تعتبر صحيفة الخرطومبالقاهرة مركزا لتواصلها مع الناس ومع بعضها البعض. ومنذ يوم عودته عام 2000 للخرطوم، انفتح باب الوطن مرة أخرى أمام السر قدور، فتكررت زياراته ومشاركاته في أنشطة مختلفة، رغم انه لايزال مستقراً بالقاهرة، وأعاد صلته بالأجهزة الإعلامية، وأجرى عدداً من الحوارات لتليفزيون السودان مع مجموعة من نجوم الدراما والفن في مصر لعلها من أروع ما بث التليفزيون السوداني من حوارات. ثم التقطت قناة النيل الأزرق الذكية السر قدور وطلبت منه تقديم برنامج "أغاني وأغاني" في شهر رمضان قبل خمس سنوات، وفكرته تقوم على الاحتفاء بالتراث الغنائي السوداني وترسيخه في أذهان الأجيال الجديدة، عن طريق تقديم الشعراء والفنانين القدامى والمعاصرين والاحتفاء بما قدموه، مع تقديم معلومات وحكايات عن الأغاني الشهيرة ومناسباتها بجانب حكاوي عن الفنانين والشعراء والملحنين. ومعروف أن القالب الذي يقدم فيه مثل هذه البرامج هو قالب الحكاية، أو التوثيق الشعبي المحكي. وطبيعة هذه البرامج التي تعتمد على الحكاوي والمشافهة أن تحدث فيها أخطاء بل ومغالطات، ولا بأس من الاحتجاج عليها ونقدها وتصحيحها. وقد كتب الناس عن ازدحام الفنانين في حلقات هذا العام، وعدم تحديد مواضيع الحلقات بشكل جيد، وعدم التوفيق في اختيار بعض الفنانين الشباب الذين شاركوا في البرنامج. لكن الملاحظ هذا العام هو حدة الهجوم على البرنامج وعلى السر قدور شخصيا بدرجة لا يمكن تصورها واحتمالها. فقد تم تحميل الرجل وبرنامجه كل مسؤولية تدهور الأغنية السودانية، ونمطية برامج الفضائيات السودانية، وظاهرة سرقة فكرة البرنامج وتقليده. وسمعنا من يقول أين الغناء الجديد، ولماذا الإصرار على الغناء القديم، ولماذا السر قدور...الخ. والإجابات هنا بسيطة، يستمر السر قدور لأنه ناجح، ولأن لبرنامجه درجة مشاهدة عالية، ثم انه يتخصص في حفظ وتقديم التراث الغنائي السوداني، ولا شأن له بالجديد، ولم لا يقدم غيره عشرات البرامج التي تحتفي بالجديد؟ ثم أخيرا، لم لا يعترف النقاد الفنيون باختلاف الأذواق، وإن ما لا يعجب فلانا قد يعجب علانا؟ لم يتخيل كل واحد منهم أن خارطة البرامج يجب أن تأتي على هواه ووفق ذوقه الشخصي. أولى أولويات النقد تقوم على أن البرنامج يتم انتقاده في إطاره الذي جاء فيه، وعندما يتخصص البرنامج في تقديم التراث الغنائي فإن النقد المقبول هو في متابعة ما إذا كان قد قام بهذا الدور أم لم يقم به؟ وما هي أوجه الضعف؟ أما الذي يكتب ليقول: ولم يقدم الغناء القديم فقط؟ فهذا أمامه شيء واحد، وهو أن ينتقل بالريموت كنترول لقناة أخرى. فيصل محمد صالح