حملت صحف الخرطوم جميعها ودون استثناء في بحر الأسبوع الفائت خبراً واحداً الى صدر صفحاتها الأولى.. وبخطوطٍ رئيسيةٍ حمراءَ قانيةٍ مثل تلك التى تدخرها الصحف للحروب والكوارث المحلية والعالمية الضخمة.. وذلك لسببٍ غريبٍ وهو أنّ مسؤولين حكوميين يسرقون مال الله. يقول الخبر إنَّ السيد خليل عبد الله وزير الإرشاد والأوقاف كشف أرتالاً من الفساد داخل وزارته التي عين لها مؤخراً أمام المجلس الوطني ( البرلمان) .. موجهاً اتهامات خطيرة من المسؤولين وعلى أعلى المستويات في تلك الوزارة، موضحاً ان اولئك المسؤولين قد تورطوا في مخالفات خطيرة تتعلق بالمال العام ومخالفات لا يقوم بها الا الذين ماتت ضمائرهم وغابت عقولهم اذ لايمكن لإنسان ولي على مال المسلمين ان يحوله لمنفعته الشخصية، لأن الذين اوقوفوا كان هدفهم سامياً ونبيلاً لكي تنفق لوجه الله سبحانه وتعالى على اليتامى والفقراء وابناء السبيل لا ان يستولى عليها الذين وليوا عليها لمصلحتهم الخاصة وذلك امر تعاقبهم عليه كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وتلك المستمدة من الشريعة الاسلامية . ونحن هنا لانريد ان نوجه الاتهام لأشخاص بعينهم او مسؤولين كبار تولوا العمل في وزارة الاوقاف فقد أكفانا مشقة ذلك الوزير الجديد السيد خليل عبدالله حيث كشف التفاصيل الكاملة عن الاموال المنهوبة والكيفية التي تم تحويلها من قبل هؤلاء الاشخاص الى منفعتهم الخاصة ، حيث اتهم اشخاصاً بعينهم وقال انهم ارتكبوا تجاوزات خطيرة واستغلوا مناصبهم لإرتكاب مخالفات خطيرة يعاقب عليها القانون . إذن فالمطلوب الآن اجراء تحقيق قضائي على مستوى عالٍ حتى يقدم اولئك الاشخاص الى المحاكمة وان يتم الحجز على جميع ممتلكاتهم حتى يقول القضاء كلمته . ونحن هنا لانريد ان نجعل من انفسنا قضاة لنحاكم بعض الناس وانما نقوله مستندين على ما صدر من مسؤولين كبار في وزارة الاوقاف ، فالتحقيق اذا ما جرى سيكشف بالقطع اولئك الناس وسيكشف اذا ما كانوا مخطئين ام غير مخطئين والفيصل في ذلك حكم القضاء وليس بأية حال من الاحوال صفحات الصحف ،وهوما يحدث الآن بين المسؤولين الحاليين والسابقين لوزارة الاوقاف وهو جدل لامعنى له ولا يمكن ان يحسم القضية لأن القضية اكبر مما يدور الآن في صفحات الصحف ، لأنها قضية لها كثير من الابعاد لاتتعلق بخيانة الامانة وتشويه سمعة الحكم لأن الذين ارتكبوا ذلك الفعل هم من الذين أؤتمنوا على طهارة الحكم في جهاز بالغ الحساسية لأن امواله ذات طابع انساني و مسؤولية اخلاقية تتطلب التجرد من الغرض والهوى ، وان الذين يأكلون من تلك الاموال انما يأكلون في بطونهم نارا واذا ما انتفعوا بها في هذه الدنيا فإن هنالك عقاباً ينتظرهم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون . ولابد لنا من الحديث هنا عن الاوقاف فكثيرٌ من المحسنين يرون وجه الإنفاق الأولى في زمانه فيوصي أن يتم إيقاف جزء من أمواله لذلك الإنفاق.. وبالطبع فإنّ القانون يفوِّض الحكومة لتكون هي المسؤول الأول عن إدارة تلك الأوقاف.. إلا من حدد في وصيته قبل موته أن يشارك أهله في إدارة أوقافه فإنّ الحكومة تكون في هذه الحالة مراقباً لإدارة الأوقاف لكن لا تديرها بصورة مباشرة.. والشاهد في هذا أنَّ المال الموقوف هو مال يبتغي به المحسن وجه الله تعالى من خلال إنفاقه في الوجه المطلوب.. ولكن ضعف النفوس وصل حداً جعل البعض يتجاوز أكل أموال الناس بالباطل الى أكل أموال