ما السر الذي يجعل نجوماً معينين مثالا أعلى لفنانين شباب؟ لماذا ينحصر معظم هؤلاء النجوم في زمن الفن الجميل سواء في التمثيل أو الغناء أو الرقص؟ قد يكون لثقافة الاستهلاك المسيطرة على الحياة والإيقاع السريع الذي يتحكّم بالواقع اليومي التأثير الكبير على حركة الفن، فيضطر الفنانون إلى العمل بسرعة في المجالات كافة للحاق بقطار العصر السريع، ويهملون معايير كثيرة كان يركز عليها عمالقة الزمن الجميل، والنتيجة وجبات فنية سريعة سرعان ما تزول في مقابل ترسيخ أعمال العمالقة في الأذهان... إزاء هذا الفراغ، يبدو الفنانون اليوم بأمسّ الحاجة إلى قدوة تنير دربهم نحو فن جاد ومستمر ومشع كما كان في الماضي... كيف يختار النجوم مثلهم الأعلى؟ سؤال طرحته {الجريدة} على مجموعة منهم وسجلت الانطباعات التالية. الاعتماد على النفس بوابة التميز أحمد عبد المحسن عبدالعزيز الأسود «لا أضع أمامي أي مثل أعلى من الفنانين في الوسط الفني، لكني أستفيد من خبرات وتجارب هؤلاء وأضعها نصب عيني لأطوّر أدائي الفني في المستقبل»، يقول المغني الشاب عبد العزيز الأسود، لافتاً إلى أنه يحاول الاعتماد على نفسه في أموره الفنية، وأن تكون له شخصيته التي تقدمه بشكل جديد ومن دون أن يتأثر بفنان ما. يضيف: «ثمة فنانون يخوضون تجارب مختلفة، فأسعى إلى الاستفادة منها والارتقاء بعملي الفني الذي يحمل اسمي، كذلك أحرص على التعرّف إلى الفنانين سواء الشباب أو الكبار، وأتناقش معهم بما يفيدني على صعيدي الكلمات والألحان أو أي أمر يمكن أن يساهم في تطوري على الساحة الغنائية. يؤكد أن عدداً من الفنانين يقدمون صورة جميلة للفن، وهو أمر يجب الاستفادة منه، «خصوصاً الفنانين الكبار الذين نعتبرهم قدوة لنا، لكن من المهم أن نحافظ على شخصيتنا الخاصة».
علي كاكولي «يصعب البحث عن مثل أعلى والساحة الفنية تزدحم بفنانين متميزين سواء على صعيد المسرح أو التلفزيون» يوضح الممثل الشاب علي كاكولي، مؤكداً أنه مسحور بفنانين كثيرين تعلّم منهم حب العمل والإخلاص والانضباط، واستمتع بأداء فنانين كبار خصوصاً أولئك الذين عمل معهم. يضيف: «يصعب حصر المثل الأعلى في شخص واحد، مثلا تعجبني عبقرية الفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا، وفن الرائع الفنان القدير سعد الفرج، فهما يتميزان بالإخلاص والصدق والمثابرة والانضباط، بالإضافة إلى الفن الراقي الذي يقدمونه منذ أجيال». يشير إلى أنه يجد متعة أثناء العمل، ويحاول ألا يقف عند حد معين ويستفيد من أخطائه... كذلك يجد متعة لدى تجسيد شخصيات سواء على خشبة المسرح أو في الدراما التلفزيونية.
