حوار/ فاطمة أحمدون - تصوير/ سفيان البشرى: إرتبط الإمام الصادق المهدي زعيم الأنصار بالكثير من الأحداث التي لعبت دوراً أساسياً في إحداث نقلة سياسية كبرى على المستوى الحزبي والتنفيذي. وشاءت الظروف أن يكون هو أيضاً رئيس الوزراء، حتى 29 يونيو 1989م ليجد نفسه صباح اليوم التالي مُطَارداً من قبل قوات الانقلاب بقيادة العميد عمر البشير.. الكثير من الإتهامات وجهت اليه إبتداءاً بلا مبالاته وإهماله للجيش في الجنوب، واستبعاده للإنقلاب برغم المؤشرات والمذكرات، وبرغم التهديدات التي تؤكد إحتمال الإنقلاب التي وجهت إليه.. وقد تحدث من قبل مفسراً ومبررا،ً إلا أن رئيس الوزراء السابق يقدم في هذا الحوار مرافعة قوية، تكشف المزيد عن الأسرار !!! كيف خدع الإسلاميون العالم ؟ بمن فيهم أمريكا ومصر- أحداث ليلة الانقلاب، وكيف خرج الإمام من منزله ونجا من تصفية الإسلاميين، كلها تحدث عنها بشفافيةٍ داخل هذا الحوار.. قلت إن ما طرحه الإسلاميون من أسباب للانقلاب غير مبرر إلى أي شيء استندت في ذلك؟ لأننا قلنا لهم موضوع الشريعة والسلام غير قابل للمزايدة لذا لابد أن نتفق على نهج قومي للاثنين معاً أما مسألة أن هناك جهاتٍ أخرى ستقوم بانقلاب هذا ليس مبرراً، فمن غير المنطقي أن تقول ( في زول داير يسرق أمشي اسبقه) أما مسألة دخولهم وخروجهم فقد أخبرتهم أنها لا تتوقف على رغبة الجيش بل على البرنامج، وعلى أي حال في النظام الديمقراطي أفرض أنك ما دخلت الحكومة ما عندك البرلمان والحريات فكونك غير ممثل في الحكومة لا يعني أنك الغيت فلديك صحافة حرة وقضاء مستقل وعدم المشاركة في الحكومة لا يقلل من وزنك السياسي- الشاهد أن الإسلاميين لأسباب ما .. كانوا قد توصلوا إلى رأي بأن الطريق الأمثل للإستيلا على السلطة هو الإنقلاب.ولا يوجد شك في انهم استفادوا من العملية التحضيرية التي ذكرتها سابقاً، واستطاعوا أن يقوموا بعملية خدعة باعتبار أن المتحرك ليس الجبهة الإسلامية، ولكنه الجيش، ومن ضمن هذا الخداع أن يذهب الترابي إلى السجن، وهذه الخدعة مرت على الجميع أمريكان وانجليز ومصريين بل أن «مبارك» تسلم رسالة من السفير المصري بالسودان الشربيني تقول ( دول ولادنا) .. يقال إن «مبارك» لم يكن راضياً عن حكومتكم .. ! ولذلك بعث تأييده للإنقاذ قبل أن يتحرى؟ مبارك والأمريكان لم يكونوا راضين عن حكومتنا لأسباب محددة .. الأمريكان لأننا أغلقنا أي حديث عن تسفير (الفلاشا) واعتبرناه جريمة ! بينما يرون أنه من أركان السياسة الأمريكية- السبب الثاني أن نميري (كان عامل تسهيلات) للأمريكان في البحر الأحمر بغرض التنصت وتخزين معدات سريعة الإنتشار تمكنهم من التَّدخل في الخليج إن لزم الأمر، ولكن رغم ذلك لم تستطع أمريكا أن تحصل على تأييد ضدَّنا من دول الغرب الأخرى، فقد عطلنا السياسات التي كان يخدم بها نظام مايو الأمريكان في السودان، إضافة إلى إنهم أخبرونا بأنهم غير راضين عن علاقتنا بإيران وليبيا، وكانوا يريدونا أن نتبع سياساتهم في التعامل، ولكل هذه الأسباب رحب الأمريكان بالانقلاب تماماً !! أما حسني مبارك عندما عقد إتفاقية الدِّفاع المشترك مع نميري فقد كانت الاتفاقية تحت مظلة (النيتو) وهذا موضوع خطير جداً حيث أن الرُّوس السوفيت (عملوا) حلف مضاد دخلت فيه اليمن الجنوبية، وقد كانت ماركسية وأثيوبيا في عهد منقستو، وهي أيضاً كان ماركسية وليبيا وأصبح سبباً ليحتضن حلف عدن (جون قرنق) ويمده بالسلاح ولذلك غير صحيح أن إسرائيل هي من مدَّت قرنق بالسلاح!! ليبيا هي التي مولت الجيش الشَّعبي بأسلحة ثقيلة وكثيرة، ونحن كمعارضة في ذلك الوقت كانت لنا علاقات مع ليبيا، لكن أخفوا عني هذا الأمر الذي وافقت عليه بعض قيادات المعارضة، وبذلك أصبح المعسكر الشرقي حضَّناً للحركة الشعبية في عهد مايو. إذن كيف تعاملتم مع هذا الأمر بعد ذهاب مايو وتوليكم السلطة؟ بطرس غالي مهندس السِّياسة المصرَّية في افريقيا كان قد تحدث إليَّ في تصريح قائلاً (إن الحرب التي تدور في السودان هذه حرب داخلية) فقمت بالاتصال بحسني مبارك وطلبت منه أن يبعث لي بمسؤول نقوم بشرح وتوضيح الحقائق له وفعلاً أرسل لي عاطف صدقي رئيس الوزراء وعقدت له اجتماع (هنا بالاستراحة) مع القائد العام للاستخبارات وقائد العمليات وقمنا باجراء وتنوير كامل يتضمن توضيح لاعتماد الحركة الشعبية على المعسكر الشرقي، ثم طرحت عليه سؤالا .. ً هل هذه الحرب داخلية؟ أنكم موقعين على اتفاق الدفاع المشترك أين هو هذا الدفاع المشترك؟ نحن ندفع ثمن هذا الاتفاق! ولا نجد منكم أي دعم وهذا ما جعلنا نقرر وضع حداً للتكامل الذي قام به نميري. وأصبحنا نتحدث بلغةٍ أخرى هي الإخاء بدلاً عن التكامل والتعاون الأمني بدلاً عن الدِّفاع المشترك فاعتقدوا أن هذه اللغة موجهة ضد مصالحهم (وزعلوا) فكان لهم موقف معادٍياً للحكومة الديمقراطية فضلاً عن أنهم كانوا يتخوفون من تأثير الدِّيمقراطية على الشارع المصري وهذا السبب جعل مبارك يطوف كل البلاد العربية السعودية- الخليج ،عندما وقع الانقلاب مبشراً بنظام جديد في السودان لم يكن يعلم أن الإسلاميين خلفه. هذا يعني أنه ليس هناك أي جهة استطاعت التوصل لحقيقة هذا الانقلاب الإسلامي؟ لم تستطع أي جهة معرفة ذلك عدا السَّفارة الفرنسية وعندما أرسل السفير الفرنسي بخبر لوزارة الخارجية الفرنسية قال أن هذا الانقلاب إسلامي وليس عسكري تم استدعاؤه وقال لي إن هذه المعلومة كانت سبباً في فتح مجلس تحقيق بحجة أن المصريين والانجليز يعرفون السودان أكثر، وأنه بهذا المعلومة يريد تضليل فرنسا بمعلومةٍ خاطئةٍ وأن ثبت ذلك سيتعرض لمساءلة كبيرة جداً و المهم أخبرني أنه بعد ستة شهور تم استدعاؤه واستقباله بالبساط الأحمر لنجاحه في مهمةٍ فشل الانجليز والمصريون والأمريكان في التوصل اليها. متى ظهرت حقيقة أن الإسلاميين خلف هذا الانقلاب؟ بعد خمسة- ستة أشهر تقريباً عرفنا الحقيقة وهذه حقبة مهمة من التاريخ. أين كنت ليلة 29 يونيو؟ يقال أنك وأركان حكومتكم كنتم في حفل زواج؟ لم أكن بمناسبة زواج بل كنت بمنزلي، وكنَّا في ذلك اليوم (مساهرين) بالبرَّلمان وظللنا نناقش حتى الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ومن أهم الأشياء التي كنا نناقشها هي (قدر أيه نجحت الديمقراطية في حل الأزمات) برغم التظاهرات وانعدام سلعة السكر وماسأة السيول والأمطار ترون أن الديمقراطية نجحت؟ واجهنا (مشكلة) المظاهرات وقمنا بمعالجة مشكلة السيول والأمطار بأن جمعنا العالم كله في مؤتمر أتى بدعم كبير جداً للسودان من كل الدول أما المظاهرات فقد عقدنا مؤتمراً جمعنا فيه العمال والنقابات وكل الذين كانوا يخططون للقيام بانتفاضة واتفقنا على مخرج اضافةً إلى أننا توصلنا إلى حل في مشكلة مذكرة القوات المسلحة، وكنا نناقش الميزانية في البرلمان التي قدمها وزير المالية في ذلك الوقت عمر نور الدائم، والكل وافق عليها اتحاديين- أمة- شيوعيين جنوبيين- مستقلين عدا الجبهة الإسلامية القومية التي تغيب نوابها ال 50 عن الجلسة في ذلك اليوم، وكان بالقرب مني عمر نور الدائم فقلت له (المنظر دا ما يستمر «حاينسحر » دا حاجة ما معقولة) البرلمان كله وقف تأييداً لما توصلنا اليه من معالجة!!! متى علمت لأول مرة بوقوع الانقلاب؟ وأين كنت لحظة تحرك القوات؟ كنت جالس (بالمصلاية) بعد صلاة الفجر جاءني أحد أبنائي هو الصِّديق وقال لي (يا أبوي البيت محاصر بالعساكر) وذلك في منزلي ب«ود نوباوي» وفي تقديري أنهم كانوا يخططون لاعتقالي أو ربما حسب ما سمعت كانوا يخططون لتصفيتي وتصفية من ينفذون هذه المهمة بعد ذلك ، المهم (أنا بقيت ما عايز أطلع من البيت( وجاءني خاطر بأنه لازم أغادر البيت وأغرب مافي الأمر أن منزلنا بودنوباي الباب متجه شرقاً والشارع جنوباً نحو 300 متراً وخرجت وسط هذا الحصار بالباب. يقال أنك غيرت ملامحك صباح الانقلاب؟ أبداً- فقط لم أرتدي (العمامة) .. خرجت بالباب ولم يتبعك أحد ولم يستوقفك العسكر؟ «مرقت» بالباب «على عينك يا تاجر» والشارع أمام منزلنا بود نوباوي طويل كما أخبرتك وكنت أسير كل هذه المسافة (برجليني) حتى أختفيت وكان من المفترض أن يستوقفوا أي شخص خرج من منزلي بالباب المتجه شرقاً وبعد ذلك اتجهت جنوباً ولم يسألني أحد!!