مدريد - تحت أشعة الشمس الحارقة وفوق الرمال الساخنة الممتدة إلى ما لا نهاية والتي يظهر بها بين كل حين وآخر شجيرة صغيرة تبدو كما لو كانت شاردة أو ضلت طريقها في خضم هذا المحيط الأصفر المترامي الأطراف، ستجري فعاليات "ماراثون الصحراء" أو سباق "الحمقى" الذي لا يهم فيه مقدار الكيلومترات التي سيقطعها العداء بقدر درجات الحرارة القاسية التي سيتعرض لها. واستوحت فكرة هذا السباق من (Maraton de Sable) أو "ماراثون الرمال"، الذي تجري فعالياته في منطقة الصحراء، حيث يتعين على المتنافسين قطع مسافة 115 كلم في صحراء "لوس مونيجروس" بشمال إسبانيا حيث تصل درجات الحرارة في الفترة التي ستقام بها المسابقة إلى 45 درجة مئوية. تقول مونيكا أجيليرا، الفائزة بماراثون (دي سابل) الذي يقطع خلاله العداءون مسافة 251 كلم في ستة أيام من المنافسات "يظن البعض أننا حمقى أو مجانين، ولكننا في الحقيقة نعشق التجارب الجديدة والمختلفة، لنظهر للجميع ما نحن قادرون على تحقيقه". وتأكيدا للأهمية الخاصة لهذه السباقات بالنسبة لأجيليرا ومن يشاطرونها نفس العشق تقول العداءة، التي سبق لها الفوز بماراثون سارتر الصحراويالقصير والذي تبلغ مسافته 45 كلم "هذه السباقات، وبالأخص ماراثون الرمال أعطتني الكثير.. أعني أكثر من مجرد الاشتراك والمنافسة والفوز". ووصف منظم السباق والذي سبق له المشاركة عدة مرات في "ماراثون دي سابل"، الإسباني نيل بويجاس "ماراثون الصحراء"، الذي ستجري منافساته في الفترة بين 14 و15 تموز/ يوليو القادم، كأحد تحديات إثبات الذات التي يتلخص فيها مفهوم سباقات الصحراء البعيدة عن كل مظاهر الحضارة". وتتجاوز مدة السباق ال10 ساعات، وبالكاد تهم أجزاء الثانية بل وحتى الثواني فيها، حيث أن أول فوز سجل في هذه المسابقة التي أقيمت منها نسخة واحدة مسجل باسم البرتغالي تيلمو فيلوسو، بعد أن تمكن من عبور خط النهاية في مدة زمنية قدرها 11 ساعة و15 دقيقة منذ انطلاقه من نقطة البداية. وأشار بويجاس إلى أن السباق تسيطر عليه روح الود والتضامن، حيث يساعد العداءون بعضهم البعض على الرغم من أن سبب اجتماعهم في الأساس كان من أجل المنافسة على تحقيق الفوز. والدليل على هذا أن فيلوسو فاز بالنسخة الأولى من ماراثون الصحراء عقب أن انتظره الإسباني ميكيل كابو على بعد مئة متر من خط النهاية وهو يجلس لكي يمنحه المركز الأول، وذلك بعد أن كانت مياه العداء الإسباني قد نفدت منه في النصف الأول من السباق ولكن نظيره البرتغالي أعطاه ما معه من ماء حتى يرتوي. وتغرب الشمس بعد سبع ساعات من بدء السباق وتنخفض الحرارة بمقدار 20 درجة تقريبا، ولكن يظهر عدو جديد أمام المتنافسين وهو ظلام الصحراء الدامس، ولكن الحل دائما موجود، حيث يرتدون قبعات عادية مزودة بكشاف فوق الرأس لإنارة الطريق لهم كما لو كانوا "سيارات بشرية" تسير فوق رمال الصحراء. وعلى الرغم من أن السباق في الليل أسهل كثيرا منه في النهار ويضفي قدرا من الانتعاش على المتسابقين، إلا أن ميجل كابو يؤكد أن آثار العدو في الشمس لا تختفي بشكل كامل، وتظهر في صورة صداع بالرأس، كما قال عقب وصوله إلى خط النهاية عام 2011. وستجري فعاليات النسخة الثانية من ماراثون الصحراء تحت شعار "أسوأ لحظة وأسوأ مكان"، ولكن الحق يقال إن أسوأ لحظة ومكان بالنسبة لأي عداء هو الصحراء الليبية في 13 سبتمبر/أيلول عام 1922 حينما تم تسجيل أعلى درجة حرارة شهدتها الأرض وهي 8ر57 درجة مئوية، ولكن على أي حال فإن حرارة صحراء مونيجروس الإسبانية التي تصل ل45 درجة مئوية كافية لوصف السباق بال"شاق". ولتوضيح مدى صعوبة السباق تقول الطبيبة نييفيس بالاسيوس، إخصائية التغذية "في مثل هذه الظروف، قد يفقد الإنسان ما مقداره لتر ونصف من السوائل في الساعة الواحدة"، لذا فإن أهم نصائحها للمتسابقين هي الحفاظ على مستوى جيد من المياه والسوائل حرصا على لياقتهم ومستوى أداءهم وتجنب الإصابة بالعدو الأكبر لأي مشترك بين هذه الإصابات المجنونة وهو ضربة الشمس. ويقول بوييجاس عن النسخة الماضية من الماراثون "كانت الظروف مقبولة حيث أن درجات الحرارة كانت أقل من معدلها حيث وصلت إلى 38 درجة فقط"، ولكن على الرغم من هذا فإن أكثر من نصف المشتركين لم يكمل السباق". وتفكر اللجنة المنظمة في زيادة جرعات المياه المتوفرة في نقاط الشرب والتي تقام بين كل 10 أو 15 كلم، وعن هذا الأمر يقول بويجاس الذي سبق له تسلق قمتي جبال إيفرست وأنابورنا، الأعلى على مستوى العالم "شرب المياه بحرص عنصر أساسي ويجب أن يهتم به كل عداء منذ اللحظة الأولى ويعرف كيف يوزع الجرعات على مدار مراحل السباق". وأشار بويجاس إلى أن مسار السباق سيظل سرا حتى قبل لحظات من بدء السباق كما حدث في النسخة الأول، حيث أشار العداء المغامر إلى أن هذا الأمر سيجعل المسابقة أكثر جاذبية وإثارة. وعلى الرغم من أن مونيكا أجيليرا قالت إنه بعد خوض منافسات هذا السباق فيجب الحصول على أسبوع من الراحة التامة مع بداية التدريبات بعدها بشكل خفيف، إلا أن بوييجاس قال "في كل الرياضات يظهر أشخاص خارقون كما لو كانوا قادمين من الفضاء، يوجد البعض الذي يبلغ متوسطهم الأسبوعي من 200 إلى 250 كلم ويذهبون للمشاركة في ماراثون دي سابل كما لو كان تمرينا ضمن حميتهم العادية".