سوسن هارون « لا أضع أحداً أمامي كمثل أعلى، بل أعتمد على نفسي وأجتهد في تطوير أدائي، فأنا لا أريد أن أقيد نفسي بشخصية معينة أو فنان معين وأقلّده أو أقتدي به لأنه قد يخطئ، من هنا على الفنانين تطوير قدراتهم الشخصية، من دون أن يتأثروا بفنان بعينه»، تؤكد الممثلة والمقدمة سوسن هارون، موضحة أنها تتصرّف كما يحلو لها من دون قيود قد تفرضها القدوة التي تتبعها على مر السنين. تضيف: «سواء كنت في المجال الفني أو خارجه، أسير وفق قناعتي الشخصيّة، وأتمنى أن أحقق التوفيق والنجاح بقدراتي الشخصية لأنني لا أرغب في أن اكون نسخة من فنان آخر». عمالقة لا يتكررون بيروت – ربيع عواد معين شريف «أنا ابن مدرسة الفنان الكبير وديع الصافي وهو مثالي الأعلى، في طفولتي حفظت أغنياته ورددتها وبفضله تعلقت بالفن»، يقول الفنان معين شرَيف، مؤكداً أنه ما زال يتعلم من هذا «الكبير» الفن الأصيل الذي يعشقه. لا يخفي شرَيف قلقه من التدهور الفني الحاصل ومن المحاولات الحثيثة لطمس الفن اللبناني الأصيل والتراث الذي تربى عليه الآباء والأجداد، مشيراً إلى أنه يجتهد للحفاظ على استمرارية الفن النظيف والجميل، ومعارضاً مقولة: «الفن الأصيل لا مكان له اليوم لأن الفنان لن يجمع ثروة من خلاله». أضاف: «أنا متمسك بالطرب الأصيل وبفضل تأثري بوديع الصافي والكبار أمثاله حققت النجاح والشهرة، لذا أدعو إلى العودة إلى زمن الفن الجميل الذي يتمتّع بالكلمة الراقية واللحن الجميل، وسأستمر في هذا النهج لأننا نقدّم بفضله صورة مشرقة عن بلدنا». رويدا عطيّة «تربيت منذ طفولتي على أغنيات صباح، وأحببتها وتأثرت بشخصيتها العذبة والمتواضعة وبفنها وبأناقتها واتخذتها مثالا أعلى لي»، توضح الفنانة رويدا عطيّة التي شاركت كهاوية في برنامج «سوبرستار» وأدت أغنيات صباح، فأحبّها الجمهور وما زال يطلب منها في كل حفلة تحييها أن تؤدي أغنيات هذه الفنانة «الأسطورة»، وحتى عندما أرادت لجنة «مهرجانات بيت الدين» تكريم صباح في دورة 2011، اختارت رويدا عطية لتؤدي باقة من أجمل اغنياتها العالقة في الأذهان. تضيف عطية أنها تعلمت من صباح أن الطرب الأصيل لا يعني بالضرورة أن تكون الأغنية طويلة بل يتمثّل بعذوبة الصوت، جمال الكلمة، أصالة اللحن... فهذه المقومات، إذا توافرت، من شأنها أن تحاكي أذواق الشباب وتهذب آذانهم وتبعدهم عن التشويه الحاصل على الساحة الفنية. كذلك تأثرت رويدا بأم كلثوم ووديع الصافي وفيروز... الذين رسموا صورة جميلة للفن العربي، حسب رأيها. ليلى اسكندر «لا يمكن التحدث عن مثال أعلى في الفن من دون ذكر فيروز التي اعتبرها من أهم رموز لبنان، هي التي دخلت بصوتها إلى كل بيت عربي وفي دول الاغتراب، وكانت الوحيدة، خلال الحرب اللبنانية، التي نجحت في توحيد اللبنانيين حول صوتها على رغم اختلافهم سياسياً وطائفياً وحزبياً»، لذا تتخذها الفنانة ليلى اسكندر مثالها الأعلى إلى جانب كبار رسموا هوية فنية للبنان والعالم العربي متجذرة في عمق حضارة هذه المنطقة، إلى درجة أن الزمن لم يقوَ على محوها. تضيف: «صوت فيروز الملائكي يلامس الشباب والكهول على السواء، وما زال الملايين في أنحاء العالم ينتظرون حفلاتها على المسرح، فلا يكاد يُعلن عن موعد حفلة لها حتى تنفد البطاقات بلمح البصر، ما يدلّ على تعلق الجمهور بفنها الأصيل». لا تقلّ صباح أهمية، في رأي اسكندر، واصفة إياها بأسطورة الفن النابضة بالحياة، «صوتها الجبلي القوي والممزوج بالحنان والإحساس لن يتكرر. أتمنى أن يمدها الله بالصحة والعافية لأنها وجه مشرق للبنان ومدرسة في الفن». فيفيان مراد «فيروز قدوة للفنانين كافة، فهي سفيرتنا إلى النجوم وتربينا على فنها الأصيل. غنّت