الله الموقوفة لجلال وجهه سبحانه وتعالى. فالقصة المأساوية التي سردها وزير الأوقاف على مسامع أعضاء المجلس الوطني جعلت معظم النواب يضعون أيديهم في رؤوسهم ويتحوقلون قائلين (لا حول ولا قوة إلا بالله) من شدة المفاجأة.. ولنسمع القصة على لسان الوزير حيث قال (أولاً لا يوجد إنجاز يذكر بديوان الأوقاف، ولكن البيان الذي سأتلوه أمامكم يعتبر سانحة لإظهار الحقائق التي ظلت مخفية في الديوان، فالأوقاف في السابق كانت تحت إدارة موحدة ولكنها الآن مقسمة لأوقاف ولائية واتحادية.. وهذا أعاق العمل كثيراً خاصة التجاذب بين الأوقاف الإتحادية وأوقاف ولاية الخرطوم.. لقد تعرَّض مجلس أمناء الأوقاف القومية للتهميش نتاج تغوُّل بعض المسؤولين السابقين على صلاحيات المجلس، الأمر الذي حدا برئيس المجلس وأحد الأعضاء للتقدم باستقالتيهما احتجاجاً على التغوُّل.. وقام الأمين العام المُقال بتغيير الأوراق المروَّسة للأوقاف والختم بإلغاء اسم الوزارة من ترويسة الأوراق الرسمية للأوقاف.. وهذ الإجراء غير القانوني بل والإجرامي هو واحد فقط من سلسلة من الأحداث التي قادت لشبه دمار بالأوقاف السودانية.. وللأسف فإن وزير الإرشاد السابق خاطب السلطات السعودية لاعتماد أمين الأوقاف المُقال لمخاطبة السلطات السعودية المختصة بدلاً عنه، الشيء الذي شجع الأمين العام للقيام بتوكيل عدد من المواطنين السعوديين وتوكيل سوداني مقيم بالسعودية بنظارات أوقاف السودان هناك نيابة عن حكومة السودان ممثلة في وزارة الإرشاد والأوقاف مما سبب ضررًا بالغاً للأوقاف السودانية بالسعودية، وزاد على ذلك انشغال الأمين العام بعضويته ومهامه في هيئة الحج والعمرة على حساب مهامه كأمين للأوقاف.. بل وفي هيئة الحج والعمرة كان الأمين العام المُقال هو من هز رأس الرمح في المعارك والمشكلات التي دارت بهيئة الحج في العام 2011م). ومضى الوزير في سرد القصة المحزنة قائلاً (أمين عام الديوان أخرج الوزارة من مقرها الذي كان وقفاً بشارع النيل بحجة أن المالية رفضت دفع إيجار المقر.. ومن ثمّ تمت إزالة المباني.. لكنّ وزارة المالية قامت بعد ذلك بدفع متأخرات الإيجار التي بلغت 1.528.551جنيهاً «مليار وخمسمائة ثمانية وعشرين مليوناً وخمسمائة واحد وخمسون جنيهاً: إلا أنّ الاموال تم صرفها على غير شرط الواقف على النحو التالي: 493 ألف جنيه «أربعمائة ثلاثة وتسعون مليون جنيه» مرتبات ومستحقات عاملين 270 مليون جنيهاً «مئتان وسبعون مليون» وقود وكهرباء؟؟ و95 «خمسة وتسعين مليون جنيه» أعمال بر وإحسان.. و95 (خمسة وتسعين) مليون جنيه سلفيات للأمين العام المقال!!! أمّا كثرة الوكلاء على الأوقاف السودانية بالسعودية فقد تسببت في أضرار بالغة أهمها توقف العمل في وقف أبوذر بجوار الحرم بالمدينة المنورة وكان ممولاً من بنك التنمية الإسلامي بجدة، وتوقف العمل في مقر قنصلية السودان بجدة والتي أخرجت منها القنصلية لتوفر تمويل لتشييدها من بنك التنمية الإسلامي أيضاً. وقد تلقينا إنذاراً من البنك بوقف التمويل للوقفين خلال شهرين لعدم التزام الأوقاف بما يليها، وقمنا بجهود خاصة قدتها شخصياً مع الجهات ذات الصلة بالبنك تمكنا خلالها من تأجيل الإنذار وتعطيله حتى نهاية العام شريطة أن توفر الأوقاف ما يليها، وقد قام أحد الوكلاء الذين وكلهم الوزير السابق أزهري التيجاني بإجراء نظارة على أوقاف القنصلية بجدة على أساس أنها أوقاف مهملة دون الرجوع للسلطات السودانية!!