الحبيب، الوطن، الوجع، وقدمت صورة مشرقة عن لبنان»، تؤكّد الفنانة فيفيان مراد، موضحة أن لبنان يزخر بفنانين استثنائيين أرسوا أسس مدرسة فنية، خرجت نجوماً رافقت أغنياتهم الناس في مراحل حياتهم وظروفهم سواء الفرحة أو الحزينة. تضيف: «لا بد من أن نتعلم من هؤلاء الاستمرارية في الفن وهو ما يفتقد إليه الفنانون اليوم. رغم المحاولات الحثيثة لتشويه صورة الأغنية اللبنانية، إلا أن فئة واسعة من الفنانين متأثرة بهؤلاء العمالقة ومصرّة على الاستمرارية بتقديم صورة مشرفة عن لبنان». الزمن الجميل... القاهرة - فايزة هنداوي توضح إلهام شاهين أنها عندما بدأت التمثيل، في أثناء دراستها في معهد الفنون المسرحية، شبهها كثر بالفنانة نجلاء فتحي، ما دفعها إلى اعتبارها مثلها الأعلى، لا سيما في اختيارها للأدوار وعلاقاتها الطيبة بزملائها في الوسط الفني. بدورها تؤكد نادية مصطفى أن المطربات في زمن الفن الجميل، على غرار أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد، يشكلن مثلا أعلى للمطربات اليوم، سواء في الاهتمام بأنفسهن، أو الحفاظ على حياتهن الشخصية بعيداً عن الأضواء، أو اختيار الأغاني التي ما زالت تعيش في الذاكرة. لا تقليد الفنان الكبير أحمد زكي، مثل أعلى لمحمد رمضان الذي يحلم بالوصول إلى جزء مما وصل إليه زكي، لذلك يحاول التنويع في خياراته، ويدرس كل شخصيّة ويتعمّق في تفاصيلها وتاريخها وشكلها العام، تماماً كما كان يفعل الأسمر الراحل، إذ كان يدرس أي دور يسند إليه ما منحه مكانة فنية رفيعة. يضيف أنه رغم سعادته بتشبيهه بأحمد زكي، إلا أنه لا يحاول تقليده، باعتبار أنه لا يوجد سوى أحمد زكي واحد، وأي ممثل يحاول تقليده يخسر بلا شك. من جهته يعتبر مجدي كامل أن كل إنسان ناجح في عمله هو مثل أعلى له، لذلك يسعى إلى تحقيق شروط النجاح في أي عمل يضطلع به من خلال الدراسة والقراءة والاختيار الجيد. جدية وشمولية ترى علا غانم في فنانات الزمن الجميل مثلا أعلى لها، مثل نادية لطفي وفاتن حمامة خصوصاً سعاد حسني، التي نجحت في أن تكون فنانة شاملة، وجسّدت الشخصيات كافة، سواء فلاحة بسيطة أو فتاة ارستقراطية أو امرأة لعوب، مشيرة إلى جرأة فنانات ذلك الجيل في أداء الأدوار وتنوّعها من دون تصنيفهن كما يحدث حالياً. أم كلثوم هي المثل الأعلى لمي فاروق، كونها تعكس صورة المطربة الجادة، بداية من اختيارها للكلمات بعناية والألحان المناسبة، والعمل على الأغنية فترة طويلة لتخرج بشكل يليق بها وبجمهورها العظيم الذي ينتظر أغانيها بلهفة. في المقابل يردد تامر حسني أن والدته هي مثله الأعلى، لأنها كانت تتميز بالصبر والجلد والحنان والإيمان بالله، وهو يحاول أن يكون صبوراً مثلها وسط الحروب والإشاعات التي تستدعي صبراً وثقة في أن الله سينصره في النهاية، لأنه صادق في ما يقدمه. كفاح وموهبة سامية جمال هي مثل فيفي عبده الأعلى منذ احترافها الفن، لأنها تعاملت مع الرقص باعتباره فناً راقياً وتعبيراً بالجسد وليس ابتذالا، كذلك نجحت كممثلة بسبب قدرتها على اختيار أدوار مناسبة. أما رجاء الجداوي فترى في خالتها تحية كاريوكا مثلا أعلى لها، فهي كافحت لتصل إلى المكانة التي تبوأتها، كانت جادة في عملها، فرقت بين العمل وبين العلاقات الشخصية، اختارت أدواراً مناسبة لكل مرحلة عمرية، اعتزلت الرقص في الوقت المناسب، ساعدت المحتاج ولم ترجع أحداً طيلة حياتها، كانت لها مبادئ قوية لا تتنازل عنها مثل اعتصامها في نقابة الممثلين بعد صدور قانون النقابات الجائر. أخيراً يعتبر محمد فؤاد كل إنسان صادق مثلا أعلى له، لأن الصدق أحد أهم شروط النجاح، فلو لم يصدق الجمهور الفنان لما أحبّه، لذا لا يقدم لجمهوره إلا ما يقتنع به.