، والآن هنالك أوقاف سودانية بأسماء سعوديين لم تورِّد أي أموال لصالح الموقوف لأجلهم الوقف منذ العام 2009، أمّا فيما يختص بالأمين العام المقال فقد كان يتقاضى 60 ألف ريال شهرياً بالسعودية بناء على عقد سنأتي على تفاصيله لاحقاً موقّع بينه وبين الوزير السابق أزهري التيجاني يبلغ راتبه الأساسي فيه 20 مليون جنيه ومخصصات أخرى 20 مليون جنيه، وبناءً على ذلك تقاضى الأمين العام 633 ألف ريال سعودي من أوقاف الخارج بالإضافة لأموال صرفها برئاسة الأوقاف بالخرطوم بالجنيه السوداني.. هذا بالإضافة الى استدانة الأوقاف لمبلغ 6.4 مليون ريال سعودي من الحج والعمرة لتجميع أوقاف الخارج، وبدأ في استلام المبلغ بتوريده 1.3 مليون ريال في حسابه الشخصي بالخارج، وتوالت الدفعيات إلى أن اكتمل المبلغ، والمراجع العام أظهر في تقريره التالي: أولاً: «إثنين مليون ومائتان تسعة وعشرون ريال تبديد مال عام». ثانياً: «مليون وأربعمائة ريال اختلاس».. ثالثاً: «خمسة وستون مليون جنيه اختلاس حولت من أوقاف الخرطوم لأوقاف الخارج ولم تدخل الحسابات».. كما حاول الأمين العام المقال وبإستماتة وبمقاومة شديدة تعطيل عمل فريق ديوان المراجع العام.. أمّا الكارثة الأخلاقية الأكبر فهي قيام الأمين العام السابق بعد إقالته بتوكيل وكيلين مختلفين لوقف أبوذر بالمدينة المنورة، فقام أحدهما بتأجيره لمدة 20 عاماً واستلم مبلغ 3 ملايين ريال، ثم قام الوكيل الآخر سمير فلاتة بإيجار وقف أبوذر مرة أخرى). تلك هى تفاصيل حديث السيد الوزير أمام البرلمان وقد ذكرناها لأهميتها ولكي يأخذها المسؤولون مأخذ الجد الذين لانعرف ما الذي ينتظرونه خاصة وان المجلس الوطني هو الجهة المسؤولة قانونياً وبنص الدستور في محاسبة الحكومة ولذلك فإن المطلوب هو ان يقوم المجلس الوطني بإتخاذ الاجراءات المطلوبة في مثل هذه الحالات . وما ذكرناهُ هُنا هو قيضٌ من فيض عاث فيه المفسدون في مال الله ومال الأيتام يأكلونه بالباطل وهم يأكلون في بطونهم ناراً،وهنا لابد لنا ان نطرح بعض الأسئلة: أين أولئك الذين يدّعون الغيرة على الدين؟؟.. أين أولئك الذين يخرجون في المسيرات والمظاهرات ويخطبون في منابر المساجد إذا رفض البرلمان التركي دخول نائبة تركية محجبة؟؟.. لماذا لا يغيرون على أموال الله وعلى حقوق اليتامى والارامل؟؟.. هل يمكن تجزئة الغيرة الى واحدة حلال واخرى حرام؟؟.. ولماذا الصمت من الدولة على مثل هذا الفساد الذي اصبح غولاً مخيفا يوشك ان يفتك بالدولة نفسها حتى ان وصل الى أموال الله؟؟؟.. لماذا يقابلون هذا الفساد المتجذر بهذا الصمت المريب؟؟.. ونتساءل ايضاً أين آلية أبو قناية؟؟.. ألم يحن الوقت. من الواضح أنّ الفساد أصبح أقوى من الدولة.. كما وصفه احد المحللين بأنّه أصبح كالسرطان لا علاج له سوى البتر.. لهذا يجب استبدال آلية (أبو قناية) بآلية أخرى أقوى وأنجع.. فلتكن آلية (أبو سيف) تبتر كل الأجزاء الفاسدة.. أو آلية (أبو مدفع) تطلق داناتها على أوكار المفسدين فتهدمها على رؤوسهم. و من الواضح أنّ أولئك المفسدين الذين وصل بهم الحال لإختلاس أموال الله.. قد انعدم فيهم واعز الضمير وأصبحوا لا يخشون الله في اليتامى والارامل.. لهذا يجب أن تكون تلك الآلية تحت الإشراف المباشر للرئيس البشير.. وأن تمتلك سلطات عدلية بالقبض على كلٍّ من يثبت عليه تهمة الفساد.. حتى لا ينخر الفساد جسد الدولة فيسقط بها كما تنخر (الأرضة) أساس البنيان فتهدمه. الصحافة